رئيس فرنسا ناطقا بإسم القصر الملكي

ساعيد الفرواح

في عز حملة الاعتقالات وقمع المظاهرات بالإضافة إلى شروع القضاء المغربي في إصدار أحكام قاسية على عشرات المحتجين بالريف مع استمرار احتجاز أزيد من مائة متظاهرة ومتظاهر وفي مقدمتهم قياديات وقادة الحراك الاحتجاجي، بموازاة ارتفاع الأصوات المطالبة بوضع حد للغياب المباشر للملك عن القضية بعد ثمانية أشهر من الحراك الاحتجاجي في المغرب التي أبانت عن ارتباك الحكومة وبؤس تعاملها مع القضية، وقذارة الدولة التي لجأت إلى المقاربة الأمنية موظفة فيها “البلطجية” لمهاجمة المحتجين كما توسلت لتبريرها بالمساجد ووسائل الإعلام وأشباه العلماء والمثقفين والمفكرين.

بعد كل ذلك، وتزامنا مع إصدار أحكام قاسية على 25 معتقل من المحتجين في محكمة الحسيمة، صدر عن ملك المغرب أول تصريح رسمي لم ينفي مضامينه الديوان الملكي وجاء على لسان رئيس الجمهورية الفرنسية إمانويل ماكرون، هذا الأخير الذي أفاد أن الملك محمد السادس يعتبر احتجاجات الريف أمرا عاديا وأن المنطقة عزيزة عليه، كما أنه من العادي أن تكون هناك مظاهرات والدستور يضمن حق التظاهر، والملك وفق ماكرون يرغب في تهدئة الأوضاع من خلال الاستجابة لمطالب الحراك وإيلاء اهتمام بالمنطقة مع محاربة التصعيد وتخفيف التوتر والاستماع لمطالب هذه المنطقة التي يقلق على مصيرها، وبالتالي لا يقلق رئيس فرنسا من قمع المظاهرات بل استجابة على المدى الطويل لمطالب المحتجين.

من الناحية الشكلية لا شك يحز في نفوس المغاربة أن يكون أول خروج للقصر الملكي على لسان رئيس (منتخب ديمقراطيا) لجمهورية فرنسا التي لا زال أبناء منطقة الريف يعانون من جراء جرائمها في الفترة الإستعمارية، وفي هذا الصدد نذكر ما يتعلق بتحالفها مع الإستعمار الإسباني في فترة العشرينيات من القرن الماضي ضد المقاومة المسلحة التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي، هذا الأخير الذي اضطر إلى الاستسلام بعد لجوء الدولتين الاستعماريتين “فرنسا واسبانيا” إلى استعمال الأسلحة الكيماوية، وهي الجريمة ضد الإنسانية التي لا زال المواطنون في الريف يعانون منها حيث يتفشي السرطان في أوساطهم إلى درجة أنه بالكاد توجد عائلة لم يصب أحد أفرادها بذلك المرض، ولعل الفاهم يفهم هنا لماذا يطالب محتجي الحراك حاليا بمستشفى، والسبب طبعا يكمن في اضطرارهم للسفر لأوروبا أو للدارالبيضاء منذ عقود لمعالجة السرطان، وكان على الرئيس الفرنسي وملك المغرب أن يتباحثا في هذه الجرائم وتعويضات فرنسا للضحايا إلى جانب الحديث العام الذي يعبر عن النوايا فقط حول الحراك، ولعل جارتنا الجزائر بمثابة قدوة لنا في هذا الباب حيث تستحضر بشكل متواتر الجرائم الفرنسية ضد الشعب الجزائري والتجارب النووية التي أجرتها في بلد المليون شهيد وتطالب بالتعويض، وحان الوقت لتدمج للدبلوماسية المغربية هذه القضية على رأس أولوياتها.

جرائم فرنسا لم تقتصر طبعا على الفترة الاستعمارية بل حتى بعد (الاستقلال) حيث أقدمت طائراتها الحربية في سنتي 1958 و1959 على قصف الريفيين وذلك لمساعدة القوات المخزنية التي شنت حملة عسكرية ارتكبت فيها جرائم ضد الإنسانية بحق أطفال ونساء ورجال المنطقة بسبب لائحة مطلبية وما أشبه اليوم بالأمس.

إن فرنسا مدينة للريف أولا ولباقي مناطق المغرب كذلك بالاعتذار عن جرائمها ضد هذا الشعب أثناء وبعد الفترة الاستعمارية، ومدينة للمغاربة بالضغط على النظام الذي صنعته لدمقرطة نفسه وجعله يدرك أن زمن الديكتاتورية قد ولى وأن الربيع الديمقراطي لم ينتهي بعد وأن أساليب الماضي لم تعد تجدي نفعا اليوم.

أما فيما يخص موقف الملك محمد السادس القلق على مصير المنطقة بعد اقترابنا من مرور سنة كاملة على الاحتجاجات دون أن يعلن عن إجراءات وقرارات لحل الأزمة التي اتسع مداها حاليا، فتأخره في اتخاذ القرار ليس في مصلحة أحد إذ كلما مر المزيد من الوقت دون تدخل منه إلا واقترب فوات آوان صلاحية ذلك التدخل، خاصة بعد كل الإخفاق الذي تلى وعود الإصلاح التي أعلن عنها سنة 2011، وخاصة بعد توالي إهانة السلطة للمواطنات والمواطنين والإستعراضات الأمنية الصبيانية لإعتقال رموز الحراك الاحتجاجي وما سرب حول إهاناتهم وتعذيبهم، إلى درجة أن المغاربة جميعا قلقون حاليا وبجدية من تطور عنف السلطة وقمعها للمظاهرات، لأنه أمر لن يظل دون رد من الشعب إلى ما لا نهاية ومن يعود لثورات 2011 سيخرج بخلاصة واحدة مفادها أن عنف السلطة ليس في مصلحة أحد لا النظام ولا الشعب ولا الملك نفسه، ولن يؤدي إلا إلى الصدام المباشر العنيف بين الشعب والدولة، وربما هو ما سيحدث عند أول إعلان للإعتصام أو العصيان، ولعل الدعوات بذلك ترتفع حاليا.

وأما ما يسمى بالدولة العميقة التي تجر وراء قراراتها ممثلي الدكاكين السياسية في الحكومة والبرلمان خلف مغامراتها وتستقوي بأجهزة الشرطة والجيش والقوات المساعدة…، فقد حان الوقت لتدرك أن هؤلاء ليسوا (عبيد البخاري) وإنما مواطنون مغاربة من أبناء هذا الشعب وإن حصلوا على وظيفة في أجهزة الأمن بشق الأنفس في بلد تنذر فيه الوظائف، فكثير من أفراد عائلاتهم يتقاسمون نفس المعاناة مع باقي المغاربة، وحين تتطور الأمور فلا أحد سيتكهن إلى أي جانب سيكون هؤلاء، الشعب أم الدولة القمعية التي تستقوي بهم لإنتهاك حقوق الشعب وكرامته.

ولعل سؤال الإختيار بين الشعب وبين الدولة العميقة يطرح نفسه على المؤسسة الملكية نفسها في ظل جعلها محل تشكيك من قبل حكومة ضعيفة وأحزاب فاسدة، وإلا فما معنى أن تصاغ مبادرات وترتفع أصوات مطالبة الملك الذي يعلم جيدا ما يحدث بالتدخل، ببساطة هناك نوعا من تحميل المسؤولية للملك في حالة تطورت الأمور أو استمرت على حالها، وهي مسؤولية يتحملها طبعا بمقتضى الصلاحيات التي يحتفظ بها لنفسه بقوة الدستور.

 

Said.el.ferouah@gmail.com

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *