رسالة مفتوحة الى نواب الأمة في البرلمان

بقلم : الصافي مومن علي

بناء على الإعلان الصادر من مكتب اللجنة البرلمانية بشأن تحديد تاريخ وضع التعديلات المقترحة على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية ، وكذا على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

وبناء على ما يوحي به هذا الإعلان من قرار جعل هذين القانونين أخيرا ، جاهزين لمناقشتهما والمصادقة عليهما من طرف البرلمان ، وذلك بعدما تلكأت الحكومة السايقة في اصدارهما خلال الولاية التشريعية الاولى خرقا للفصل 86 من الدستور.

ونظرا لما يشوب مشروعي هذين القانونين من أخطاء وعيوب كثيرة ، تطعن في روح الدستور ، وتمس بالوحة الوطنية ، فضلا عن حتمية خلقهما في وطننا مشكلات اجتماعية واقتصادية جمة ، بسبب ما رافق اعدادهما من تسرع وارتجال ، نتيجة اهمال وضعهما الى حين انتهاء الولاية التشريعية السالفة الذكر.

وأملا في أن يقوم مجلسكم الموقر بتصحيح هذه الاخلالات ، وبأن يصدر هذين القانونين التنظيميين في المستوى المطلوب ، الذي يضمن للامازيغية حقوقها وكرامتها ، باعتبارها لغة كافة المغاربة بدون استثناء ، التي تضفي على هويتهم طابع الخصوصية والتميز عن باقي هويات شعوب العالم ، ارتأيت ان اوجه اليكم هذه الرسالة المفتوحة ، ادعوكم فيها بكل احترام الى ما يلي :

1)- العمل بالمكتسبات الوطنية التي أفرزتها سياسة تدبير الشأن الأمازيغي المعتمدة بعد خطاب أجدير السامي لسنة 2001، ومن ضمنها المبادئ الأربعة المتمثلة في : توحيد الأمازيغية ، وفي إلزاميتها ، وفي تعميمها ، وفي اعتماد حرفها تيفيــنـــاغ.

2)- التصريح بأن الفقرة الرابعة من الفصـل الخامس من الدستور تنص على أن اللغـة الأمازيغية المعنية بالإدمــاج في التعليم وفي مجالات الحياة العـامة هي اللغـة الأمازيغية المفــردة الواحــدة ، وليس مختلف التعبيـرات اللسـانية الأمازيغية المتداولــة في مناطـق المغـرب ، كما جاء في المادة الأولى من مشـروع القانون التنظيمي لتفعيـل الطابـع الرسـمي للأمازيـغية المعيب، ولذلك فالمطـلـوب تعديل هذه المادة لمطـابقتـها مـع روح الدسـتــــور.

3)- القول بأن اعتماد هذا المشـروع لللهجات الأمازيغية المتعـددة ، بدل اللغة الأمازيغية المعيارالواحدة ، يهـدد الوحدة الوطنية ، لأنه عوض أن يجعل من الأمازيغية عنصر تقوية وتعزيز هذه الوحدة الوطنية ، على غرار اللغة العربية الواحدة ، والمذهب الديني الواحد ، فقد جعل منها – على العكس من ذلك – عنصـر تفرقة وتشتيت للوطن وللمواطنين ، على اعتبار أن ترسيم اللهجات في مناطقها يشـكل قنابل موقوتة ، من شانها أن تمس بلحمة كياننا الوطني.

4)- القول كذلك بأن اعتماد هذه اللهجات من شانه أن يخلق لدولتنا أعباء وتكاليف لا قبل لها بها ، تتمثل في إصدارها العملة الوطنية بمختلف اللهجات المتداولة ، وفي استعمالها اياها في الأوراق الإدارية ، وفي علامات التشوير، وفي غير ذلك من المستندات والمرالفق العمومية ، الشيء الذي يؤدي حتما الى إغراق مجتمعنا في تعقيدات مختلفة ، لا خير فيها اطلاقا على حياة البلاد والعباد.

5}- الاقراربأن تدريس اللهجات في المدارس الوطنية من شأنه أن يحدث مشاكل اجتماعية عويصة للكثير من الأسر المغربية ، التي تضطرها ظروف العمل أو غيرها ، الى الانتقال من منطقة لهجية معينة ، الى منطقة لهجية أخرى ، فيؤدي بها هذا الانتقال الى انقطاع أبنائها عن الدراسة ، بسبب عجزهم عن متابعة تعليمهم بلهجة المنطقة التي انتقلوا إليها.

6)- الاقرار أيضا بأن مشروع هذا القانون يكرس التمييز العنصري بسبب اللغة ، لأنه والحال أن الدستور نص على اعتبار العربية والأمازيغية لغتين رسميتين معا بدون تمييز، فإن المشروع المعيب في الوقت الذي جعل فيه تدريس العربية حقا وواجبا في آن واحد بالنسبة لعموم المواطنين ، فإنه على العكس من ذلك اقتصر على جعل تدريس الامازيغية حقا فحسب لجميع المغاربة ، دون أن يجعله كذلك واجبا وطنيا، فكان المشروع بذلك معيبا لخرقه الدستور الذي يمنع ممارسـة التمييز العنصري أيا كان.

7)- التصريح بأن هذا المشروع مخالف للدستور، لتقزيمه وظائف الأمازيغية في هدف واحد ووحيد فقط هو التواصل ، لأنه طالما كان غرض الدستور من ترسيم الامازيغية هو أن تتمكن هذه اللغة من القيام بوظيفتها بصفتها تلك ، فيترتب على ذلك أن تكون هذه الوظيفة كاملة غير منقوصة ، أي أن تشمل : التواصل ، وكذا التنمية ، وايضا المساهمة في تطوير المجتمع ، ثم كذلك تقوية الوحدة الوطنية ، وكذا تكريس الهوية الوطنية ، وغير ذلك من الوظائف المرتبطة عموما باللغات الرسمية.

8)- التصريح بمحافظة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على خصوصيته وعلى استقلاليته المعهودتين ، على اعتبار أن لفظة “يضم” الواردة في الفقرة السادسة من الفصل الخامس من الدستور، لا تدل على انصهار هذه المؤسسـة في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، بل تدل فقط على مشاركتها في أشغال هذا المجلس الوطني الى جانب مؤسسات لغوية أخرى ، بدليل أن الفصل 53 من الدستور المتعلق بالمجلس الأعلى للأمن ، نـص بدوره على لفظـة “يضم”، ومع ذلك ظلت كل المؤسسات الواردة فيه محتفظة بخصوصيتها وباستقلاليتها ، لذلك قياسا على ما جرى به تطبيق أحكام الفصل 53 من الدستور ، ينبغي تطبيق نفس الاجراء على الفصل الخامس منه ، الشيء الذي يقتضي تعديل المادة 50 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، لكي تنص على احتفاظ مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية على استقلاليتها وخصوصيتها.
ولمجلسكم الموقر واسع النظر.

الصافي مومن علي
باحث في الثقافة الامازيغية.
عضو سابق بالمجلس الاداري للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية.
محام بالدارلبيضاء.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *