رشيد الراخا: أمغار محمد بن عبد الكريم الخطابي مؤسس القومية الأمازيغية ومدرسة التحرر العالمية

50dfe7b5-a647-4967-bed2-05a18c1b7777

أكد رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، أن الكثير ممن يتجرؤون على مهاجمة الرئيس محمد بن عبد الكريم الخطابي، لا يعرفون عنه الكثير ولا عن حرب الريف التحريرية، التي صدرت عنها مئات الكتب بمختلف لغات العالم، وأضاف راخا في محاضرة له بجامعة قاضي قدور-الناضور، تحت عنوان “أمغار محمد بن عبد الكريم الخطابي والقومية الأمازيغية”، نظمتها الحركة الثقافية الأمازيغية موقع سلوان يوم 16 ماي الجاري، أضاف أن “مؤسسة دافيد هارت” لوحدها توفر أكثر من 100 كتاب موضوعها محمد بن عبد الكريم الخطابي وحرب الريف، وقال الراخا أنه حتى نتمكن من فهم أمور وقعت في الماضي، والتي لها انعكاسات ونتائج على الحاضر والمستقبل، لا بد من قراءة التاريخ وفهمه جيدا.

وقال الراخا أن بداية ولعه بتاريخ الريف تعود لسنة 1984 عندما كان طالبا بكلية الطب في بوردو، حيث حصل من المكتبة البلدية على كتاب “محمد عبد الكريم الخطابي وجمهورية الريف”، يقول الراخا “فبدأت أقرأ تاريخ الريف الذي اندهشت لعظمته، وأدركت آنذاك حجم الحضر والتزوير الذي تعرض له تاريخ الريف المعاصر”.

عبد الكريم الخطابي مؤسس أول جمهورية أمازيغية

وأكد الراخا أن كثيرين يعرفون عبد الكريم الخطابي فقط كمقاوم للاستعمار الإسباني، من خلال معارك “حرب العصابات” التي خاضها ضد الإسبان في مختلف مناطق الريف الكبير، من وجهة عسكرية، لكن ما لا يعرفونه، أن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان رجل دولة وسياسة، استطاع توحيد قبائل الريف المتناحرة، وأسس جمهورية أمازيغية، على غرار تجربة الثورة التركية، حيث كان عبد الكريم قد تأثر بتجربة مصطفى كمال من خلال مداومته على قراءة جريدة “تلغراف الريف” التي كانت تصدر بمليلية، والتي كانت تنقل أحداث الثورة التركية التي حملت مبدأ فصل الدين عن الدولة، إضافة إلى كون “مولاي موحند” قاضيا للقضاة بمليلية، ومدرسا للغة الأمازيغية هناك.

وأضاف الراخا أن كل هذه العناصر ستأهل عبد الكريم الخطابي لبناء مشروع سياسي قوي ينبني على القومية الأمازيغية، حيث كان هذا الأخير مولعا باللغة الأمازيغية، وكان أول مدرس لها، ولطالما دافع عنها وكان معتزا بها في كل تصريحاته الإعلامية، وحتى عندما قام سنة 1922 بمراسلة عصبة الأمم من أجل الاعتراف بدولته، قال “بلادنا تشكل جزءا من إفريقيا، ومع ذلك فهي تشكل جزءا منفصلا بصورة واضحة عن الداخل، وكذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى، المغربية أو الإفريقية أو سواها”. هنا ينبه الراخا إلى أن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان يعتمد على قضية اللغة من أجل تحديد هوية بلده.

الخطابي رجل الحرب ومدرسة التحرر العالمية

وأوضح الراخا أن محمد بن عبد الكريم الخطابي انتهج حرب العصابات خلال أغلب معاركه التي خاضها ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، مذكرا بمعركة أنوال التي شكلت صدمة للعالم الإمبريالي، وكانت سببا في قلب النظام الإسباني، وخلال هذه المرحلة استطاع عبد الكريم بناء دولة حداثية عن طريق خلق شبكة للمواصلات بين قبائل دولته، وخلق دينامية اقتصادية، وحسب الراخا فقد كان عبد الكريم الخطابي يأكد في خرجاته الإعلامية على أهمية فصل الدين عن الدولة في العالم الإسلامي من أجل تحقيق تقدم كبير وإقلاع اقتصادي ، مع علمه أن من كان يحيط به من عامة الشعب لا يستطيعون فهم ذلك، لذا فقد قال جملته الشهيرة “ولدت في جيل غير جيلي، سيأتي جيل يفهمني”.e219b36b-1dce-4286-9d22-a2d2b33948c1

وأورد الراخا أن كثيرا من الثوار الذين برزوا خلال القرن 20 كقادة تحرريين استفادوا من تجربة “مولاي موحند”، فقد أخذ منه هوشي منه فكرة حرب العصابات وطبقها في حرب الفيتنام، إذ كان هوشي منه سنة 1921 عاملا في مدينة بوردو، حيث كان ينتمي لنقابة عمالية تابعة للحزب الشيوعي الفرنسي الذي طالما ساند الحرب التحريرية لعبد الكريم الخطابي، وهذا ما ساعده بعد عودته إلى الفيتنام في إعلان ثورته ضد الاستعمار الفرنسي. وكذلك ماوتسي تونغ الذي أحدث ثورة الصين، وألبيرتو بايو الذي كان كولونيل معاديا للجنرال “فرانكو” خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكان يدعو المواطنين الإسبان إلى حرب العصابات ضد الوطنيين، الأمر الذي لم يوفق فيه بإسبانيا، فعاد بعد ذلك ألبرتو بايو إلى موطنه الأصلي المكسيك حيث سيلتقي بفيديل كاسترو ورفاقه الذين أبدو رغبة في مواجهة نظام الجنرال باتيستا، ليلتحق بهم بعد ذلك الثائر تشي غيفارا الذي ترك مهنته كطبيب في الأرجنين، والتحق بالعمل الثوري في خدمة المظلومين.

تحالف القوى الاستعمارية وإجهاض مشروع “مولاي موحند”

وأضاف الراخا أن أكبر المعارك التي خاضها محمد بن عبد الكريم الخطابي هي تلك التي واجه فيها فرنسا سنة 1924، إذ بالرغم من كون الجنرال اليوطي قد تنبأ منذ معركة أنوال إلى حجم التهديد الذي يشكله عبد الكريم الخطابي على التواجد الاستعماري بالمنطقة ككل، ففكر بإقامة حدود من أجل حصار الثورة الريفية، ومنع امتدادها إلى المنطقة الجنوبية، فقام بإقامة الحصون والحاميات العسكرية على امتداد الشريط الرابطة بين تاوريرت، صاكا، وتازة فاس، رغم ذلك فإن كل هذه القلاع والحصون لم تصمد في وجه المد الريفي الذي لم يتوقف إلا على بعد 25 كيلومتر من مدينة فاس، حيث لم يشأ عبد الكريم أن يدخل المدينة نظرا لما يتطلبه تسيير المدينة من نخب عالمة، حينها يضيف الراخا: “قام المارشال بيتان، بتحريك حوالي 44 جنرال، وأزيد من 700 ألف جندي بينهم مجندين مغاربة وجزائريين وأفارقة، لم تحركها فرنسا حتى في أكبر معاركها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية”.

وحسب الراخا فإن الهدف من كل هذا العنف تجاه الريف، هو إيقاف هذه التجربة الفريدة التي استطاع خلالها عبد الكريم الخطابي في ظرف وجيز، إقامة دولة حديثة بعلمها وحكومتها ومؤسساتها، على غرار تجربة مصطفى كمال بتركيا كما أورد ذلك المارشال بيتان في مذكراته، ويضيف رشيد راخا أن هذه التجربة كانت تشكل تهديدا للتواجد الاستعماري ليس في المغرب فقط، بل في إفريقيا كلها، وحتى آسيا، حيث كانت التجربة الريفية مثلا يحتذى به في كل بقاع العالم، ومنه، حسب الراخا، فإن القوى الإمبريالية في العالم، سارعت لإقبار هذه التجربة في مهدها وتحالفت عليه كل القوى الاستعمارية، حيث شنت عليه فرنسا الحرب من الجنوب، بينما كانت إسبانيا تقصف الشمال بالغازات السامة، ودول أخرى كانت تمدها بالذخائر والموارد البشرية المؤهلة، إلى أن استسلم محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1927، حفاظا على العرق الريفي من الانقراض، كما صرح بذلك عبد الكريم لإحدى الصحف المصرية.

عبد الكريم الخطابي رجل مواقف

وأكد راخا أن عبد الكريم الخطابي كان يؤكد في جل تصريحاته على أن معركته فقط ضد الاحتلال العسكري للريف، أما المواطنين الإسبان الذين يأتون لأغراض تجارية واقتصادية، من شأنها أن تساهم في تقدم الريف على المستوى التكنولوجي وغيره فلم يكن يرى الخطابي في ذلك مانعا، وهذا، يؤكد راخا، خير دليل على أن حرب عبد الكريم لم تكن جهادية بين المسلمين والكفار، وإنما حربا تحريرية عصرية.

وكان عبد الكريم الخطابي دائما، يضيف الراخا، في خلاف مع الوطنيين المغاربيين الذين كانوا يسعون إلى تحقيق الاستقلال عن طريق العمل السياسي، ومن بينهم (الحبيب بورقيبة، علال الفاسي وعبد الخاق الطريس)، وكان الخطابي يصر على أن الاستعمار الذي دخل بالقوة لا يمكن أن يخرج إلا بالقوة، وهكذا أشرف عبد الكريم الخطابي على تأطير نواة جيش التحرير المغربي بالريف، ونفذت أولى عملياتها بالأطلس.

وكذلك يضيف الراخا كان موقف الخطابي واضحا من مفاوضات إكس ليبان مع المستعمر الفرنسي، وكذا من الاستقلال الشكلي الذي قال عنه عبد الكريم “خرج المستعمر من الباب ودخل من النافذة” أو كما كان يسميه اختصارا “الاحتقلال”. ونفس الشيء يضيف راخا كان الموقف من دستور 1962 الممنوح.

وختم رشيد الراخا محاضرته بالقول: “هذه هي المرجعية التي نستمد منها إيماننا بالقومية الأمازيغية ودفاعنا عن رموزنا وأبطالنا الذين ضحو من أجلنا”.

كمال الوسطاني

 

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *