دولة الوهم

بقلم: سعيد الفارسي

دولة باعت الوهم للعالم واخبرتهم عن استقرارها وأثبتت عن نموذجها/المغربي في الانتقال الديمقراطي، كما سارعت إلى التعريف به في أكبر الجامعات الدولية، بحيث أصبحت تعتقد أنها تخوض معركة الديمقراطية، كجنوب افريقيا أو مثل بعض دول أمريكا اللاتينية، دون الحديث عن المبالغ المالية المهدورة في غاية نفس يعقوب.

فكيف لحركة إحتجاجية في الريف/الحراك إستطاع أن يعيد الأمور إلى نصابها، ووضع المغرب في أزمة حقيقية مع مجموعة من الشعارات الفضفافة والفارغة من المحتوى التى تبجح بها أكثر من عقد من الزمن. فهل الحراك الشعبي قوة سياسية لم ندرك محتواها بعد أم أن الصراع الريفي/ المخزني لازالت إرهاصاته إلى يومنا هذا؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من الوقوف عند ماهية الحراك الشعبي، فهكذا يجيب #السوسيولوجي الريفي #مرزوق الورياشي:” حراك الريف هو عنوان أزمة وعنوان فشل. إنه يترجم إلى حد بعيد شرخاً قائماً بين الدولة والمجتمع. هذا الشرخ، عوض تداركه وتقليصه، يزداد فجوة. التنظيمات الحزبية والنقابية عاجزة عن تأطير المواطنين وتنظيمهم والدفاع عن مصالحهم وطموحاتهم، والدولة لا تشتغل إلا حسب مبدأ “الأدنى الممكن” في الملف الاجتماعي ومبدأ “الأقصى الممكن” في الملف الأمني، ناسيةً أو متناسيةً أن الأمن المستديم يمر عبر معالجة الملف الاجتماعي وتحقيق كرامة ورفاهية المواطنين”. كما استرسل حديثه عن الحراك وربطه بعوامل تاريخية محضة وهنا يقول: “خلافاً لحراك الريف ذي الطابع الإقليمي المشحون بمركب تاريخي ثقافي إضافة إلى التهميش الاجتماعي والاقتصادي وإلى الطابع الشعبي للفاعل الجمعي المستقل عن تأثير النخبة، بل والمتعارض معها…” من خلال إطلاعنا على ما أشار إليه الورياشي من عوامل مترابطة فيما بينها جعلت الصراع الريفي/المخزني يطفو فوق السطح من جديد، ومدى فعل المقاربة الأمنية التي نهجها المخزن من أجل إخماد شرارة الحراك وإلا هي دليل قاطع على فشل المخزن في سياسته التنموية وخاصة التطويعية للريف.

حراك الريف جعل الدولة المخزنية تخوض امتحانا عسيرا في جميع القطاعات الحيوية، هذا ما حصلت عليه في التنقيط، الاستياء العام لدى ساكنة الريف وعموم الشعب المغربي منذ إستشهاد محسن فكري، إخفاقه في عملية الإنتقال الديمقراطي، تنقيط تحت الصفر من لدن أغلبية المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، دون أن ننسى إعلان رئيس الدولة بنفسه على فشل ذريع للبرامج التنموية والاقتصادية، كما أعلن عن فشل التنظيمات السياسية والمدنية في مهمتها ألا وهي تأطير المواطنين وتنظيمهم.

في ظل هذه الأوضاع المتوترة جدا بين المركز والهامش؛ أي بين المغرب النافع والغير النافع، وهنا نجد الأستاذ محمد #بودهان في إحدى مقالاته التحليلية يعيد النظر في بعض المفاهيم الكلاسيكة لتعريف المغرب النافع والغير النافع، يستنتج ما يلي: ” المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، هو أن هذا “المغرب غير النافع”، إن كان لا ينتفع من ثرواته، فذلك لأنه “ينفع” بها، مُكرها لا راضيا، “المغرب النافع”، الذي يستولي عليها ويستغلّها لتنمية المدن والمناطق التابعة له. وهو ما يؤدّي إلى إفقار “المغرب غير النافع”، الغني بثرواته وموارده، وإغناء “المغرب النافع”، الذي لا يتوفر على مثل هذه الثروات والموارد. لدينا إذن مناطق، وهي لا تمثّل إلا نسبة صغيرة من مساحة المغرب، تنتفع من خيرات وموارد مناطق مغربية أخرى، تمثّل النسبة الأكبر من هذه المساحة، لكنها محرومة من الاستفادة من خيراتها ومواردها.”

إلى جانب هذه القراءة التي يقدمها لنا الأستاذ بودهان في إعادة النظر لبعض المفاهيم ومدى استغلال المركز للهوامش والانتفاع بهم على حساب الإستغلال الإقتصادي، لكن المخزن لن يقف عند هذا الحد وفقط، بل تماهى في صراعه مع الهامش في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية.
في الجانب الثقافي مثلا عمل على تعريب الإنسان والحجر وقام باستئصال كل ماهو مرتبط بالذاكرة الجماعية وبالتحديد كل ما لديه علاقة بالشرعية التاريخية لعبد الكريم الخطابي وجميع الرموز التاريخية. المخزن يعمل بذكاء جماعي/مؤسساتي في صراعه مع الهامش أي المغرب الغير النافع، يوظف جل الوسائل من أجل تمرير جميع المخططات والوقوع بنا في التبعيةوالإحساس بالدونية مع كل ما هو مركزي، ثقافيا، اقتصاديا وسياسيا إلى درجة بأن كل التنظيمات السياسية تعقد مؤتمراتها بالمركز وإلا مصيرها الفشل.

هكذا عاد الحراك الشعبي بالصراع من جديد بين المخزن والريف على أعلى مستويات، ثقافية/هوياتية، اقتصادية واجتماعية، بحيث نجد المخزن هذه المرة يفقد أعصابه خائفا من استمرارية الصراع وانتشاره الواسع في باقي مناطق المغرب الغير النافع ، مما جعله يضرب بالحديد والنار للقضاء على شرارة الصراع، إلا أن الطرف النقيض للمخزن لعب دور الضحية وفي غالب الأحيان لم يستوعب بعد آليات المجابهة مع المخزن نتيجة غياب التأطير وتحديد موقع الصراع بمجرد القضاء على قيادة الحراك والزج بهم في السجون. أعتقد مادام الصراع مستمرا نحن لسنا بضحايا بقدرما نخوض معركة أخلاقية وحقوقية التي بالضرورة سوف تفرض تضحيات جسيمة وواجب المساهمة في تطوير هذا الفعل النبيل من أجل التغيير تحقيقا للكرامة الإنسانية.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *