أمدال بريس/ كمال الوسطاني
الساعة السادسة صباحا أمام سجن تولال بأمكناس، استنشق المعتقل السياسي الأمازيغي هواء الحرية بعد تسع سنوات من الحرمان قضاها ظلما وعدوانا داخل أسوار سجن تولال، وفور خروجه وجد أوساي في استقباله المئات من المناضلين الأمازيغيين الذين أبانوا عن المكانة الكبيرة التي يحضى بها مصطفى أوساي في قلوب كافة الشعب الأمازيغي، فقدموا له الورود وعانقوه أشد العناق واحتضنوه ودمعت أعينهم فرحا باستقبال البطل وحسرة على استمرار معاناة المعتقل الأمازيغي حميد أعضوش.
استمر المناضلون الأمازيغيون بالتوافد على سجن تولال 1 إلى حدود الساعة التاسعة صباحا، موعد الاستقبال الرسمي للمناضل الأمازيغي مصطفى أوساي، حيث تقدم كافة المناضلين للسلام على المعتقل الأمازيغي المفرج عنه، وقاموا بتوشيح صدر المناضل بالورود والأعلام الأمازيغية، لتعطى له كلمة وسط الحضور تحدث فيها عن معاناته داخل السجن رفقة زميله المناضل مصطفى أوساي الذي لا يزال قابعا في السجن، كما أكد أوسايا عن براءتهما من التهم الملفقة لهما وقال أنه يملك جميع الأدلة التي تثبت ذلك.
بعد حفاوة الاستقبال أمام السجن، توجه المناضلون الأمازيغيون رفقة المناضل مصطفى أوساي، إلى الحي الجامعي بمكناس حيث كان الاستقبال حافلا من قبل زملائه من طلبة جامعة مكناس، وأعطيت له الكلمة في حلقية وسط الحي الجامعي عبر من خلالها عن العلاقة التي تربطه بالجامعة والتنظيم الذي ينتمي إليه، الحركة الثقافية الأمازيغية، قبل أن يغادر الحي الجامعي متوجها في قافلة من المناضلين الأمازيغيين إلى مسقط رأسه فزو.
قافلة أمازيغية في اتجاه مسقط رأس مصطفى أوساي
مباشرة بعد استقباله أمام سجن تولال والحي الجامعي، توجه المناضل الأمازيغي مصطفى أوساي رفقة المئات المناضلين بسياراتهم الخاصة في قافلة كبيرة صوب قرية فزو بألنيف حيث أم المعتقل وأسرته في انتظاره، وفي الطريق مر المناضلون بمنزل المعتقل حميد أعضوش بأملاكو، وتم استقباله من طرف عائلة أعضوش استقبالا حارا، وأبانوا عن إرادة قوية في النضال من أجل الإفراج عن حميد أعضوش في القريب العاجل.
بعد ذلك توجهت القافلة صوب منزل عائلة الشهيد عمر خالق، وكان للقاء أم الشهيد وعائلته طعم آخر، مزيج من الأحاسيس ناتجة عن واقع الاغتيالات والاعتقالات السياسية، والوحدة الأمازيغية التي تجسدها نضالات إمازيغن، بعدها التحقت أم الشهيد “إزم” وبعض أفراد عائلته بالقافلة التي وصلت أخيرا إلى مسقط رأس الشهيد فزو حيث عائلة المعتقل بانتظار ابنها الذي غادر المنزل باتجاه مكناس من أجل الدراسة ليعود منها بعد تسع سنوات من السجن الظالم.
فزو: استقبال في أحضان العائلة
وصل مصطفى أوساي إلى مسقط رأسه فزو حوالي العاشرة ليلا، ليرتمي في أحضان أمه التي غاب عنها لأزيد من تسع سنوات، مزيج من أحاسيس الفرح والحزن خيمت على الأجواء، وسط هتافات المناضلين وزغاريد النساء، أعطت الانطلاقة لسلسلة من الاحتفالات استمرت على مدى ثلاثة أيام.
انطلق برنامج أيام استقبال المعتقل السياسي الأمازيغي مصطفى أوساي بمسقط رأسه فزو مباشرة بعد وصوله، بحفل فني أتحف الحاضرين، شاركت فيه فرق موسيقية متنوعة جاءت من مختلف مناطق المغرب، واستمر حفل الاستقبال حتى الساعة الثالثة من صباح اليوم الموالي.
توقيع كتاب الطريق إلى تامزغا
في صبيحة اليوم الثاني من أيام استقبال المعتقل السياسي مصطفى أوسايا تم توزيع الكلمات على الإطارات الأمازيغية الحاضرة والمساندة للاستقبال، ثم تقديم وتوقيع كتاب “الطريق إلى تامزغا”، مذكرات معتقل رأي أمازيغي، الذي ألفه المعتقل السياسي الأمازيغي المفرج عنه، مصطفى أوسايا، داخل أسوار السجن، وخلال الندوة التي تم فيها تقديم الكتاب من طرف مؤلفه مصطفى أوساي، قال أنه يتضمن تقديما بقلم الأستاذ أحمد الدغرني، ويتكون من سبعة فصول، الفصل الأول: من الطفولة إلى الجامعة، يتحدث فيه الكاتب عن تفاصيل مراحل حياته منذ ولادته مرورا بمراحل دراسته الأساسية والجامعية إلى يوم اعتقاله.
ويتناول الفصل الثاني مأساة معتقل رأي أمازيغي، تحدث فيه الكاتب عن تفاصيل محاكمته، والخروقات والتناقضات التي عرفتها مجريات المحاكمة، وكذا قساوة اليوم الأول في السجن، الفصل الثالث: تغريدة سجين، حاول من خلاله أوساي تقريب القارئ من الأجواء التي عاشها في السجن رفقة صديقه أعضوش، وفي الكتاب كذلك رؤية لمستقبل النضال الأمازيغي، ويتحدث الفصل الخامس على حيثيات العف الملكي والطريقة التي حاول بها المخزن تشتيت الحركة الأمازيغية عن طريق إطلاق المعتقل مصطفى أوساي والاحتفاظ بأعضوش، أما الفصل السادس من الكتاب فيثير قضية استشهاد المناضلين الأمازيغيين: عمر خالق وحسن بلكيش (ريفينوكس) الذين قتلا بطريقة وحشية. ويتناول آخر فصل بعض الصور والبيانات التي تبين تفاعل الشعب الأمازيغي مع المعتقلين السياسين.
وخلال تقديمه للكتاب تحدث أوساي عن مجموعة من الأحداث والطرائف التي مر بها رفقة صديقه مصطفى أوسايا أثناء تواجدهما بالسجن، وقال تحملت ويلات السجن والتعذيب والحرمان لتسع سنوات واجتهدت في الحصول على الشواهد، من أجل أن أشرف مناضلي الحركة الأمازيغية، وتحدث أوساي عن الفرق بين المعتقل السياسي ومعتقل الرأي، حيث إن هذا الأخير تكون تهمته الوحيدة هي الآراء التي يدافع عنها، بعد ذلك انتقل أوساي رفقة الحاضرين إلى توقيع الكتاب الذي استمر طيلة اليوم نظرا للإقبال الكبير للمناضلن الأمازيغيين على الكتاب.
التأكيد على ضرورة إنصاف المعتقلين
في عشية اليوم الثاني من أيام الاستقبال، أكد مصطفى أوسايا في ندوة تحت عنوان “قراءة في خلفيات الإعتقال السياسي في حق مناضلي القضية الأمازيغية والتأكيد على ضرورة إنصافهم الفعلي”، أكد على براءته وصديقه حميد أعضوش من التهم المنسوبة إليهم، وقدم مجموعة من الأدلة والبراهين التي تثبت ذلك، حيث أنه كان طريح الفراش جراء الاعتداء الذي كان قد تعرض له قبل أيام من الاعتقال.
وقال أوسايا أن التحليلات العلمية أثبتت براءة المعتقلين السياسيين، وكذلك الشهود، “زد على ذلك التناقضات التي عرفتها المعطيات التي تقدمها المحاضر والشهود الذين تبين أنهم مزيفين، إضافة إلى الكثير من الخروقات لا يسع المجال لذكرها، كل ذلك يأكد على أن التهم التي وجهت إلى معتقلي الحركة القافية الأمازيغية باطلة، وقد أثبت ذلك أزيد من عشرين محامي تجندوا آنذاك للدفاع عنا.
ومن جانبه أكد محمد بودهان على ضرورة الضغط من أجل الإفراج الفوري عن المعتقل السياسي حميد أعضوش، وقال بأن موازين القوى الآن أصبحت لصالح الحركة الأمازيغية، على عكس ما كان في الماضي عندما اعتقل علي صدقي أزايكوا، الذي لم يتجاوز عدد الذين جاءوا لاستقباله عند إطلاق صراحه عشرة مناضلين إلى جانب عائلته.
كما نوه بودهان بعدد الشواهد التي حصل عليها أوسايا، وقال “أوسايا دخل إلى السجن طالبا و خرج موسوعي”، دون أن يفوت لبودهان الإشارة إلى عجز الحركة الأمازيغية عن إخراج معتقليها السياسيين أثناء مرحلة الحراك الشعبي في 2011، وقال “كيف يعقل أننا أصحاب هذه الأرض أن نقبل بموقع المطالب بإطلاق اثنين من أبناءه” قبل أن يختم “هذه أرض أمازيغية ويجب أن يحكمها الأمازيغ”.
وتحدث رشيد الحاحي، منسق التنسيق الوطني الأمازيغي، عن الكرونولوجية التاريخية للتطور الديمقراطي بالمغرب، وقال بأن تجربة التحول الديمقراطي تم إجهاضها بإعلان قانون الإرهاب بعد تفجيرات الدار البيضاء، ومن هناك بدأ المسلسل بالتراجع وعادت الدولة إلى عاداتها القديمة المتمثلة في الاعتقال والاغتيال السياسيين.
وتحدث الحاحي كيف أن الاسلامويين استغلوا الربيع الديمقراطي حيث دخلوا في حوار مع المخزن وتم الإفراج عن معتقليهم بينما إيمازيغن لم يستفدوا من هذه المحطة للإفراج عن أساي وأعضوش.
ومن جهته تحدث المعتقل السابق لقضية اعتصام إميضر التاريخي مصطفى أوشطوبان، عن تفاصيل الاستغلال الذي تنهجه الشركة الناهبة لثروات إميضر منذ بدايته سنة 1969، وتحدث أيضا عن المسار الكرونولوجي للانتفاضات الشعبية المناهضة للاستغلال الذي عرفته المنطقة (1989، 1996، 2011) والتي راح ضحيتها عشرات المعتقلين.
قبل أن ينتقل أشطوبان للحديث عن حيثيات اعتقاله سنة 2011، والتهم الملفقة له والتي قال أنها لا تستند لأي دليل، والتي أفضت إلى إدانته بأربع سنوات سجنا نافذة.
وعرفت الندوة أيضا شهادة لمبارك الطاوس،أحد معتقلي جمعية تيليلي بكلميمة، والذي تحدث عن السياق الذي جاء فيه هذا الاعتقال سنة 1994، وقال بأنها جاءت في فترة وسط بين إعلان نهاية سنوات الرصاص التي عرفت عددا من الاغتيالات والاختطافات أبرزها اختطاف بوجمعة الهباز، صدقي أزايكو، وبداية العهد الجديد بالنسبة للنظام المخزني.
وقال الطاوس أن إمازيغن في هذه المرحلة أصبحوا يومنون بأفكار تقدمية ويدافعون عن مطالب إنسانية، وبالتالي حاول النظام المخزني إقبار هذه الحركة في مهدها.
أما المناضل المزابي اللاجئ بالمغرب “صلاح عبونه”، فقد تكلف بتقديم شهادات عن المعتقليين السياسيين المزابيين بالجزائر، ونقل برقية تهنئة من المعتقل المزابي الدكتور كمال الدين فخار إلى مصطفى أوساي بمناسبة اعتناقه الحرية.
كما تحدث عبونة عن الجرائم التي ارتكبها النظام الجزائري في حق أمازيغ مزاب، إضافة إلى العنصرية والتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون داخل سجون النظام الجزائري.
مصطفى أوساي يرد على تصريحات الداودي
في رده عن تصريحات عنصرية لوزير التعليم العالي ليوم الثلاثاء 24 ماي الجاري بالبرلمان، نفى المعتقل السياسي للحركة الثقافية الأمازيغية مصطفى أوساي أن يكون دخول يكون دخوله الحي الجامعي مباشرة بعد استقباله من طرف المئات من مناضلي الحركة الأمازيغية أمام سجن تولال بمكناس، قد ترتب عنه أي استعمال للعنف كما ادعى ذلك الداودي، مضيفا “أنا طالب بكلية العلوم بمكناس ومن حقي دخول الحي الجامعي، كما أنه من لأي مواطن الحق في ذلك”.
وقال أوساي بأن سلاح المناضلين الأمازيغيين في الساحة الجامعية هو الفكر والإيمان بالقضية، وليس السيوف والهراوات كما يدعي الداودي، مضيفا “الحركات الإسلاموية التي ينتمي إليها لحسن الداودي معروفة تاريخيا باستعمالها المفرط للعنف بدل المقارعة الفكرية”، مضيفا “المناضلين الأمازيغيين متخلقين وراقين في نضالاتهم، ولم يسجل عليهم خلال آلاف المظاهرات من أجل المعتقلين أي خرق، بل كانو حضاريين في كل نضالاتهم”.
وأكد أوساي أنه على الداودي وغيره من المسؤولين أن “أن يتحملوا مسؤولية اغتيال مناضل الحركة الثقافية الأمازيغية عمر خالق”، إضافة إلى مسؤولية اعتقال مناضلي انتفاضة فزو وغيرهم من المقهورين “الذين يتعرضون لإرهاب الدولة”، كما حملهم مسؤولية الظلم الناتج عن الاعتقال التعسفي لمدة عشر سنوات الذي طاله رفقة صديقه حميد أعضوش الذي لا زال يعاني في سجن تولال، “أقول للداودي هناك معتقل مظلوم في سجونكم”.
الإقصاء والميز المشرعنين ضد الأمازيغ
كما كان مبرمجا بالنسبة لأنشطة اليوم الثالث من أيام استقبال المعتقل السياسي مصطفى أوسايا، فقد عرف مساء يوم الثلاثاء 24 ماي الجاري محاضرة تحت عنوان “إمازيغن بين جريمتي الإختطاف والإغتيال السياسيين وإستمرار الإقصاء والميز المشرعنين”، كانت أولى مداخلاتها عبر الهاتف للأستاذ أحمد الدغرني، أكد من خلالها على أن خروج أوساي من المعتقل، مناسبة لمزيد من الوحدة والتماسك بين إيمازيغن، بهدف الضغط على الدولة من أجل الإفراج العاجل عن حميد أعضوش، وكذا معتقلي بني بوعياش وكافة معتقلي الانتفاضات الشعبية، كما أنها مناسبة أيضا للضغط من أجل فتح تحقيق نزيه في اغتيال المناضل الأمازيغي حسن بلكيش، وإحراق شهداء حركة 20 فبراير بالحسيمة.
ومن جانبه تحدث زهير بولمان، خريج الحركة الثقافية الأمازيغية بإمتغرن، عن مدى شرعية السلطة السياسية بالمغرب، وقال بأن هذه السلطة القائمة على تصفية رموز المقاومة وجيش التحرير، وعلى اختطاف واغتيال رموز النضال الأمازيغي، لا يمكن أن تكون شرعية وسيحاربها الأمازيغ كما حاربوا جميع الاستعمارات التي شنت عليهم من قبل.
وحمل زهير مسؤولية اغتيال الشهيد الأمازيغي عمر خالق للدولة، وقال بأن ما يدل على “أن المخزن هو من خطط لاغتيال “إزم” هو الطريقة التي أراد بها الركوب عللى دماء الشهيد باعتباره شهيدا لقضية الصحراء”، وذلك يضيف بولمان، بعدما فقدت السلطة السياسية أسهمها في ملف الصحراء في القمة الإفريقية يناير الماضي.
كما أكد على ذلك أيضا حسين خالق في مداخلة له عبر الهاتف، وقال بأن الدولة هي المسؤولة عن اغتيال الشهيد عمر خالق، وقال بأن الفرق بين الأنظمة الديمقراطية زغير الديمقراطية يتجلى في هذه التصفيات التي تمارسها الدولة على أبناء شعبها، ومهاجمتها للحركات التحررية عن طريق الاعتقالات والاغتيالات السياسية، وقال بأن “أغلب السجون توجد بالجنوب الشرقي”.
وفي مداخلة هاتفية لأخ الدكتور بوجمعة الهباز، حسن الهباز، تحدث عن الوجود السلمي للأمازيغ ومقاومتهم للطبيعة، رغم الإقصاء السياسي والتهميش الاقتصادي، وأكد على أي محاولة لوقف الحركة الأمازيغية بالعنف، فذلك ينم عن جهل وعدم دراية من الدولة، فالاعتقالات والاغتيالات حسب الهباز لا تجدي، “فنحن شعب بأكمله”.
أنشطة موازية مختلفة
إضافة إلى توقيع الكتاب والندوات التي عرفتها أيام استقبال المعتقل الأمازيغي بفزو، فقد عرف الحدث عددا من الأنشطة الموازية طيلة أيام الاستقبال، من بينها عرض بعض اللوحات الفنية والشواهد العلمية التي حصل عليها المعتقل السياسي من داخل السجن، وكذا معرض للمنتوجات الأمازيغية طيلة أيام الاستقبال.
كما عرفت أيام الاستقبال عددا من الأمسيات الفنية شارك فيها مجموعة من الفرق الغنائية والفنانين من مختلف مناطق المغرب، إضافة إلى مسرحية حول إعادة تمثيل المحاكمة الصورية التي تعرض لها المعتقلان السياسيان.
وعرفت أيام أيضا تشييد مجسم حرف “أزا” بجبل “أمشاشاد” المقابل لمسقط رأس المعتقل تأريخا لهذه المحطة النضالية، كما سهرت على تنظيم هذه الأيام لجنة منظمة سهرت على تنظيم وجبات جماعية، وتقديم مختلف الخدمات لضيوف قرية فزو خلال أيام الاستقبال.
واختتمت أيام استقبال المعتقل السياسي مصطفى أوساي بأمسية فنية ملتزمة بمشاركة مجموعة من الفرق الغنائية والفنانين من مختلف مناطق المغرب، ألهبت جماهير قرية فزو وضيوفها الذين كانوا في مستوى حدث استقبال المناضل الأمازيغي مصطفى أوساي.