زواج الحب الأبدي بين المنتخب ومنصب “المسؤولية”: الحاجة لدينامية وعلاقة رومانسية حديثة

بقلم امحمد القاضي

إذا كانت الديمقراطية كنظام سياسي يعنى بتسيير شؤون الناس والبلد، تبنته الدول المعاصرة لتعوض أنظمة إستبدادية قبلية إقطاعية أو أوليغارشية حيث يهيمن زعماء على المشهد بدون اي حق في إختيار أجهزة تشاورية تشاركية وتداولية في أمورهم، فلربما هناك أشخاص ونخب فاتهم الركب وسقطوا من قطار التنمية في محطة الأزمنة البائدة فلم تهضم بعد هذا التحول ولم تستوعب التطورات الحاصلة في المجتمع حولهم. تجمدت بنيتهم العقلية على حالة شاردة ولم تعد قادرة على إمتصاص التغيير.

هناك وجوه في البلد شاخت في المنصب وإشتعل رؤوسهم شيبا، وعبث بهم المشيب، وإحتلت التجاعيد أجسادهم، فأصبحت صورتهم “قبل” المنصب و”بعد” عمليات إعادة الإنتخاب الأبدية لا تكاد تتعرف على تقاسيمهم لما فعله الزمان وأفسده الدهر في ملامحهم.

فلا غرابة أن يدخل المغرب قائمة غينيس بأقدم برلماني في التاريخ واطول مدة إنتداب عالمية، ولم تنهي صلته بالمنصب سوى الموت، وهو منتمي، في تناقض مبهم للمبادئ، لحزب إشتراكي والإشتراكية الأممية. وان يصبح حزب إشتراكي أو شيوعي المنشأ بقيادات تخطت عتبة “الحشمة” وأعلنت حب عذري أزلي بمقعد الريادة.

وصح على الحالات إحدى قصائد الغزل التي غنتها فيروز:
يا ليل الصب متى غده؟ ## أقيام الساعة موعده؟

هذا الزواج الكاثوليكي بين المنتخب والمنصب، كما يفصح عنه الراهب داخل الكنيسة عند إعلان الزواج المسيحي : “Unis à vie jusqu’à que la mort nous sépare”، هكذا يعلنها المنتخب في اول دخول له القفص الذهبي للمجلس: “متحدين حتى تفرقنا الموت.”

فبينما ثار المد البورتستانتي على العقيدة الكاتوليكية وحلل الطلاق والإنفصال وأعطى الحرية للأزواج لإعادة الحياة في إتجاهات مختلفة بعد أن فشلت العلاقة الاولى، فالمنتخب تظل علاقته كاثوليكية بالمنصب رغم تحرر مناحي الحياة حوله.

حب أزلي عذري كثيرا ما تغنت به الأشعار وحبكت حوله قصص وأفلام كفردوس مفقود، وجد بعض المرشحين المغاربة الطريق لهذا الفردوس في علاقة غزال بينهم وبين المنتخبين لا تدوم سوى فترة الإعداد للإنتخابات أيام عسل قبل الظفر بالنتيجة. ليشهر الطلاق بينه وبين محبيه إلى موعد إنتخابي آخر، ويحول حبه العذري تجاه الكرسي في خيانة وحالة زنى المحارم مفضوحة لا تعاقب عليها قوانين البلد ما دام المشرع حول التفويض وحمل المسؤولية لأيادي وضمائر الناخبين ونتيجة الصناديق داخل ديمقراطية عددية.

هناك حولنا منتخبين قضوا بالمنصب أكثر ما قضاه نبينا في النبوة ونشر الدعوة، وكانت نتيجة الرسول دين كوني تدين به أقطار عديدة وشعوب أخرجت من الظلمات إلى النور وتجاوزت الرسالة الجزيرة العربية منشأ النبوة.
بينما أصحابنا قضوا شبابهم وشاخوا وهرموا في المنصب وشنوا فتوحات في إنتخابات وغزوات في ميزانيات المجالس وفازوا بغنائم في الإمتيازات، وأغرقوا الساكنة في ظلمات الجهل وما زادوهم إلا عتمة. لم تتجاوز نتائجهم انوفهم ولم يشمل التغيير سوى أحوالهم الشخصية، تاركين شؤون الساكنة حيث وجدوهم اول مرة كأهل الكهف.

ووسط هذه الإيحاءات الدينية، لا بأس أن نمر على قصيدة البوردة للإمام البوصيري حيث نفس المنتخب كالطفل: “إن النفس كالطفل إن تمهله، شب على الرضاع، وإن تفطمه ينفطم.”
حين لايشعر المنتخب كالطفل انه تعدى مدة الرضاع وحان الوقت أن يغادر ويقطع علاقته الحميمية “ببزولة” الكرسي، فعلى من وضعه في ذلك الوضع أن يتسلح بالشجاعة الكافية ويخبره انه تجاوز المدة الزمنية المسموح بها طبيا ومنطقيا، وحرصا على صحته كي لا يقعده الجلوس، فقد دق جرس المغادرة والخلود لراحة بيولوجية. وإما ان يدوس الناخب على العاطفة وينزع بشكل ديمقراطي الكرسي من تحت المتشبت به، بدون رأفة أو حنان.

وإن كان أبغض الحلال عند الله في الإسلام الطلاق، فتأكدوا بكل فتاوي ديانات الكون انكم لن تغضبوا الخالق بإعلان طلاقكم الخلعي لمناصبكم.

في صورة سريالية، الفائز بالمقعد الإنتخابي ورآسة المجلس، سرعان ما يختلي بالمرآة في حمامه لينتشي بالفوز والإنتصار على منافسين شكليين مرددا في حالة مراهقة أمامها : “يا حليلي وليت رئيس!” ويظل على ذلك الحال لولاية تلوى الأخرى عاجزا على تحويل المرآة لنوافذ ليطل من خلالها على تطلعات وإنتظارات وإحباطات الناخبين.

هناك على مدى التراب الوطني إستعدادات لإستحقاقات إنتخابية مقبلة لتجديد علاقة الحب التقليدي وايام عسل بين الناخب والمنتخب، ستظهر خلالها ولاءات جديدة وإعلانات على وءام وعودة لتعابير الغزل ووعود تعدت كل التصورات وقد يخجل منها الحجر والحيوان قبل الإنسان.

فبلغة العصر، لم تحصد الساكنة من بعض المجالس المنتخبة ببعض القرى سوى مزيدا من التعاسة، وتعميقا للأزمات، وعرقلة للمشاريع وتعنتا وعجرفتا على المستضعفين وهدرا للزمن التنموي وزبونية إنتخابوية وتقديسا لأولي النعمة.

فكلما إجتهد المجتمع المدني بالمغرب العميق لملأ الفراغ، والقيام بدوره كمؤسسات تكميلية للعمل التنموي بالهوامش، وتقريب المسافات بين كل الفاعلين التربويين، كلما إزدادت المضايقات وتوجسات الجهات المنتخبة وارتفعت تخوفاتها من إقتراب الفاعلين الجمعويين من المجالس، القلعة المحروسة المطوقة بكل الأسلحة المتاحة والمحضورة أخلاقيا.

وما يزيد من إستغلال بعض الخالدين السلبيين بالمجالس، نفور الشباب من العمل السياسي، والمشاركة في العملية الإنتخابية وهجرة الساكنة الفاعلة للقرى، وإبتعاد النخب والأطر والمثقفين من خوض غمار الإنتخابات وضعف الوعي الحقوقي للساكنة، وتدخل أيادي بعض الاعيان لإفساد الوضع، فيترك الفاعلين الجادين الساحة فارغة أمام نفس الوجوه العدمية.

سئمنا من نفس الوجوه، وما نداء السلطات العليا لخلق دينامية جديدة وتشجيع الشباب لدخول ساحة التنافس كمستقلين في سياق جديد، دون إنتماء حزبي، وما لهذه العملة وما عليها، لكن سبات الأحزاب وفقدان الثقة في المؤسسات وسوء إختباراتهم طرحت آفاق مسارات وتحديات سياسية جديدة.

فبالله عليكم أصحاب الحب الأزلي للمنصب، إرحمونا، رأفة بقلوبنا ومشاعرنا التي لم تعد تستحمل النفاق المجتمعي والأكاذيب السياسية والوجوه المتحجرة والأجسام الضالة والبطون الجشعة.

نريد مغربا يعشق قلوب البراءة ويتنفس هواء الصراحة والشفافية ويبني جسور الثقة لنحيى في طمأنينة ويجمعنا وطن يقطع مع البؤس والفقر ويجتث جدور الفساد.

وكما يقول الحكيم الامازيغي في مخاطبة الصبر الذي لم يعد يطيقه:
نسيك أصبر أر تيزيت، نكنين أرنترماي##
نلكم تيزي غ اوريكا الحال أسروس أولا أستاي.
بمعنى تقريبي:
إحتمالناك يا صبر وإزددت ثقلا، وإزددنا تعبا ## وبلغنا مرحلة لم تعد تصلح للتخلي أو الإستمرار في الحمل.
الفاهم يفهم، أو الحر بالغمزة!!

اقرأ أيضا

الملك محمد السادس.. خطاب العقل والحكمة والمستقبل

جاء الخطاب الملكي بمناسبة القرار التاريخي لمجلس الأمن الداعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي، ليشكل منعطفا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *