رأي في واقع المثقف أو في نهاية الأسطورة

مبارك أشاوي (طالب)

يعرف المثقف بنقده لكل التجاوزات الصادرة عن الأنظمة السياسية خاصة تلك التي تحاول احتكار السلطة بكيفية مطلقة وفرض التسلط على المقدرات وحرية النقد والتعبير، أو عن مظاهر الاستبداد المصاحبة لذهنيات المجتمعات المترسبة والتي تحول دون التقدم والنمو بسبب هيمنة أنماط التفكير التقليدانية وسيطرة التمثل الخرافي اللاعلمي والمطلق على تأويل الظواهر الاجتماعية باختلاف أنواعها ومعضلاتها. يتموقع المثقف “العضو” في مجتمعه حسب تعبير “غرامشي” في برزخ خطير إذ لا يكتفي بمعاينة الوضع السياسي المتسلط بل يدلو بدلوه لإعطاء رؤيته في الإصلاح، كما لا يكف عن نقد المجتمع الغارق في ألوان من الرجعية والتأخر التاريخي، أي أن المثقف يتوجه بنقد مزدوج لنوازع ممارسي السياسة واستيهامات المجتمع.

أما الأمر الذي يثير عاصفة من القلق فهو الواقع الخاص بهذا الشخص الفاعل بموضوعية وحياد، اليوم لم تعد المكانة المرموقة للمثقف في المجتمع لكي يتحدث ويفصح عن آرائه في قضايا السياسة، الهوية، المجتمع والحضارة والتوجيه المعرفي في كافة نواحيه…لم يعد المجتمع آبها للخطاب الهادئ الذي تحركه رزانة العقل ويعارض نتاجات المجتمع الذي يسير نحو هوة افتقاد القيم والذوق الرفيع وشجب المعنى. كل السطوة لداعية مدغدغ للعواطف، أو مؤثر ضيق الأفق سطحي الثقافة يدعي تقديم العلم، أو تافه ذو محتوى منحط في موقع تواصلي، أو سياسي براغماتي يعادي الثقافة لأنها تهدد مصالحه… علينا أن نقول بأسى مع جان زيكلير “يجب إقامة متاحف للمثقفين على شاكلة المتاحف الأخرى”.

الموت المعنوي للمثقف في هذا الوقت السيء يعني موت التفكير في الإصلاح وانهيار المجتمع وتعمق مآسيه.

شاهد أيضاً

بيلماون والاحتفالية الأمازيغية بين موقفين

تثير الاحتفالات السنوية “لبيلماون” تقاطبا متواصلا في الآراء والمواقف، بين المعارض للاحتفال والمتفق مع استمراريته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *