رداً على مقال سليمان يوسف ” الأكراد والإسلام”!

إيمانا منا بمبدأ الحوار البناء واختلاف الأراء وعملا بحق الرد لأي شخص على أي موضوع ينشر سواء على جريدتنا “العالم الأمازيغي” أو على موقعنا الإلكتروني amadalpress  فإننا ننشر رد الأستاذ مهند الكاطع، باحث سوري في الشأن الكردي، على مقالة الأستاذ سليمان يوسف، المنشورة في الموقع بتاريخ 20 فبراير 2017 تحت عنوان الأكراد والإسلام.

رداً على مقال سليمان يوسف ” الأكراد والإسلام”!

نشر الاستاذ سليمان يوسف يوسف مقالاً  بتاريخ 20 فبراير 2017 عبر  جريدة  (العالم الأمازيغي) الإلكترونية،  تحت عنوان (الأكراد والإسلام)،  وقد لاحظت في مقاله العديد من المغالطات فيما يتعلق بالجانب التاريخي والموضوعي أيضاً،  وغلب باعتقادي على الكاتب النزعة الشخصية الواقعة تحت تأثير نزعتين، النزعة الدينية ( المسيحية) وهي الغالبة على خطابه في هذه المادة، والنزعة العرقية ( ضد الاكراد والعرب).  وبهذا نستطيع تفسير ما جاء في مقاله كما سنرى من مهاجمة الشعوب الاسلامية  واتهامها بأنها تشكل البيئة الحاضنة للتطرف ، واتهام الاكراد بشكل خاص بشتى انواع التهم التاريخية انطلاقاً من نزعة لا علاقة لها بالحقائق على الاطلاق.

سأوضح سريعاً بعض المغالطات التي حاول الكاتب توظيف معلومات مغلوطة نسبها (للتاريخ) ليهاجم المجتمعات الاسلامية عموماً، وليحاول الاساءة  من وجهة نظري للأكراد والعرب معاً المختلفين عنه قومياً ودينياً (كما يظن).

1- يدعي سليمان اليوسف بأن الأكراد كانوا (زارادشتيين) في بلاد (فارس) وتعرفوا على الاسلام اول مرة خلال ما اسماه غزوات المسلمين على فارس، وأنهم قاموا المسلمين بشراسة، وفُرض عليهم تغيير ديانتهم إلى الزردشتية “بذات الطرق والاساليب القسرية التي فُرض على الشعوب والأقوام، التي خضعت لسيطرة العرب المسلمين.”

والواقع هذا الادعاء فيه تزييف ومغالطة، فالأكراد لا تجد شيء عن زردشتيتهم المزعومة في أي من كتب التاريخ، وربما كان بينهم مجوس او زردشتيين لكن تبقى هذه دون معطيات تاريخية. أما موضوع أن الإسلام فرض عليهم وتم تغيير دينهم كما فرض على الاقوام الاخرى بالقوى والاساليب القسرية ، فهذا فرية افتراها سليمان يوسف، بدليل انه لا يزال على دينه المسيحي، وبقي اجداده في جبال حكاري وفي محيط نصيبين وماردين ورأس العين والموصل وغيرها من البقاع في سورية والعراق، ولم يتم فرض عليهم تغيير دينهم كما يدعي!! ولو حصل ذلك لما وجدت اليوم في هذه البلدان التي مثلت عواصم الخلافات الاسلامية لا مسيحيين ولا يهود ولا صابئة ولا مجوس ..الخ.

  1. يقول الكاتب وأقتبس : ” الأكراد، بدخولهم الاسلام، خسروا ديانتهم ” الزرادشتية” ، بيد أنهم وعلى مدى التاريخ استفادوا كثيراً من الاسلام ،وعلى أكثر من صعيد. بخلاف الأقوام والشعوب، التي رفضت دخول الاسلام وبقيت على ديانتها ، مثل الآشوريين والأقباط والارمن وعموم الشعوب المسيحية المشرقية واليهود واليزيديين والصابئة المندائيين.”

هذا مناقض لادعاء الكاتب في الفقرة الاولى، فهو يرد على نفسه، ويعترف انه هناك شعوب بقيت على دينها ولم تعتنق الاسلام، فالمسالة إذاً ليست قسرية كما ادعى !  ثم ان فرق مثل اليزيديين لم يكونوا موجودين في القرون الاولى من الفتح الاسلامي، فلماذا يتم حشرهم في هذه القائمة ، هل هو سهو من الكاتب ام جهل؟

  1. يقول سليمان : ” الشعوب والأقوام غير المسلمة، دفعت ومازالت تدفع الكثير الكثير من وجودها، على ايدي الشعوب والأقوام الاسلامية، “

اين حصل هذا ؟ ومتى ؟ وكيف ؟

هذا ادعاء باطل، الاسلام او العروبة لم تعد مقتصرة على المفهوم العرقي والديني، بل اصبحت ثقافة جميع الاعراق والاديان في المنطقة التي ظلتها الخلافة، لذلك اليوم يكتب سليمان بالعربية مع وجود احرف سريانية لم تعتد مستخدمة او مواكبة اليوم للغات العالم، رغم اهميتها تاريخياً، ورغم ان السريان بنوا حضارة بشرية عريقة وقبلهم الآشوريين، الذين ذابوا وانقرضوا في بوتقة المجتمعات اللاحقة، ولم يبقى اليوم لهم أثر، باستثناء من ينسبون انفسهم للأشوريين من المذهب النسطوري، وهم خليط من عرب واكراد وروم وارمن يتبعون الكنيسة النسطورية، اطلق عليهم الآشوريين نهاية القرن التاسع  عشر فقط.

ولم نسمع الشعوب الاسلامية والاقوام الاسلامية اعتدوا على غير المسلمين في المنطقة، بل لولا الاقوام الاسلامية ورحمة المسلمين، لكانت هذه الشعوب انقرضت كأن لم تغن بالأمس.

4- يتحدث سليمان عن وضع الاكراد فالسلطنة العثمانية فيقول وسأقتبس:

“اعفت القبائل الكردية المسلمة من ضريبة الحرب ، لقاء تشكيل ميليشيا كردية دفعت بها الى ارمينيا المسيحية على الحدود بين فارس وجورجيا ، للدفاع عن حدود السلطنة في وجهة الغزوات الخارجية، ولترهيب العنصر المسيحي (الأرمني والآشوري) المشكوك بولائه للسلطنة العثمانية”

اولاً لا يوجد على الحدود بين جورجيا وفارس عنصر آشوري تماماً، وإذا قصدت النساطرة فهم موجودين في جبال حكاري وغرب اذربيجان.

ثانياً: لم تعفى القبائل الكردية كما يدعي الكاتب من ضريبة الحرب، بل كانت هناك قوات خيالة خفيفة تشكلت زمن السلطان عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر وتحديداً سنة 1894، وهي تتنقل على الخيول ودورها كدور الهجانة في حماية الحدود، ولم يقتصر وجودها على حدود الدولة العثمانية مع روسيا القيصرية او فارس، بل تتنقل وفق الحاجة لمساندة الجيش النظامي، وهذه القوات منها كردية ومنها عربية ومنها تركمانية ..الخ، ولم تقتصر على عنصر واحد، ولم تعفى جميع القبائل الكردية من ضريبة الحرب آنذاك، ولا علاقة لهذه القوات بمعركة الصفويين والعثمانيين في جالدرين، فهذه المعركة سبقت تشكيل هذه القوات بنحو 380 سنة !  ولم يكن هدفها اي وجود مسيحي رغم وجود نزاعات ظهرت بين الارمن والاكراد على خلفية اعتداء ميليشيات ارمنية مدعومة من روسيا القيصرية بإحراق قرى كردية وقتل اهلها ، وحصل كذلك رد من اكراد تلك المناطق المشتركة بين الارمن والاكراد، فلماذا نجد الكاتب يختار تصوير الضحية من منطقه “الطائفي” فقط ؟

5- يقول الكاتب وسأقتبس: ” بالنتيجة، السياسة العثمانية، ساعدت الأكراد على التوسع والامتداد في المناطق التاريخية للأرمن والآشوريين . بدورهم الفرس كانوا يغضون النظر عن عسف الأكراد المسلمين بالأرمن والآشوريين المسيحيين، لقاء كسب واستمالة الأكراد الى جانبهم في الحرب . هكذا، وكما بقية الشعوب والأقوام الاسلامية ، شكل “الاسلام” أحد أهم عوامل قوة الأكراد وأسباب انتشارهم وتوسعهم الديمغرافي.”

يحاول الكاتب دائماً تصوير المسلمين والشعوب الاسلامية بانها متوحشة، وان الاقوام (المسيحية) الضحية الوحيدة في المعادلة التي يتم اعمال القتل فيها دوماً، واذا كنا نتفق مع الكاتب بان الاسلام قد ساعد الاكراد على التوسع والامتداد لانهم لم يفرض حدود لتنقلات البشر عبر اراضيه وهجراتهم من اي قومية كانوا، فانه لا يجب حصر المسالة بالحقبة العثمانية والادعاء بانها قامت بتشجيع الاكراد على التوسع على حساب المناطق التاريخية للأرمن والآشوريين !! فالمناطق التي يتعايش الاكراد فيها مع الارمن، يعود وجودهم بها إلى الحقبة العباسية على اقل تقدير وفق ارشاك بالأديان. بالمقابل لا ننسى بان الارمن ايضاً تمددوا في الاراضي والقرى والمناطق الاخرى واكبر دليل على ذلك وجودهم في سورية ولبنان والاردن وغيرها!  فكل ذلك يعود لجملة من الظروف التي ادت إلى هذه النتائج، فلماذا يحاول الكاتب جعل الامر وكأنه مؤامرة على المسيحيين!

6-  يقول سليمان عبارة خطيرة سأقتبسها: “البيئة المجتمعية الكردية، شأنها شأن كل البيئات والمجتمعات الاسلامية المشرقية، هي بيئة خصبة للفكر الاسلامي المتطرف.”

واعتقد ان الفكر الذي يحمله السيد سليمان هو المتطرف، والمنغلق على نفسه ومتشبث بطائفيته، إذ هل يعقل ان تصف المجتمعات الاسلامية التي كانت منارة العلم حتى لأوروبا، ولا تزال تحتضن وتتقبل كل هذا التنوع الاثني والديني، بانها بيئة خصبة للفكر الاسلامي المتطرف؟  واذا كنا لا ننكر وجود متطرفين لا يمثلون نسبة 0.00001 % من المجتمع، فإن ذلك ينطبق على غير المسلمين في هذا المجتمع ايضاً، الذين يظهر بينهم متطرفين وطائفيين وعنصريين! ، وبالتالي فحديثك فيه جور وغير مطابق للواقع الذي تعيشه إلى اليوم في بيئة اسلامية ومجتمع اسلامي لم يمارس ضدك التطرف!

7- ضرب امثلة السيد سليمان على متشددين اكراد ضمن داعش، فهل وجود مجرمين وارهابيين اليوم من العنصر المسيحي في صفوف قوات الحماية الكردية او في صفوف النظام السوري يعني ان المسيحيين ارهابيين وقتلة ؟ أكيد لا يجب ان تكون المقارنات بهذا الاجتزاء للصورة العامة!

8- اخيراً يتحدث السيد سليمان، عن حركة دخول اكراد في الدين المسيحي، ووصف ذلك بانه ردة فعل على ما قام به اخوتهم في الدين (داعش) ضدهم، ولا ادري صحة هذه المعلومات، لكن وإن حدث ذلك من حالات فردية ربما لم تتجاوز 1 بالمئة ألف،  فهذا لا يمكن تناوله كظاهرة، بل كحالات لا تمثل اي قيمة ونسبة تذكر ربما لا تتجاوز 1 بالمئة ألف او اقل، ولو  أن الصورة التي رسمها سليمان يوسف عن وجود استياء كردي من الاسلام، لترك جميع الاكراد دينهم الاسلامي! وهذا لم نسمع انه حدث!

ختاماً: تناول اي موضوع وعرضه للنقاش، يجب ان يتحلى صاحبه بالموضوعية، ويقدم معلومات خاضعة لشروط البحث العلمي لا الانتقائية، ويجب ان يحرص ان يبعد اي مؤثرات عرقية وطائفية عن الموضوع، حتى يكون على قدر الاهمية التي يمكن ان يثار حولها نقاش بناء، ولا نكون فقط نضيع الوقت في تصحيح المغالطات وتفنيد المزاعم!

 

اقرأ أيضا

الاتحاد الإقليمي لنقابات الناظور يعلن عن تنظيم أيام السينما العمالية

في إطار سعيه لتعزيز الوعي الثقافي وتسليط الضوء على قضايا العمال، أعلن الاتحاد الإقليمي لنقابات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *