صعب جدا أن نختزل مسار مناضل، قدم الكثير لوطنه، في بضع كلمات ،أو مقالات، أو كتب…فهو مسار بحجم التاريخ، والتاريخ يمتد في الزمن ويلاحقه كالظل. نعم، اقول من الصعب أن نختزل مسار السي أحمد المرابط، الذي هو بحجم الوطن، مهما اجتهدنا، لكن هذه اللحظة الحزينة قد تشفع لنا، ونحن نودعه، كي نكتب القليل من ما احتفظت به ذاكرتنا عن رجل بهذا الحجم.
ولد السي أحمد المرابط في الريف ببلدة زاوية سيدي يوسف جماعة لوطا، إقليم الحسيمة،ينتمي إلى أسرة معروفة بمناصرتها للثورة الريفية منذ مهدها،والذاكرة الشعبية مازالت تحتفظ وتروي عن دور والد السي أحمد(الشريف أوكاروذ) في مساهمته في الإنتقال من الثورة إلى الدولة،ففي مقر زاوية امرابظن سيتم تعيين عبد الكريم الخطابي كأمير بعدما كان يلقب بالفقيه.
منذ طفولته كان السي أحمد من المتفوقين في مساره الدراسي، لكن انتفاضة الريف واحداث 1958م وما تلاه من قمع وتعذيب وقتل…لغالبية اقرانه خاصة المتعلمين منهم، جعلته يفكر في البحث عن الأجوبة للوضع المأساوي الذي يعيشه الريف، وذلك باللجوء إلى مصر والاحتكاك بعبد الكريم الخطابي أولا، وأيضا لاستكمال دراسته في شعبة الفلسفة التي نال فيها الاجازه. وبدولة مصر سيكلفه الأمير الخطابي بالإشراف على تسيير سكرتاريته نظرا لكونه أصبح قبلة للمناضلين في حركات التحرر العالمي، مما يستوجب التنظيم. كما كان لسي أحمد المرابط رحمه الله الفضل الكبير في فضح جرائم حزب الاستقلال والمخزن، بل أمد الأمير بمجموعة من أسماء الشهداء والمعتقلين وأماكن اعتقالهم السرية….
بعد وفاة الأمير ،عاد السي أحمد إلى تطوان، حيث التحق بسلك التعليم كأستاذ لمادة الفلسفة. كما عرف عن الرجل أيضا احتكاكه بالطبقة العاملة، وتحمل مسؤولية تأطيرها النقابي لعدة سنوات حتى أصبح ينعت في تطوان ب: السي أحمد النقابة. وتعد سنة 1972م من السنوات الأكثر سوداوية في تاريخ حياته، بحيث سيزج به في السجن بتهمة المشاركة في الانقلاب الذي قاده امقران بصحبة الدكتور عمر الخطابي رحمه الله والمهندس التمسماني، وقد أفرج عنه بعدما تعرض لتعذيب رهيب من قبل دليمي شخصيا، إذ استطاع دحض كل التهم الموجهة إليه لأنه مدني ولا يربطه اي شيء بالمؤسسة العسكرية.
في السنوات الأخيرة من حياته، انكب السي أحمد على الانخراط في العمل الجمعوي، إيمانا منه بدور التوعية في معركة الإنعتاق. وكان رحمه الله بمثابة مكتبة نستنير منها وبها في كل ما يتعلق بالريف وقضاياه.
رحم الله فقيدنا الذي لم ينهر امام قوة الإغراء، ولم يخش من جبروت الجلاد.”
خالد قدومي