أكد مولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، أن تفعيل التقاضي عن بعد في إﻃﺎر اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻻﺣﺘﺮازﻳﺔ المتخذة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد 19 المستجد، والتي فرضت تحديات قانونية وحقوقية، “يعد مسألة ضرورية وسابقة في مسار منظومة العدالة في بلادنا”، موضحا أنه تم “ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻗﺎﻋﺎت داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت السجنية ورﺑﻄﻬﺎ مباشرة ﺑﻘﺎﻋﺎت اﻟﺠﻠﺴﺎت، مما مكن ويمكن اﻟﻬﻴﺌات اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ من ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘلين الموجودين داﺧﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺴﺠﻨﻴﺔ ﺑﻌﺪ موافقتهم وبحضور دفاعهم من الفصل في قضاياهم في آجال معقولة وبضمانات توفير شروط المحاكمة العادلة المعتمدة في هذا الصدد”.
وأبرز رالوكيل العام للملك خلال أشغال الندوة الوطنية حول موضوع: التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة، المنظمة اليوم الثلاثاء 27 أبريل 2021 بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، أن “اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لتجاوز الظروف التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد، يندرج ضمن استراتيجية بلادنا الهادفة إلى تطوير منظومة العمل القضائي والنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز شروط المحاكمة العادلة”.
وأشار في معرض كلمته أن “الهدف من استخدام هذه التقنية ضمان استمرار سير مرفق العدالة بحكم أن القضاء يعد الملجأ الأول لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية والذي يعتبر الفصل في القضايا لاسيما المرتبطة متعا بالحريات كتلك التي تتعلق بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال داخل آجال معقولة من أهم الآليات التي تكرس الحق في محاكمة عادلة”.
وأضاف:”إذا كان القانون المغربي لم يتطرق صراحة إلى إمكانية اعتماد المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهم، فإن المادة 347-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على إمكانية لجوء المحكمة إلى استعمال تقنيات الاتصال عن بعد للاستماع إلى الشهود”.
كما أن مشروع قانون المسطرة الجنائية وانسجاما مع مخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، يضيف الوكيل العام للملك، جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية المستجدة التي تعالـج موضوع المحاكمة عن بعد، والتي نأمل أن تجد طريقها إلى المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في أقرب الآجال في أفق اعتماد الآليات المنظمة لتطوير عدالتنا.
وأكد في سياق مداخلته أن موضوع المحاكمة عن بعد “ما فتئ يثير نقاشاً بين من يتمسك بضرورة الحضور المادي شخصيا للمتهم أمام هيئة الحكم في قاعة المحكمة وبين من يتبنى مفهوم الحضور الافتراضي للمتهم، وهذا الرأي الأخير هو ما تم تبنيه من طرف أغلب القضاء المقارن، الذي يؤكد على أنه لا وجود لأي تعارض بين المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة وأن ما يتم التركيز عليه في هذه الرقابة القضائية هو جودة الوسائل التقنية المستعملة في المحاكمة والتي تمكن كافة أطراف الدعوى من التواصل وممارسة الإجراءات والتمتع بالضمانات في أحسن الظروف.”
وأوضح المتحدث، أنه إذا كان النقاش حول شرعية المحاكمة عن بعد مبرر في الظروف العادية من أجل تحسين تصريف العدالة أو تسريع الإجراءات وتخفيف الاكتظاظ، “فإنه في الظروف الاستثنائية حيث تكون الغاية منها التوفيق بين حماية حقوق الأشخاص ولحماية الصحة العامة، وذلك لكون حق المواطنين في الفصل في النزاعات داخل أجل معقولة يهدف الحصول على حقوقهم المضمونة دستوريا وقانونيا، يعتبر أهم عنصر في دعم ثقة المتقاضين بالقضاء، وحقاً من حقوق الإنسان خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا ذات الطبيعة الزجرية، وعلى هذا الأساس تعد المحاكمة عن بعد الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية خاصة في ظل الظروف الاستثنائية الحالية التي تشهدها بلادنا والعالم “.
وشدّد الوكيل العام للملك على إن اعتماد المحاكمة عن بعد باستعمال وسائل الاتصال السمعية والبصرية يدخل في إطار الرؤية المستقبلية للعدالة الرقمية التي تصبو إليها بلادنا، والتي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف “تتمثل بالخصوص في ترشيد الزمن القضائي ، وادخار الجهد، بما يضمن البت في القضايا داخل آجال معقولة، وكذا المساهمة في الحفاظ على المال العام وحسن تدبيره لما تحققه التقنية المذكورة من اقتصاد في نفقات الدولة عن طريق تفادي المصاريف والتكاليف الثقيلة التي يقتضيها نقل المعتقلين، وتوفير شروط حراستهم وحمايتهم، هذا فضلا عما تشكله التقنية من تحديث لمرفق القضاء وجعله يواكب التطور التكنولوجي ويمكن من مواجهة الظروف الاستثنائية التي يمكن أن تجعل من الاستماع للأطراف ونقل المعتقلين أمرا صعبا أو محفوفا بالمخاطر كما هو الحال بالنسبة للظرفية الراهنة المرتبطة بوباء كورنا المستجد”.
وأكد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، أن تجربة التقاضي عن بعد مكنت من تدبير مرفق القضاء “بحكامة جيدة ونجاعة، من خلال تفادي انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد والحفاظ على الصحة والسلامة لكل المرتفقين وذلك انسجاما مع التدابير والإجراءات الأخرى المتخذة من طرف السلطات المعنية للحد من انتشار هذا الوباء”، كما مكنت في نفس الوقت، يضيف “من صون ضمانات المحاكمة العادلة داخل أجال معقولة، حيث تم منذ بداية العمل بها في 27 أبريل 2020 إلى غاية 16 أبريل 2021 من عقد 19139 جلسة عن بعد، أدرجت فيها 370067 قضية، استفاد منها 433323 معتقلا، وأفضت إلى الإفراج عن 11748 منهم، ولولا اعتماد هذه التقنية لما تمت محاكمتهم ولظلوا قيد الاعتقال”.