رياح التغيير من الريف قادمة

بقلم: تسليت أونزار

قد يرى البعض مبالغة في العنوان، لن الواقع  يقول غير ذلك، و ما نتلقفه في الأجواء، هي فعلا رياح تغيير تهب لتعطينا دروسا في منهجية النضال الواعي والمدروس، دروسا في الاتحاد والاستماتة من أجل تحقيق مطالب مشروعة، وأساسا، هي رياح تغيير في وجه المخزن الذي جعل منطقة الريف مغضوبا عليها وخارج حدود المغرب النافع.

لم يعرف المغرب حراكا كالذي يعرفه اليوم والذي اندلعت شرارته مع مقتل شهيد لقمة العيش “محسن فكري” في 28 أكتوبر 2016، والمستمر حتى يومنا وبوثيرة ثابتة و عزيمة صامدة. في تاريخه المعاصر، عرف “أمور ن واكوش” (المغرب) احتجاجات ومسيرات واعتصامات وكل أنواع الاحتجاجات الشعبية، لكن كالذي نعايشه من مدينة الحسيمة، فهذا فارق لم نعهده من قبل، ولم تضرب له السلطات أي حساب، ولا يسعنا إلا مساندتهم وتحفيزهم على المواصلة بكل سلمية، حتى نيل مطالبهم التي تكفلها لهم المنظومات الدولية وأعراف الإنسانية والمواطنة قبلها.

ما يعطي لحراك الريف تميزا آخر، هو أنه حراك أمازيغي، نعم، أقولها وأشدد عليها، قد أُلامُ واُتهم بالإقصاء لأن الشعب بجميع أطيافه وتنظيماته انتفض لفاجعة الشهيد “فكري” وهذا صحيح، لكن الكل استكان وتبنى الصمت إلى حين حدث بارز آخر، إلا أن أهل الحسيمة خاصة والريف عامة، لم يدخلوا بيوتهم ويقفلوا أبوابهم، بل ظلوا في الساحات، ظلوا في الميدان وصوتهم لم يخفت، بل يعلو ويعلو، إلى أن اتهموا بالمبالغة والانفصال السياسي. ورغم كل الاتهامات التي لاقوها، لكنهم مستمرون ومدافعون عن لائحة مطالبهم المستمدة من الإيمان بقضيتهم، مطالب لا تتضمن إلا كل ما هو حق طبيعي من أجل عيش كريم وللجميع. لقد صنعوا حراكا من أجل الكل، من أجل التغيير نحو الأفضل، من أجل قول لا  لكل تنازل ومن أجل أن يظلوا في مستوى التاريخ النضالي للمنطقة.

عديدون هم الحاسدون لأبناء الريف ولعزيمتهم الأمازيغية القوية، وكثيرون هم الغيورون، لذلك نرى خرجات من أجل تمييع حراكهم، ومن أجل التقليل من حماستهم، خصوصا عندما يتكالب المخزن بأساليبه القمعية المعودة ويُسخر بلطجيته وإعلامه لإثارة الشعب ضدهم واتهامهم بخلق الفتنة وزعزة أمن الدولة, أساليب باتت معروفة عند كل أنظمة العالم الثالث، والشعوب التواقة للكرامة خبرتها جيدا، وأمازيغ الريف بدورهم خبروا هذه المصيدة، ولم تنزلق أقدامهم فيها، وذلك بفضل وعيهم وبفضل مُحَمس الجماهير الشاب  “ناصر الزفزافي”، الذي استطاع بخطابه البسيط والقريب من فهم مواطن الشارع ومن كل الفئات العمرية، أن يستقر في عقول وقلوب كل المكتوين بنار التهميش وغضب الإقصاء. “ناصر الزفزافي” بصفاته القيادية، عرف كيف يمدد رقعة الحراك من الحسيمة إلى مدن وقرى مجاورة، حيث يوما عن يوم، تتشكل تنسيقيات جديدة فتتسع الرقعة أكثر وأكثر.

“ناصر الزفزافي” وساكنة الريف أتوا بريح تغيير لم تكن على البال، ومن ينكر ذلك، فهو ظالم، أو جاهل، أو حاقد.

سطر متزعم الحراك الشاب مع الأهالي نقطة فاصلة في تاريخ  “أمور ن واكوش”  (المغرب)  المعاصر، ورغم أن الإعلام المحلي يشحن الشعب ضده، إلا أن الإعلام البديل والإعلام الخارجي والنشطاء الحقوقيون والمناضلون الأمازيغ، كل هؤلاء يتابعون المستجدات عن كثب ويوصلون للعالم وباقي الشعب؛ كيف قرر حفدة “عبد الكريم الخطابي” الوقوف بثبات حتى انتزاع حقوقهم كمواطنين وكيف يقولون فعلا  “كفى”  من الحكرة والمذلة.

أبناء الريف بحسهم الأمازيغي، أبانوا عن أخلاق عالية في احتجاجاتهم؛ فمنذ بداية الحراك، لم نسمع عن صراعات أو مواجهات أو اغتصابات بين حشود المتظاهرين، رغم أن الاختلاط لم يُمنع في الساحات، لكن المبادئ جعلتهم يضريون المثل في النضال الأخلاقي و احترام كل من وطأت أقدامه ميدان الحراك. لن ننكر أن هناك زرع للببلطجية في المظاهرات من أجل خلق مواجهات و إثارة الشغب، حتى تجد السلطات الذرائع في استخدام القوة، لكنهم أذكى من أن ينجروا وراء أساليب رخيصة باتت معروفة من الكل.

بسبب نجاح هذا الحراك الصادم لكل من لم يُرد له أن يكون، تتم عسكرة مدينة الحسيمة و جوارها من طرف الآلة البوليسية و تحاصر المنطقة، في محاولات فاشلة لحصر الحراك، و أيضا لعزل أخبار المنطقة عن باقي الوطن، حتى يمل المواطنون و يُنسى الموضوع. لكن ما لم يفهمه المخزن، هو أن الريف جزء من هذه الأرض الأمازيغية، و أن الأمازيغ لا يتخلون عن جزء منهم؛ فإن حوصرت الحسيمة، فهناك أصوان خارجها توصل صوتها و كيف يتم قمع مواطنين عزل احتجوا فقط من أجل تحسين ظروف عيشهم كمواطنين. لم يفهم المخزن أن الشعب ضاق صبرا و أن ضغطه ولد انفجارا و أنه يتحمل عواقب كل ما ستؤول إليه الأمور.

و لمن لم يفهم بعد سبب الحراك الريفي، أقول له بخطاب مبسط؛ أن الأهالي يبتغون العيش بكرامة و حسب، يبتغون ما يسهل العيش اليومي في مجالات التعليم و الصحة و الأمن و البنيات التحتية و الاستثمار من أجل خلق فرص الشغل، و يبتغون رفع صفة  المغضوب عليهم  التي الصقها بهم الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1959، إثر انتفاضة الريف و التي كانت مجزرة من الدماء، حيث خلفت ما يقارب 8000 قتيلا. منذ ذلك العهد صارت المنطقة منسية و لم يزرها العاهل الراحل أبدا. لن أدخل في تفاصيل هذا التاريخ، و لكن سأقول أن هذا التهميش و الظلم و التمييز بين الشعب الواحد، كبُر خلاله و معه أجيال عديدة، توارثت مرارة الحكرة و الحقد مع السؤال : لماذا نحن؟؟ … لهذه الأسباب لن يتراجع حراك الريف، لهذه الأسباب لن تخبو أصوات الريف، هي معركة من أجل الحرية و الكرامة، و معركة من أجل الأرض و الهوية.

حاولتُ فيما تقدم، بشكل بسيط و بغيرة المواطنة، أن أوضح باختصار لكل من يتكلم بسلبية عن لائحة مطالب الريف؛ أن الريف منا وفينا، و يصعب فهم عقلية الريفي ما لم يُستوعب تاريخ المنطقة، التاريخ الذي كتبه الموضوعيون، لا ذاك الذي يخدرون به عقولنا في المناهج الدراسية.

كل “أمور ن واكوش”  (المغرب) له الحق في العيش بكرامة و تحت ظل مواطَنة كاملة، و أكيدة من أنك أنت الذي تتحامل على هذا الحراك، أكيدة أنك في قرارة نفسك، تلعن حظك من الحياة و تلعن المغرب الذي يميزك عن أبناء الذوات، و تلعن اليوم الذي حملوك فيه جنسية هذا البلد، و تتمنى لو كانت لك الشجاعة حتى تصرخ بملئ فاك : كفى، لكن الفرق أن الرجال فقط من يقولونها جهرا، ويكفيني منه فرق.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *