دلالات اعتصام أهالي انركي

بقلم: د. عبدالله الحلوي

ما هي دلالات مسيرة العشرات من أهالي انركي على الأقدام قطعوا من خلالها 100 كيلومتر مشيا باتجاه ولاية بني ملال يوم الاثنين 13فبراير 2017  للفت انتباه المسؤولين إلى مطلبهم بتوفير مؤسسة إعدادية لأبنائهم، واعتصامهم  بالقرب من مقر ولاية بني ملال خنيفرة حتى تحقيق هذا المطلب؟

الدلالة الأولى لذلك أن ساكنة المناطق التي تعاني من التهميش الممنهج الذي أسست له الأيديولوجية الكوليونيالية بتمييزها الشهير بين “المغرب النافع” و”المغرب غير النافع” أصبحت واعية بهذا التهميش الممارس ضدها وبدأت تطور وعيا اجتماعيا بحقها في تعليم أبنائها في إطار شروط مناسبة وعادلة.

الدلالة الثانية أن ساكنة المناطق المهمشة منهجيا لم تعد تتحمل أسلوب التسويف. فرغم أن محمد دردوري والي جهة بني ملال خنيفرة خرج ليلا واستقبل حوالي سبعين من المحتجين ووعدهم بحل مشكل إحداث ملحقة الثانوية، إلا أن الأهالي لم يقتنعوا بالعرض وقرروا الاعتصام بالقرب من مقر الولاية إلى أن تتحقق مطالبهم.

الدلالة الثالثة أن ساكنة المناطقة المهمشة منهجيا لم تحمل مطلبا محددا وواضحا فقط، بل ساءلت سياسة صانع القرار في التعامل مع حقها في تعليم أبنائها. فقد اعترف رئيس المجلس الجماعي بوجود مشروع تم إقباره منذ سنة 2009 لبناء إعدادية وتوفير منح لأبناء الساكنة، مما يطرح أسئلة جدية عن محددات التعامل السلبي لصانع القرار مع مثل هذه المشاريع. فلا زال العقل السياسي المهيمن يتعامل مه احتياجات هذه المناطق بصفتها مجرد مشاكل أمنية لا تتم معالجتها إلا إذا استدعت الضرورة الأمنية ذلك.

الدلالة الرابعة أن وعي ساكنة المناطق المهمشة بحقهم في تعليم أبنائهم في ظل شروط مناسبة وعادلة ليس مجرد وعي نخبوي للهيئات الحقوقية والسياسية، بل هو وعي عبر عن نفسه من خلال فئات مختلفة من المجتمع المدني الحقيقي. فبحسب شهود عيان “حمل السكان مؤونتهم في أكياس، كما حملت أمهات أبناءهن الصغار على ظهورهن في رحلة استغرقت ثلاثة أيام كاملة يبيتون فيها في العراء على جنبات الطريق كل ليلة قبل أن يستأنفوا المسير لإيصال مطلبهم إلى والي ولاية جهة بني ملال خنيفرة والمتمثل في توفير ثانوية إعدادية تمكن أبناءهم من استكمال مسارهم الدراسي دون التنقل إلى مناطق بعيدة أو الإنقطاع” (أزيلال 24) ..

لقد تحول الواقع السوسيو اقتصادي المختل الذي قسم مغرب اليوم إلى “مركز” يستفيد فيه أبناء الأقلية من التكوين القريب و”الجيد” و”أطراف” تهمش أغلبية الساكنة بحرمانهم من الفوائد المعروفة لهذا التكوين ـ تحول هذا الواقع إلى وعي فئوي بضرورة التحرك في الشارع من أجل الضغط على صانع القرار بما يخاف منه صانع القرار، أي زعزعة الثقة في ما تسميه الأيديولوجية الإعلامية للمخزن ب”الإستثناء المغربي”.

مهما كانت المضاعفات السياسية والأمنية لمسيرة آيت وانركي، فإنها تكشف مرة أخرى عما كنا نؤكد عليه دائما بأن العامل المؤسس لإقصاء إيمازيغن سياسيا هو إقصاؤهم السوسيو اقتصادي الناتج عن إهمالهم لدائرة التكوين من تدخلهم النضالي. الحل؟ .. مشروع مجتمعي شامل يجمع بين الحوافز الهوياتية في دائرة استعادة الوعي بالحقوق الهوياتية المسلوبة، والحوافز السياسية في دائرة النضال السياسي، والتأسيس لثقافة الإبتكار في دائرة التكوين والتكوين المستمر من خلال المجتمع المدني.

فتحية تقدير لأهالي انركي .. قلوبنا معكم حتى تحقيق مطالبكم العادلة، وشكرا لنسائكن اللواتي تقطعت أقدامهن من كثرة المشي والبرد لكي يقلن للجميع: “لقد همشتمونا، ولكننا لن نقبل أن تهمشوا أبناءنا أيضا!”

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *