احتفل أمازيغ الجزائر خلال الأسبوع الحالي برأس السنة الأمازيغية 2971، وتنوعت مظاهر الاحتفالات من منطقة لأخرى حسب عادات الموروث الشعب.
واختارت “العين الإخبارية” التي أوردت الخبر، التنقل إلى شرق الجزائر حيث يتمركز “الشاوية” الأمازيغ، لكونهم يمثلون أكبر عدد سكان الأمازيغ بالجزائر بأكثر من 8 ملايين نسمة، بالإضافة إلى موروثهم الثقافي الذي يعد الأكبر والأكثر زخماً بين كل أمازيغ الجزائر.
ومن العاصمة إلى ولاية باتنة التي تسمى أيضا عاصمة الأوراس حيث أطلقت أول رصاصة في الثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي ليلة الأول نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وبدأنا رحلة كنا نعتقد أنها مخصصة فقط لتغطية احتفالات الرأس السنة الأمازيغية.
كلما زادت المسافة زاد الانبهار بجمال وسحر المنطقة التي تحيط بها الجبال من كل جهة، لا تزال تسرد تاريخ بلد كامل.
مناظر ساحرة لسلسلة جبلية تختلف من مكان لآخر، أو لنقل من كيلومتر لآخر، حتى كاد ذلك الجمال الرباني أن ينسينا هدف التنقل إلى ولاية باتنة.
ووفق البرنامج المسطر، فقد أقيمت الاحتفالات الرسمية بدائرتي “منعة” و”بوزينة”، مما دفعنا للتنقل مرة أخرى خارج حدود عاصمة الولاية باتنة وتحديدا إلى دشرة “تاقوست” التي تبعد عن العاصمة الجزائرية بنحو 700 كيلومتر.
كلما سألنا الناس عن الطريق المؤدي لهذه القرية كانت لهم إجابات واحدة “إنها دشرة رائعة لكنها منسية”، حينها زاد شغفنا للتعرف على جمال هذه القرية الصغيرة، وكيف لها أن تكون غياهب النسيان.
في الطريق إلى دشرة “تاقوست” اكتشفنا سحرا من نوع آخر، جبال صخرية مختلفة عن الموجودة بالمنطقة، يتغير لون تربتها من مسافة لأخرى، بني ثم أصفر إلى أن وصلنا إلى التربة الحمراء التي تغطي جبالها وكل أرضها.
كل شيء في ذلك الطريق كان يوحي بأنها ثقافة شاوية أمازيغية لن يجدها السائح في أي مكان بالجزائر، لا تزال النسوة ترعى الغنم وتحمل على ظهرها الحطب، وهي ترتدي ذلك اللباس التقليدي الشاوي، والوشم الشاوي على وجهها ويديها.
دشرة “تاقوست” تابعة إدارياً لدائرة “بوزينة”، كان لزاماً أن نمر عليها لنصل إلى القرية، وجدناها على غير بقية دوائر ولاية باتنة منطقة هادئة جدا، تقل فيها حركة المرور وحتى سير أهلها، رغم أنها كبيرة وبها منازل كثيرة.
لم تكن تلك المناظر الطبيعية الخلابة ما يسحر الزائر فقط، بل طيبة أهل “بوزينة” و”تاقوست” “يقدسون الضيف”، لا يسألونه من أين أتى أو عن سبب مجيئه، وإذا سأل عن شيء كانوا أول معين له، هذا ما حدث لنا عندما سألنا في “بوزينة” عن قرية “تاقوست”، حيث قام رجلان من المدينة بنقلنا إلى الدشرة التي تبعد عن بوزينة بنحو 10 كيلومترات وعادا أدراجهما بعد ذلك.
وجدنا “تاقوست” قرية ساحرة، وكأنها مجهزة لعمل سينمائي تاريخي، لا تزال منازلها كما كانت منذ عشرات السنين، مبنية بالطين والحجارة، قاومت كثير منها عوامل الزمن، خصوصاً وأن المنطقة معروفة بقساوة طبيعتها، حتى إن درجات الحرارة كانت طوال يوم كامل أقل من درجتين مؤية.
رغم ذلك الطقس البارد، إلا أن دفء استقبال أهل الدشرة ينسي زائرها ذلك البرد القارس، كما أن جمالها الخلاب النادر بالجزائر يأخذك في عزلة راحة نفسية بعيدا عن ضغوط الحياة.
منازل طينية تحيط بمعظمها أشجار التين الشوكي الذي تشتهر به منطقة الأوراس، وتربة حمراء، وجبال غريبة المظهر، وهواء نقي، وهدوء تام، كلها عوامل كان الإنسان سيعجز عن تحضيرها إن أرادها لراحته أو لعمل سينمائي.
بدأنا نسمع أهازيج، إنها الثقافة الشاوية التي كانت تدوي في القرية الصغيرة، اقتفينا أثر تلك الأصوات، ومررنا عبر ما يشبه الأنفاق القديمة المصنوعة من الحطب والطين، تتوسطها منازل قديمة.
وجدنا مجموعة من الشباب والأطفال يؤدون أغاني شاوية، كان فيها الدف الحاضر القوي أو كما يسمى عند أهل الشاوية بـ”البندير”.
كانت تلك جمعية “سياحة وأسفار” التي تنقلت إلى دشرة “تاقوست” لإقامة احتفالات السنة الأمازيغية، كانت معهم بنات وأطفال من مختلف الأعمار يرتدون الألبسة التقليدية الشاوية.
“الملحفة” الشاوية للبنات و”القشابية” الشاوية للذكور، من أكثر رموز الثقافة الشاوية وموروثها الشعبي الذي أبى الاندثار.
كان نسيم غشام أحد أعضاء الجمعية في استقبالنا، حدثنا عن دور جمعيته في حرصها الحفاظ على الموروث الشاوي، ونقله إلى الأجيال الجديدة رغم قلة الإمكانيات والتهميش الذي تعانيه المنطقة التي ينطق كل ما فيها بتاريخ وثقافة وموروث أصيل قل نظيره في الجزائر.
“الدف” أو “البندير” أحد العلامات المسجلة للشاوية، وجدنا كيف تتقن فتيات في مقتبل العمر الضرب عليه بالإيقاع الشاوي الجميل الذي لا يمكن مقاومته إما بالرقص عليه أو القيام بحركات تتماشى مع إيقاعه القوي، وتلك الأغاني باللهجة الشاوية المستمدة من تراثهم العريق.
كانت من بين الحاضرين أيضا “وهيبة” وهي أستاذة اللغة الأمازيغية و”زينب” من سكان المنطقة، قدمت لـ”العين الإخبارية” تفصيلا عن مظاهر احتفالات الشاوية بالسنة الأمازيغية وعاداتهم الخاصة بهذه المناسبة السنوية.
وصفت تلك المظاهر بـ”الفرح الذي يعم المنطقة، يشارك فيه الكبار والصغار”، كما أنهم يتبادلون التهنئة فيما بينهم.
كما كشفتا لنا أن التحضير للاحتفالات يكون قبل أيام من ذلك التاريخ، وعدن بحديثهن أيضا إلى عادات أجدادهم القديمة الخاصة بالاحتفال بـ”يناير”.
أبرز ما يتم تحضيره هو طبق “الشرشم” المصنوع من حبات القمح أو الذرة، والذي يعتبر في الموروث الشاوي القديم “فأل خير لعام فلاحي مثمر”، حيث كانوا ولازالوا يضعونه تحت الأشجار.
وفي معتقداتهم فإن ذلك يعني “عاماً أخضر” وأن “الشجار تثمر” ويكون المحصول وفيرا، وهي المنطقة الفلاحية المشهورة بأشجار التفاح والمشمش والجوز والتين الشوكي وغيرها.
ومن عادات الشاوية أيضا أن يتوجه أهلها في اليوم الموالي لسقي الماء، وهي عادة مميزة عندهم، حيث يرتدي الأطفال ألبسة جديدة قبل ذلك، دلالة أيضا على بداية عام جديد بألبسة جديدة.
*العين الإخبارية