“رابطة نسائية” تطالب بمراجعة جذرية لـ”مدونة الأسرة”

طالبت فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق النساء، بمراجعة “جذرية وشاملة لنصوص مدونة الأسرة”، مشيرة في المائدة المستديرة التي نظمتها فدرالية رابطة حقوق النساء، مساء الجمعة 01 مارس بالرباط، حول موضوع :” مدونة الأسرة: المساواة بين النساء والرجال بين التضارب والتلائم مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان”، إلى أن “مدونة الأسرة شكلت ثورة هادئة استعادت من خلالها المرأة كرامتها، ورفعت عنها الحيف الذي كان يطالها بفضل بعض مقتضياتها لحظة صدورها، لكن مع مرور الوقت تبين أنها تحمل في طياتها بعض أسباب فشلها لبلوغ الأهداف المتوخاة منها”.
وأشارت العسولي إلى أن سوء تطبيق بعض مقتضيات المدونة، تسببت في فشل تحقيق أهدافها فيما يخص تحقيق العدل و المساواة بين الزوجين وحماية حقوق الطفل”، مبرزة في ذات السياق، أن اجترار بعض المقتضيات التمييزية اتجاه النساء أو الأطفال، لها آثار مدمرة على ملايين النساء والأطفال والتنمية، وترهن مستقبل المغرب وتعرقل الدور الجديد الذي يمكن أن يلعبه في هذا المنحى التاريخي الدولي”.

واستطردت المتحدثة :”بالرغم من أن المشرع ألغى قاعدة الطاعة مقابل النفقة و نص على المساواة في عدد من البنود، إلا أنه أبقى على التمييز في عدد من المقتضيات، ممّا سمح باجترار فلسفة مدونة الأحوال الشخصية السابقة المبنية على القوامة”، مضيفة “إننا لسنا في مجال تعبدي، وإنما في مجال معاملات أفقية بين الناس نساء ورجالا، تحكمه المصلحة والتدبير والتنظيم الذي يحقق إصلاحات المجتمع والأفراد “.

وأضافت أن هذا “المجال المعاملاتي المصلحي” وفق تعبيرها، “تنظمه أحكام مدنية، أي قوانين تضعها سلطات تشريعية في أي بلد، وحتى عندما نقول إنها مستوحاة من الشريعة وهذا ما كان واضحا في الفاصل السادس من الدستور”، مشيرة إلى أن “الدستور واضح فيما يتعلق حضر التمييز و التنصيص على المساواة بين النساء والرجال في كل الحقوق”.

من جهتها، أكدت لطيفة بوشوى، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء أن” هناك دينامية في المجتمع حول مناقشة مدونة الأسرة وملاءمتها مع القوانين الدولية”، مشيرة بدورها إلى أن هناك “عدة ثغرات في تطبيقها خلال الخمس عشرة سنة الماضية “.

وقالت بوشوي إن هناك “تحولات مجتمعية جديدة طرأت في سياق عالمي ووطني جديد، ويجب على المجتمع أن يأخذها بعين الاعتبار”. مشدّدة على ضرورة وضع واقع “المرأة الاجتماعي والاقتصادي في صلب تغييرات مدونة الأسرة”.

بدورها، أكدت فريدة بناني، أن “مدونة الأسرة في حاجة إلى تغيير جذري، وليس إلى مجرد تعديلات جزئية، وتأويلها وفقا لحاجيات العصر ومستجداته، وإنتاج قراءة إنسانية جديدة لها انطلاقا من الأرضية المعرفية والواقعية السائدة”. مع “مرجعية واحدة وموحدة تقوم على مبدأ المساواة كخط أساسي ناظم، في مواصلة الاجتهاد الذي بدأ في سنة 2004 في تجديد الفهم للآيات القرآنية الكريمة على ضوء الواقع”.

وأشارت الدكتورة بنّاني إلى أن “المغرب انضم للعديد من الاتفاقيات الدولية ومن بينها اتفاقية سيداو والبروتوكول الاختياري الملحق بها، كما قام بسحب معظم تحفظاته عليها، وأصبحت هذه الاتفاقيات جزءا من التشريع الداخلي بعد نشرها في الجريدة الرسمية، ومن ثم أصبحت الدولة مسؤولة من الناحية القانونية على الوفاء بشكل تام بمقتضياتها عن طريق الموافقة بين مضمونها وباقي التشريعات الوطنية”.

وبسطت بنّاني التي تناولت في معرض مداخلتها “ملاءمة قانون الأسرة مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بأية مقاربة ومرجعية”، “الشق القانوني المرتبط بتكييف التشريع الوطني مع الترسانة القانونية العالمية المعنية بثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن تعديل أو إلغاء القوانين والأعراف والممارسات التي لا تتماشى مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان”.

وتساءلت فريدة بناني، وهي أستاذة التعليم العالي بمراكش، ما العمل؟ وماذا يتعين القيام به؟ بعد 15 سنة من صدور مدونة الأسرة، من أجل تشريع قانون أسري قائم على المساواة، ومتلائم مع الاتفاقيات والتزامات الدولة”. واسترسلت “هل بتحين القانون القائم؟ أو بإصلاحه؟ أو بمراجعته أو بتعديله؟ وبأية مرجعية؟ أو بمطلب جديد يتماشى مع المراد تحقيقه من مساواة وملاءمتة مع الدستور والاتفاقيات الدولية على صادق عليها المغرب”.

وزادت المتحدثة في معرض مداخلتها :”إذا كان التعايش بين مبدأ الإنصاف والمساواة في سنة 2004 اضطراريا وتوافقيا، فقد اتضح جليا أن ذلك التعايش الاضطراري بين المبدأين أدى عند التطبيق إلى عدم الانسجام والتوافق، بعد مرور أشهر قليلة على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، بل أدى إلى تناقض”.

وشدّدت بناني على أن “الإنصاف يعني العدل بين الرجل والمرأة في توزيع الحقوق والواجبات بينهما مع الموازنة بين الحق والواجب من جهة، والموازنة بين كل واحد منهما وجنس وطبيعة واختصاصات وخصائص تكوين كل واحد منهما”. في حين ” المساواة لا يعير أي اعتبار لجنس كل واحد منهما في تخويلهما أو تساويهما في نفس الحقوق والواجبات وهو ما رسخته اتفاقية سيداو التي وقع عليها المغرب”.

من جهته، تناول، أنس سعدون في مداخلته المعنونة بـ”قراءة حقوقية في مدونة الأسرة ” المستجدات التي أقرها دستور 2011. موضحا أن ” الدستور فتح لأول مرة المجال للمتقاضين لاختبار مدى دستورية التشريعات الوطنية، من خلال الدفع بعدم دستورية القوانين”. معتبرا أن هذا الاختبار ” سيجعل عددا من التشريعات الداخلية في محك القضاء الدستوري الذي سينظر في مدى ملاءمتها للمبادئ الدستورية”.

وأكد سعدون وهو عضو نادي قضاة المغرب، على أن “مدونة الأسرة تبقى كباقي التشريعات الوضعية خاضعة لسنة التغيير” مشيرا إلى أن “عددا من المقتضيات التي كانت واردة في ظل مدونة الأحوال الشخصية بوصفها من بين الثوابت، تم إعادة النظر فيها في ظل مدونة الأسرة وأصبحت من بين المتغيرات”.

وأشار الدكتور سعدون في معرض مداخلته إلى “أهم التحولات التي طرأت على القضايا التي تنظمها المدونة تلك المتعلقة بمآل الحمل الناتج عن فترة الخطوبة والذي سبق أن استقر اجتهاد المجلس الأعلى بعدم الاعتراف بشرعيته، متمسكا بقاعدة الولد للفراش، قبل أن تتدخل مدونة الأسرة لتعترف بشرعيته، فضلا عن موقف القضاء من عقود الزواج التي كانت تبرم أمام ضباط الحالة المدنية بالخارج، وأحكام التطليق التي كانت تصدر عن محاكم أجنبية والتي كانت تعتبر مخالفة للنظام العام لعدة اعتبارات من بينها صدورها عن قضاة غير مسلمين”.

وأضاف المتحدث أن هذه “المقتضيات خضعت بدورها للتطوير وتدخل المشرع في إطار مبدأ المرونة ووضع مسطرة لتذييل هذه الأحكام بالصيغة التنفيذية كما اعترف بصحة الزواج المدني والذي يتم أمام ضباط الحالة المدنية بالخارج”.

كما أشار إلى ” الغموض الذي ما يزال يلف عددا من المقتضيات الواردة في المدونة من بينها طبيعة النسب، وما إذا كان حقا للطفل حسب ما نصت عليه المادة 54، أم أنه امتياز يخوله القانون للأب”، مبرزا أن “المشرع يعلق استفادة الأطفال المولودين في زواج باطل من حقهم في النسب على مدى حسن نية الأب، وهو ما يعني أن الأب سيء النية في الزواج الباطل يحرم أطفاله من النسب، مما يحول النسب من حق الى امتياز يمنحه القانون للأب، في نفس السياق اعتبر أن عدم ترتيب المشرع لأي أثر للبنوة غير الشرعية بالنسبة للأب يفتح المجال على مصراعيه لاختلاط الأنساب.

واعتبر المتدخل أن “جزءا كبيرا من أسباب العراقيل التي واجهت مدونة الأسرة في التطبيق، تتعلق بالفهم المغلوط لعدد من مقتضياتها وعدم التحسيس بها”. على حد قوله. وقال إن المتضرر الأول من وقف العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة قبل أن يعود ويؤكد أن بعض “المقتضيات القانونية الحالية تقيم نوعا من التمييز بين النساء والرجال على مستوى وسائل الإثبات، فالرجال يسمح لهم بسهولة إثبات النسب عن طريق الإقرار دون إلزامهم بإثبات العلاقة الزوجية، بينما تواجه النساء والأطفال صعوبات في إثبات النسب، رغم الإمكانيات التي تخولها الخبرة الجينية، حيث تطالب في هذه الحالة بإثبات العلاقة الشرعية أيضا”.

* منتصر إثري

شاهد أيضاً

“صدى وتأثير معركة أنوال في الأوساط المحلية والعالمية” محور ندوة بالحسيمة

تخليدا للذكرى 25 لعيد العرش والذكرى 103 لمعركة أنوال الخالدة، تنظم النيابة الإقليمية للمندوبية السامية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *