من المعلوم أن للمغرب خصوصية دينية عبر التاريخ، تعتمد المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ، وصامدت طيلة عقود أمام محاولة المذاهب الأخرى اختراق جدار الإسلام المغربي والتمكن من التدين المغربي دون أن يتمكنوا من ذلك.
وأمام طبيعة الشخصية المغربية التي تميل إلى الوساطية والإعتدال ونبذ العنف وكراهية التطرف، نجد مؤسسة الأولياء والصالحين بالمغرب العميق والهامش كان لها الفضل في صياغة نموذج ديني سهل وسلس، استطاع أن يتأقلم مع المحيط الاجتماعي والجغرافي لعموم الساكنة.
هذا النموذج في التدين الذي وصفه الانتروبولوجي إرنست گلنر بالدين السفلي أو الشعبي، كان يعتمد ممارسة الشعائر الدينية ببساطتها والاخذ بالجوهر منها ، دون تشدد أو تكفير ، مع وجود وساطة بين الإنسان وربه، تجعله ليس كافرا أو ملحدا أو ناكرا للاله بقدر ما كانت طريقة في الإستجابة لطبيعة وفطرة الإنسان التي تهوى الألهة القريبة والمجسمة والمتعددة ثم العودة إلى الإله الواحد الأحد.
وانتشار الأضرحة والزوايا بالمغرب، واعتماد المواسم الدينية والطرق الصوفية، وممارسة طقوس دينية، واحترام الأولياء والصلحاء وتوقيرهم من طرف عموم المواطنين والعودة إليهم في كل نازلة قد تؤدي إلى الفتنة والإنشقاق، والمحافظة على مسافة من الإحترام والتوقير وعدم الرغبة في الحكم مع الأسر الحاكمة والمالكة في تاريخ المغرب، قوت الشوكة الدينية المغربية وحافظت على السلم الإجتماعي والخصوصية المغربية.
ولا غرابة أن نجد في التدين المغربي إجابات شافية لمسائل دينية عرفت خلافا شاذ في المداهب الأخرى وغلو يكاد يجعلها في خانة الخطوط الحمراء في النقاش والتداول، بينما في المغرب تم تبسيطها حسب المجال وطبيعة الإنسان في استحضار دائم للخصوصية المحلية واعتبار الدين أمر بتسهيل مهمة العبادة للانسان على البسيطة.
واليوم وبعد أحداث إرهابية كادت أن تحول البلاد إلى مسرح للتطرف الديني وتقلب المداهب، وذلك بعد تسهيل مع مذاهب خاريجية في الدخول، عادت الدولة إلى هيكلة الحقل الديني وتقوية مناهل الدين المغربي الشعبي الوساطي المعتدل الذي يمارس في المسجد والزاويا والمدرسة العتيقة والاضرحة بخصوصية مغربية تضمن السلم الإجتماعي والديني وتقبل الأخر وتعمل على المشترك والاساسي في الأركان والواجبات.
ولعل الاهتمام بالزوايا ودعمها ماديا ومعنويا وإعادة هيكلتها حتى تكون في مستوى تحديات العصر، وادماج المدارس العتيقة في المنظومة التربوية المعقلنة بتوفير ظروف ملائمة للتدريس وتحفيظ القرآن الكريم والمتون وعلوم الدين والشريعة، وتسخير الإعلام العمومي لخدمة النموذج المغربي في التدين إشارات من الدولة إلى تبنيها للإسلام الشعبي المعتدل الوساطي وبعدها عن كل تجربة خاريجية لن تجد في تربة المغرب مكانها.
وعودة إلى دور الزوايا التي تؤطر وتربي الإنسان على حب الوطن، وحب الجماعة، والإيمان بالوحدة، والتسامح ، وما تقوم به المدارس العتيقة والمعاهد الدينية من إنتاج لعقول ورجالات ونساء يحملون مشاريع دينية في الاعتدال والوساطية .
واليوم تجربة المغرب الدينية ذات جذور عميقة ، عادت إلى تخوم افريقيا لإعادة مشروع الوساطية والاعتدال التي عرف بها افريقيا في التدين منذ عقود.