قال الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، إن “موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أضحى اليوم يكتسي أهمية بالغة، بالنظر لما يترتب عنه من مخاطر جسيمة. حيث يؤدي إخفاء وتمويه الأموال غير المشروعة وإضفاء الشرعية عليها، إلى احتكار المجرمين لهذه الأموال. وبالتالي التحكم في الحركة الاقتصادية. مما ينعكس بشكل مباشر على مستويات مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبالتالي على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك أوجب القانون على الأشخاص الملزمين بمقتضياته ومن بينهم المحامين، الإدلاء بتصاريح الاشتباه عن الأموال المشتبه في غَسلها، بمقتضى عمليات تجارية تبدو قانونية وعادية”.
وأضاف رئيس النيابة العامة في ندوة اليوم الخميس 05 نونبر 2020، حول موضوع :”دور المحامي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، إذا كانت جميع المؤسسات والهيئات مدعوة إلى الانخراط بفعالية في مكافحة هذا النوع من الإجرام، فإن “المحامي باعتباره شخصاً خاضعاً، تُلزِمُه أحكام القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال بالتقيد بالتدابير والإلتزامات المفروضة. ولذلك، فإنه بالنظر إلى تكوينه القانوني العالي، ولانخراطه المهني القوي في تحقيق العدالة، مدعو إلى الانخراط بشكل فعال في الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لمكافحة غسل الأموال. سيما وأن خبراء مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، أكدوا في تقرير التقييم المتبادل الذي خضعت له بلادنا، على ضرورة إدماج المهن القانونية والقضائية ضمن منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي إعتبرها التقرير الوطني للمخاطر أيضاً ذات مخاطر مرتفعة”.
وأشار في كلمته إلى أن قانون مكافحة غسل الأموال، قد ألزم المحامي بالتصريح لوحدة معالجة المعلومات المالية، بجميع المبالغ والعمليات، ومحاولات تنفيذ العمليات المشتبه في ارتباطها بغسل الأموال، أو بواحدة أو أكثر من الجرائم الأصلية لغسل الأموال، أو بفعل يشكل تمويلا للإرهاب. كما ألزمه أيضا بواجب اليقظة. بالإضافة لتفعيل آلية المراقبة الداخلية.
وأكد الوكيل العام للملك أن كل هذه الالتزامات المفروضة على المحامين، تجعلهم حلقة أساسية في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال. وبالنظر إلى الحس العالي والحرص الدائم للمحاميات والمحامين على تنفيذ القانون والسهر على سيادته، فإنهم بلا شك مدعوون إلى التنزيل السليم للالتزامات المفروضة بكل مسؤولية، وهم على دراية بخطورة هذا النوع من الجرائم. كما أنهم سيسخرون كل الإمكانيات والوسائل الممكنة لتجاوز الملاحظات السلبية لخبراء مجموعة العمل المالي بهذا الشأن”.
وأوضح عبد النباوي أن رئاسة النيابة العامة انخرطت في الإستراتيجية الوطنية المخصصة لمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير، سواء على المستوى الوطني، من خلال الحرص على سرعة وفعالية الأبحاث التمهيدية، والمساعدة في تجهيز الملفات لتقليص أمد البت في الدعوى العمومية. أو على المستوى الدولي، من خلال تفعيل إجراءات التعاون الدولي، وتنزيل المعايير الدولية، وعلى رأسها توصيات مجموعة العمل المالي، بمناسبة إدارة الأبحاث التمهيدية وجمع وسائل الإثبات وتحريك المتابعات.
وبالنظر إلى ما يكتسيه التقرير الوطني للمخاطر – الذي تم اعتماده بشكل رسمي – من أهمية، يضيف المتحدث “فقد عملت رئاسة النيابة العامة على تعميم مخرجاته على جميع النيابات العامة بمقتضى دورية خصصت لهذا الغرض. وقد تضمنت الدورية مجموعة من التعليمات، أبرزها توجيه الشرطة القضائية إلى إجراء أبحاث مالية للتأكد من وجود شبهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عند البحث في الجرائم الأصلية ذات المخاطر المرتفعة. وإحالة المساطر المنجزة على وكيل الملك بالرباط بإعتباره الجهة المختصة بقضايا غسل الأموال عند جود قرائن على ذلك. كما تضمنت الدورية تعليمات بالاستفادة من تحليلات وحدة معالجة المعلومات المالية، بالنظر لصلاحياتها الكبيرة في تكوين قاعدة بيانات تضم معلومات مالية مهمة، يمكن أن تكون مفيدة في جمع الأدلة بمناسبة البحث في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما تم توجيه النيابات العامة إلى الحرص على تفعيل إجراءات التعاون الدولي، وذلك بتوجيه إنابات قضائية وشكايات رسمية وطلبات تسليم المجرمين إلى الدول المعنية، والحرص في نفس الوقت على إنجاز طلبات التعاون القضائي الواردة بالسُّرعة والفعالية اللازمتين”.
“كما تساهم رئاسة النيابة العامة بشكل فعال في الجهود الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. إذ فضلاً عن جهودها في مجال التعاون القضائي الدولي من خلال تنفيذ الإنابات القضائية وطلبات تسليم المجرمين والشكايات الرسمية ذات الصلة بغسل الأموال، فقد شاركت في مجموعة من الأنشطة الدولية ذات الصلة بالموضوع، على رأسها المشاركة في مسار تقييم المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من طرف مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط”. يورد رئيس النيابة العامة.
وأضاف :”رغم كل هذه الجهود المبذولة، وبالنظر إلى دخول بلادنا إلى عملية المتابعة المعززة من طرف مجموعة العمل المالي، وحفاظا على المكتسبات المحققة، لا سيما الخروج من اللوائح السلبية لهذه المجموعة سنة 2013. وكذا دعماً للنتائج الإيجابية المحققة بعد الجولة الثانية من التقييم المتبادل، فإننا مدعوون اليوم إلى تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين في هذا المجال. للتمسك بالتطبيق الصارم للقانون، وكذلك لابتكار حلول ومقترحات ملموسة للحد من تنامي هذا النوع من الجرائم. وربما إلى سن قوانين أكثر ردعاً، وذلك حتى نتمكن من تجاوز الملاحظات السلبية التي جاءت في تقرير التقييم المتبادل لبلادنا. ولتفادي أيضا الجزاءات التي تصدرها الهيئات والمنظمات الدولية المعنية، التي من شأنها أن تؤثر على الجهود التي تبذلها بلادنا في تحصين نظامها المالي والاقتصادي”.
وشدد محمد عبد النباوي على أن ذلك سيتأتى “بتظافر جهود جميع المتدخلين، ومن بينهم بطبيعة الحال السيدات والسادة المحامون، بالنظر إلى تقاطع دورهم في الدفاع وإبرام العقود وإحداث الشركات مع مجموعة من الالتزامات التي يفرضها عليهم قانون مكافحة غسل الأموال”.