ساكنة إميضر “تتدارس” رفع أطول اعتصام في تاريخ المغرب

أعلنت حركة “على درب 96” المؤطرة لأطول اعتصام في تاريخ المغرب الحديث، اعتصام إميضر، أنها تتدارس إمكانية رفع الاعتصام الذي دام  أزيد من 9 سنوات فوق جبال ألبان. وذلك “بــناء عــلى النــّقاشــات الــتي عــرفتها الجــموع العــامّة للــحركة (إكراون) خــلال المرحلــة الرّاهــنة”.

وقال بلاغ صادر عن حركة “إميضر الاحتجاجية” إن ” مــناضليها ومنــاضلاتها بصــدد تــدارس برنــامج خـــاصّ بخــطوة رفــع واحــد من أبــرز أشكــالها الاحتــجاجية السّــلمية الــذي تــؤطّره منــذ 20 غــشت 2011 فــوق جــبل ألبــّان وقــبالة أكبــر منجــم للفــضّة فــي أفــريقيا، ويــتعلّق الأمــر بأطــول اعــتصام فــي تـــاريخ المغــرب الــحــديث”.

وأشارت إلى أنها ستعود “للمــوضوع مــع أدقّ التــّفاصيل والــمواعيــد”.

ودخلت ساكنة إميضر، إقليم تنغير، في اعتصام مفتوح فوق جبل ألبان، منــذ 20 غــشت 2011، احتجاجا على استنزاف ثروتهم المائية والمعدنية من طرف شركة “معادن إميضر”.

وهذا تقرير مفصل لحركة على درب 96 حول وضعية الحقوق الاجتماعية، الاقتصادية والبيئية بجماعة إميضر الترابية، إقليم تنغير – جنوب شرق المغرب:

1) تقديم

2) إميضر

3) منجم إميضر للفضة

4) آثار الأنشطة المعدنية على البيئة

– استنزاف المياه الباطنية

– استغلال الأراضي

– استنزاف رمال الأودية وانجراف التربة

– التلوث

– تأثير التلوث على المحيط

5) آثار الأنشطة المعدنية على المستوى السوسيو-اقتصادي والثقافي 8

– تدمير الاقتصاد المحلي.

– الهجرة القروية

– النظم الاجتماعية السياسية المحلية

———————————————————————-

 

1) تقديم

تعتبر احتجاجات سكّان جماعة إميضر جنوب شرق المغرب من بين أبرز الاحتجاجات التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة (انطلاقا من سنة 2011)، دفاعا عن ملفّ حقوقي سوسيو-اقتصادي وبيئي بالدرجة الأولى، يحاول من خلاله مناضلو “حركة على درب 96” الاجتماعية تسليط الضوء على شتّى أشكال خروقات حقوق الإنسان التي تشهدها المنطقة في ظلّ تزايد وتيرة أنشطة التعدين وآثارها السّلبية على حياة الّسكان المحليّين، وكذا ضعف التّرسانة القانونية المؤّطرة لهذه الأنشطة، مما أدّى إلى خلق احتقان اجتماعي مستمر منذ السبعينيات من القرن الماضي، نتج عنه صراع اجتماعي بين الساكنة المحلية وإدارة منجم الفضّة، وخلف العديد من انتهاكات حقوق الانسان على مستويات مختلفة.

نحاول من خلال هذا التقرير عرض أبرز أشكال خرق حقوق الإنسان بمنطقة إميضر مع طرح السياق العام والاحاطة بكافة الحيثيات المرتبطة به، وكذا تقديم احتجاجات الساكنة السلمية وتعامل الأطراف المعنية مع هذا الملف في تدبيرها للصراعات الاجتماعية القائمة.

2) إميضر

تقع جماعة إميضر الترابية على بعد 150 كيلومترا شرق مدينة ورزازات، بين سفوح جبال الأطلس الكبير، جنوب شرق المغرب، ويبلغ عدد سكانها 4420 نسمة موزعة على 624 أسرة في سبعة دواوير ، على مساحة إجمالية تقدر ب 140 كيلومترا مربعا، وينتمي سكان إميضر إلى قبيلة أيت بوكنيفن، أحد فروع قبيلة أيت عطّا الأمازيغية.

تأسّست جماعة إميضر الترابية سنة 1959، ويزاول سكانها الأنشطة الزراعية (خصوصا زراعات أشجار اللوز، التين والزيتون ثم القطاني)، تربية الماشية والأنشطة الرعوية للرحّل (ترحال بين جبال الأطلس الكبير وسفوح الأطلس الصغير غالبا) في ظلّ مناخ شبه صحراوي يتميز بقلّة التساقطات، وفرشة مائية جوفية مهمّة تغدّيها تدفقات باطنية.

3) منجم إميضر للفضة

تحتضن جماعة إميضر الترابية، أكبر منجم لاستخراج الفضة على صعيد أفريقيا ومن بين العشر الأوائل عالميا، تستغلّه شركة معادن إميضر (SMI)، فرع مجموعة مناجم (MANAGEM) المغرب التابعة لشركة المدى ALMADA (أونا ثمّ الشركة الوطنية للاستثمارSNI سابقا)، ويقدّر حجم انتاج المنجم السنوي بحوالي 40 طنا من الفضّة الخالصة ما بين أعوام 1969 و1987، 120 طنا ما بين 1988 و1994، و200 طنا منذ 1994 إلى 2012، وكانت الشركة تخطط للرفع من مستوى الإنتاج إلى 300 طنّا انطلاقا من سنة 2013 إلى 2021 لولا عدم اندلاع احتجاجات إميضر ضد المنجم منذ سنة 2011 إلى اليوم، حيث تراجع الإنتاج إلى 180 طنا بين 2011 و 2012. وتحقق الشركة أرباحا صافية ضخمة بلغت 147 مليون درهما سنة 2009 و509 مليون درهما سنة 2013. وتعود بداية استغلال منجم إميضر إلى القرن السابع والثامن، حيث تم اكتشاف آثار هذا الاستغلال القديم من خلال صور جوية، وقام المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن ONHYM (مكتب الأبحاث والمشاركات المنجمية BRPM سابقا) بتأسيس شركة معادن إميضر سنة 1969 واعتماد أساليب استغلال متطورة، بعد سنة 1996 تمّت خصخصة الشركة بعد أن قامت مجموعة مناجم الهولدينغ المعدني بشراء أكثر من 80 بالمئة من رأسمالها.

 

4) آثار الأنشطة المعدنية على البيئة

أ‌) استنزاف المياه الباطنية

شكلت عمليات التوسّع التي عرفها منجم إميضر مصدرا لتنمية القدرة الإنتاجية لهذا الأخير، وصاحب نمو الإنتاج حاجيات متزايدة من الماء، فلجأ المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن ONYM التابع للدولة إلى استغلال المياه الجوفية عبر حفر مجموعة من الآبار في منطقة جبلية بإميضر، يستغلها السكان الرحّل للأنشطة الرعوية، وفي سنة 1986 قام بحفر بئر “تارڭيط” دون أيّ سند قانوني على مقربة من الآبار الفلاحية رغم اعتراض الفلاحين وعائلاتهم خوفا من الدّمار الذي سيخلّفه ذلك على زراعتهم المعيشية والحياة بصفة عامة، هذا البئر لا يزال على حاله إلى يومنا هذا رغم تجدد الشكوى ضدّ هذا الاستغلال الغير قانوني باستمرار.

نظرا لكون الكميّات التي يوفّرها بئر “تارڭيط” لا تكفي لمسايرة مشاريع توسيع المنجم، قامت الشّركة بحفر أثقاب مياه جديدة داخل أراضي إميضر في المنطقة المسمّاة “تيدسى” سنة 2004، الشيء الذي خلف استياء في أوساط الساكنة التي خرجت في تظاهرات سلمية لمنع حفر الأثقاب، لكن السّلطات المحلية هدّدت المحتجين وقامت بتأمين عملية بناء البئر.

في 22 أبريل 2004، وقعت اتفاقية بين ممثلي الشركة المنجمية وبعض المنتخبين مع بعض ممثلي أراضي الساكنة وبعض الأعيان ، لتمكين الشركة من استغلال المياه الجوفية بـ “تيدسى” مقابل امتيازات ومساعدات اجتماعية، اتفاقية توضح التزامات الأطراف، كيفية مراقبة حجم الصبيب وكذا الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة نضوب المياه في الخطارات وآبار المزارعين بالجماعة، فمنحت وكالة الحوض المائي لڭير ـ غريس ـ زيز (وكالة جهوية حكومية) ترخيصا للشركة المنجمية يسمح لها باستغلال ثقب واحد بصبيب مستمر يبلغ 24 لترا في الثانية لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، ابتداء من 15 غشت 2004.

بطلب من مسؤولي جماعة إميضر، وفقا للمادة الثانية من اتفاقية 2004، قام مختص من مكتب الدراسات “إنوڤار” بإنجاز دراسة التأثير لفائدة الشركة المنجمية في شهر يونيو2004 وتم تسجيل انخفاضات قوية خاصة على مستوى خطارة “تاغيا” بنسبة 61% وخطارة “توجديدت” بنسبة 58%، بينما سجل بئر “أنو نيمكساون” انخفاضا لمستوى استقرار المياه بلغ 1،25 مترا.

وفي السياق ذاته، توصلت جمعية “تيدسى” لمستغلي المياه لأغراض زراعية، التي تضم الفلاحين والمزارعين، بمذكرة توضيحية بشأن دراسة التأثير التي أنجزها مكتب إنوڤار لفائدة الشركة المنجمية قبل انطلاق عمليات الضخ، وفي قراءة لنتائج القياسات التي قام بها مختص المكتب في غشت 2005، تأكد أن السبب وراء الانخفاضات المسجلة قد يعزى من الدرجة الأولى إلى تأثير استغلال الثقب من طرف الشركة المنجمية وليس إلى الجفاف لأنه حسب شهادات الساكنة فإن الخطارات لا تتأثر بالجفاف سوى بجزء ضئيل، وخير دليل على ذلك هو انه في صيف 2014 ، عرفت المنطقة موجة جفاف قوية ضربت كل مناطق الجنوب الشرقي، غير أن خطارات إميضر حافظت على صبيبها في ظل منع ساكنة إميضر المنجم من استغلال أثقاب “تيدسى” منذ صيف 2011.

قبل ذلك، قامت جمعيات محلية بإرسال شكايات إلى الجهات المعنية قصد رفع الأضرار التي لحقت بالمنطقة جراء هذا الاستغلال، كما أن اجتماع لجنة البحث العلني المنعقد يوم 26 يونيو2009 عرف تسجيل تعرض المنتخبين وممثلي المجتمع المدني والساكنة قانونيا عبر التوقيع على دفتر التعرّضات والملاحظات بمقر الجماعة الترابية لإميضر ومقر القيادة بمدينة تنغير، ذلك بعد خرق جل بنود اتفاقية 2004 وجسامة الأضرار التي لحقت بالموارد المائية للجماعة بسبب الضخ المفرط الذي تقوم به الشركة باستمرار وبدون مراقبة وقياس حجم المياه المستغلة، مع خرق القانون 10ـ95 (36-15 الحالي) المتعلق بتدبير استغلال الملك العام المائي وخاصة المواد 26،39،49، و50، رغم ذلك، أقدمت وكالة الحوض المائي لڭير-غريس-زيز على تجديد الرخصة رقم 6/2004 لعشر سنوات إضافية وتجاهلت تعرّضات الساكنة والمجتمع المدني والمنتخبين بإميضر.

تقنيّا، فالإطلالة الأولية على محتوى اتفاقية 2004 تبين ان الشركة رخّص لها استغلال ثقب واحد ذو الإحداثيات التالية:

SH1

X= 465،715

Y= 91،289

Z= 1468

في حين كانت تباشر الشّركة المنجمية عمليات الضّخ من ثقب آخر غير قانوني، إلى جانب الثّقب الأول، ذو الاحداثيات التالية:

SH2

X=466،688

Y=91،385

Z=1488

ويستغل منجم إميضر كميات هائلة من المياه الجوفية تقدّر بما يزيد عن 1500 مترا مكعبا، أي حوالي 12 ضعفا مقارنة مع استهلاك ساكنة إميضر القروية من الاستعمالات المنزلية ومياه الشرب.

هذا وقد تضررت الكثير من آبار المياه الخاصة بضيعات الفلاحين بسبب استنزاف المياه الباطنية من طرف منجم إميضر للفضة، حيث يبلغ عددها، على مستوى 5 دواوير من أصل 7، أزيد من 160 بئرا، تعيش منها أزيد من 258 عائلة، وقد تمّ هجر حوالي 40 بئرا (ضيعة) بسبب نضوب مياهها.

 

خلال صيف 2012، استمعنا إلى شهادات بعض المزارعين بإميضر وجاء فيها:

“… وفقاً للتقرير الذي قدمه لنا مكتب إنوڤار ، فقد سجل انخفاض على مستوى صبيب الخطارات وصل إلى نسبة 61٪ مقارنةً بالنسبة المسجلة بعد 14 شهراً من استغلال أثقاب “تيدسى” من طرف المنجم، هذه الخطارات معروفة باستقرار صبيبها بشكل مثالي، حتى خلال الثمانينيات، فترة الجفاف بامتياز، وذلك بفضل عدم وجود آبار ضخ المياه سواء في أعلى أو أسفل العيون المغذية للخطارات، من ناحية أخرى، فإن حفر البئر المسماة “إغف نولبّان” (تارڭيط) من طرف الشركة في عام 1986، تسبب في جفاف أراضي واسعة مسقية بآبار تستخدم محركات الديزل تقدر ب 500 هكتار…” محمد البدراوي-الشاوش، دوار ايت علي.

“… بواسطة محرك الديزل، تعمل المضخات بتوربينات قديمة جدا، ساعتين كل 24 ساعة فقط، تاركة معظم المساحة المسقية من قبل (تراجع الأراضي المسقية)، بعد حفر بئر “تارڭيط” من طرف المنجم، بدعم من السلطات المحلية، تأثرت الآبار الضيعات الفلاحية المجاورة بشكل كبير…” إبراهيم قامش، دوار أيت إبراهيم.

ب‌) استغلال الأراضي

يقع منجم إميضر في منطقة “توزاكت وإيودران” بإميضر، قبل الاستغلال الحديث للمنجم، حيث كانت تعيش مجموعة من العائلات، لازالت آثار أنشطتهم الزراعية وبعض أنقاض منازلهم شاهدة اليوم، وقد اضطرت حوالي 37 عائلة لمغادرة المنطقة بعد ارتفاع وثيرة الأنشطة المنجمية هناك ، بعضهم نال تعويضا ماليّا عن ممتلكاته، وآخرون تركوا المكان خشية على حياتهم خصوصا بعد توالي نفوق العشرات من المواشي التي كانت تتروّى من المياه المستعملة والملوّثة التي يطرحها المنجم، أبرزها نفوق 25 رأسا من الماعز سنة 1987 بسبب شربها لمياه عادمة من مطرح النفايات السائلة للمنجم.

يعتبر منجم إميضر مثل باقي المناجم في المغرب ملكا للدولة حسب ظهير 16 أبريل 1951 وبموجبه فإن الدولة لها الحق في استغلال الأراضي التي تضمّ المنجم بحكم كونها أيضا وصية على الجماعات السلالية المحلية استنادا لظهير 27 أبريل 1919 الاستعماري، من هنا بدأت الجماعات المحلية تفقد سيادتها على أراضيها.

فيما يخص الصيغة القانونية للاستغلال، فإن شركة معادن إميضر كانت تستغل 75 هكتارا مقابل سومة كرائية محتشمة، وفق ترخيص تقدمه وزارة الداخلية، ومنذ سنة 1998 إلى غاية 2011، كانت تستغل أزيد من 150 هكتارا إضافية دون تجديد الترخيص وعقد الكراء، وبعد اندلاع احتجاجات ساكنة إميضر سنة 2011، أقدمت الشركة على تجديد عقد استغلالها للأراضي على أساس 375 هكتارا مقابل 2500 درهما سنويا كسومة كرائية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لخمس فترات متتالية، بعد أن تمت تسوية الوضعية القانونية لاستغلال 220 هكتارا مقابل 880 درهما للهكتار الواحد خلال 14 عاما الماضية.

إلى جانب الأراضي التي يتواجد فيها المنجم ومطارح النفايات المنجمية، فإن مجموعة من أراضي الجماعة تم استغلالها عشوائيا عبر تشييد صهاريج وأنابيب نقل المياه وكذا أعمدة الكهرباء.

 

ت‌) استنزاف رمال الأودية وانجراف التربة

يستهلك منجم إميضر كميات هائلة من الرمال والحصى تناهز 60 ألف مترا مكعبا سنويا، وتستخرج شركة سيفامين (SIVAMINE) المناولة حوالي 50 ألف مترا مكعبا من وادي “تارڭيط” على أساس عقد يربطها بشركة معادن إميضر انطلاقا من سنة 2001، وباعتماد دفتر تحملات تم خرق العديد من مقتضياته، مثال عدم احترام سقف الكميات المستخرجة المتفق عليها، وبيع مواد البناء لأطراف أخرى غير الشركة المعدنية، وإلحاق ضرر جسيم بالبيئة (انجراف التربة وتهديد الأراضي الزراعية والمنازل، تلوث الهواء، الضجيج، وما إلى ذلك…)، ومنعت الساكنة الشركة من استخراج هذه المواد من الوادي منذ سنة 2011 مع حجز مخزونها الغير قانوني، إلا أن صاحب الشركة قام بتصفية هذه الأخيرة وبيع الآليات ومخزون الرمل لشركة أخرى مناولة بالمنجم خوفا من أن تتم محاسبته أمام القضاء.

منذ 2011، حاولت مجموعة من الشركات الخواص مدعومة من المنجم استغلال الوضعية المتأزمة واحداث وحدات تكسير الحجارة ومقالع رمال في مناطق أخرى داخل تراب جماعة إميضر، غير أن الساكنة قامت بتقديم عرائض تعرّض جماعية، وبقيت هذه المشاريع معلقة إلى حدود الساعة تنتظر فقط زوال الاحتجاج القائم للشروع في استغلالها من جديد.

ث‌) التلوث

بعد استخراج المعادن من باطن الأرض، تقوم شركة معادن إميضر بتصفيتها عبر معمل المعالجة باستعمال مواد كيماوية ومادة سيانور الصوديوم (Cyanide de Sodium) الخطيرة، حيث تستعمل الشركة عشرات الأطنان من هذه المادة شهريا (فمثلا، خلال شهر نونبر 2013، تم استعمال حوالي 27 طنا من السيانور).

ويتم طرح النفايات الشبه سائلة والصلبة (خليط من المياه المستعملة والمواد الكيماوية والتربة التي تحتوي على معادن ثقيلة سامة) مباشرة على سطح الأرض وفي مكان مفتوح على شكل أحواض وسدود تلّية، دون اتّخاذ أية إجراءات وقائية تمنع تسرّب هذه المواد إلى الفرشة المائية الباطنية والمحيط.

تتعرض النفايات المنجمية لأشعة الشمس، فتجف وتتحول إلى غبار دقيق تحمله الرياح وفيضانات الأمطار وينتشر في المحيط، أضف إلى ذلك الغازات السامة التي تنبعث من مداخن معامل المعالجة والصّهر (خصوصا بخار معدن الزئبق القاتل).

من جانب آخر، علما ان المنجم يعمل على نظام مداورة ثلاث مجموعات من العمّال داخل 24 ساعة، فإن آلات معمل المعالجة تصدر ضجيجا مستمرا ليلا ونهارا.

في عام 2013، قامت جريدة “المساء” المغربية بإجراء خبرة علمية على عينات من التربة (أراضي زراعية) والماء (مياه الآبار والخطارات) تم جردها من مواقع مختلفة بإميضر، وفي نفس الوقت، تم افتحاص عينة من النفايات المنجمية (نفايات صلبة غير محتوية على السيانور) المطروحة على مجال مفتوح، وتبين أن هذه النفايات تحتوي على مجموعة من المعادن الثقيلة السامة من قبيل الرصاص، الزرنيخ والكادميوم، كما تبين أن أراضي إميضر الزراعية تحتوي على نسب عالية جدا من نفس هذه المواد السامة مقارنة بالنسب المعيار التي حددتها منظمة الصحة العالمية (عشرات الاضعاف أحيانا).

تقوم شركة معادن إميضر باستخراج ومعالجة معدن الفضة منذ عشرات السنين دون القيام بأية دراسة تأثير على البيئة، حتى بعد صدور قانون البيئة 03-12. خلال شهر ماي من سنة 2012، قامت الشركة بتمويل دراسة تأثير المنجم على البيئة واستقدام مكتب دراسات من اختيارها دون مراعاة مقتضيات القانون المذكور سابقا وبغير علم من السلطات المعنية ولا من الساكنة المعنية.

– تأثير التلوث على المحيط:

تنتشر مجموعة من الأمراض الخطيرة في أوساط الساكنة المحيطة بالمنجم، خصوصا تلك المتعلقة بالجهاز التنفسي، الجهاز العصبي، الامراض الجلدية والسرطانات والسكتات القلبية، وتعزى أسبابها أولا إلى التسمم عن طريق نفايات المنجم والمواد السامة المذكورة سابقا،

وتتراجع انتاجية الأشجار المثمرة حتى مع توفر الماء، بل يموت عدد منها كذلك، إلى جانب تراجع خصوبة التربة وتسمم الزراعات المعيشية المنتشرة في المناطق المجاورة للمنجم.

خلال عامي 2011 و2012، قمنا بإجراء مقابلات (مسجلة صوت وصورة) مع مجموعة من الفلاحين والمزارعين بإميضر حول الموضوع وجاء فيها:

“…في الصباح الباكر، عند شروق الشمس، ومع بداية تشغيل آليات المصنع، يغطي دخان أزرق السماء لعدة كيلومترات حول المصنع، ليصل إلى القرى البعيدة المحيطة بموقع المنجم، تأثير هذا التلوث يظهر بشكل رئيسي على أشجار الفاكهة خاصة أشجار اللوز التي تفقد زهورها وثمارها بعد ذلك، البرسيم الأخضر لم يعد صالحًا للماشية؛ يتطلب تنظيفًا دقيقًا قبل تقديمه لها، مع مستويات عالية من التسمم. تظهر الأشجار لونًا أصفر في الأوراق والزهور. هذا التلوث هو أصل العديد من الأمراض غير المعروفة التي تهاجم أشجار الفاكهة…نظرا لانخفاض الإنتاج والإنتاجية للأراضي والأشجار بنسبة تصل إلى 70 ٪ (الأشجار والقمح والشعير والبرسيم …)، وعدم تدخل وزارة الفلاحة في إطار مخطط -المغرب الأخضر- (دعم الفلاح الصغير ومرافقته …)، يجد الفلاح نفسه وحيدا في مواجهة الجفاف، والاستغلال المفرط للموارد المائية من قبل المنجم والتلوث، بدون دعم أو تدخل…” محمد خنيط من دوار أيت امحمد، 75 عاما.

“… الأشجار تموت يوما بعد يوم! حتى تلك التي تنال حصتها من الماء. يضاف إلى ذلك أن الأشجار تفقد زهورها التي تأخذ لونًا أصفرًا …” محمد البدراوي-الشاوش، دوار ايت علي.

“… في بعض الحالات تموت الأشجار في ظروف غامضة، على الرغم من كميات كبيرة من المياه والأسمدة التي تستهلكها. لماذا؟ ” يدير حمدان، دوار أنونيزم.

“…مرض مجهول يهاجم أشجار اللوز، هناك إجماع بشأن عدوى أشجار اللوز في جميع الدواوير، من الممكن جداً أن يأتي هذا من الغازات والغبار المنبعث من منجم الفضة” إبراهيم قامش، دوار أيت إبراهيم.

إلى جانب هذه المشاكل، فالتلوث الصادر عن المنجم أثر كثيرا على التنوع البيولوجي في المنطقة؛ اختفت أنواع من الوحيش والنباتات خصوصا في منطقة “حباب” التي يستغلها الرحل لأجل الرعي، أضف إلى ذلك شهادات عمال المنجم حول مشاهد يومية لنفوق الحيوانات البرية والطيور التي تشرب من مطارح المياه المستعملة المنتشرة في أرجاه المنجم على شكل برك، جداول وسدود تلية.

 

5) آثار الأنشطة المعدنية على المستوى السوسيو-اقتصادي والثقافي

أ‌) تدمير الاقتصاد المحلي

تعتبر منطقة إميضر من المناطق الواحية التي يعتمد فيها السكان المحليون على الزراعات المعيشية المسقية وتربية الماشية، ويشتغل الفلاحون على أراضيهم الخاصة لتلبية حاجيات عائلاتهم وتوجيه جزء من منتوجاتهم للسوق المحلية لا سيما اللوز، الزيتون والتين إلى جانب القطاني والخضر، لتعويضها بمنتوجات أخرى غير متوفرة محليا، فيما يتنقل عشرات الرّحل بين سفوح جبال الأطلسين الكبير والصغير على تغير فصول السّنة، ويساهمون بشكل كبير في تزويد الأسواق المحلية باللحوم، الصوف والبهائم.

وقد أدى التلوث المنجمي واستنزاف الفرشات المائية من طرف منجم الفضة إلى تدهور أسس الاقتصاد المحلي في المنطقة، عبر تدهور الانتاج الفلاحي، كما ورد في شهادات فلاحي المنطقة:

“…إن أثقاب مياه تيدسى 1 و2 لها ارتباط وثيق بخطارات إميضر، كما أظهرت ذلك إحدى الدراسات (دراسة مكتب إنوڤار)، هذا يفسر الانخفاض في صبيب الخطارة المذكورة، مما تسبب في ضرر كبير للزراعة بشكل عام، وينعكس هذا الأثر بوضوح على مساحة الأراضي الزراعية المسقية عن طريق هذا النظام، والتي تصل إلى 50٪ من مجموع الأراضي المسقية في السابق، في منطقة “تاغية-أزرك أمجيال”، يضطر الفلاحون لقطع الأشجار على نطاق واسع؛ أشجار الزيتون، أشجار التين، وأشجار اللوز التي لم تعد قادرة على تحمل هذا النقص في الماء، وتأثرت محاصيل القطاني كذلك…”محمد البدراوي-الشاوش، دوار ايت علي.

إبراهيم قامش من دوار أيت إبراهيم يقارن بين مستوى إنتاجية أراضيه في الماضي والحاضر:

مردودية الأراضي الزراعية قبل تدهورها:

– زيت الزيتون: 212 لتر (20.600 درهم)

– القمح: 20 قنطار (10000 درهم)

– الشعير: 30 قنطار (9000 درهم)

– اللوز: 20 قنطار (11000 درهم) “في ذلك الوقت، تنتج شجرة اللوز 140 كيلوجرام من اللوز”.

– الخضروات: 11 طن (خاصة الجزر، البصل واللفت)

– الفواكه: 22 طن

في ظل الظروف الحالية (الجفاف والتلوث وعزل المزارع ونقص الدعم الفلاحي) لم تعد إنتاجية الأراضي الزراعية كما هي؛ سجلت انخفاضًا ملحوظًا وغير قابل للتفسير، وهو:

– زيت الزيتون: 100 لتر

– القمح والشعير: غالبا ما يكون تالفا فقط يخدم لعلف الماشية

– اللوز: سقوط الزهور وكذلك الفواكه (بسبب المرض)، وتموت الأشجار …

– الخضروات: تغطي 10 ٪ فقط من احتياجات منزلي، أما الثمار فهي تعدّ من الماضي …

الزراعة ليست كما كانت، ومع ذلك نبقى في حقولنا لأنه ليس لدينا خيار آخر، منذ أن قام المنجم بحفر بئر تارڭيط خسر المزارعون حوالي الثلثين من دخلهم، شجرة اللوز تنتج 6 كيلوغرامات فقط…”

أما لحسن كريم، خضّار من دوار أيت إبراهيم، فيقول: “… توفر مزارع وحقول إميضر كميات كبيرة من الفواكه والخضروات وتوجه إلى الأسواق المحلية خلال أوائل الثمانينات، ولكن بعد عام 1986، تاريخ احداث بئر تارڭيط الذي تسبب في الاستغلال المفرط للفرشة المائية للجماعة والتلوث الذي رافق وجود المصنع، كل شيء تغير…”

ب‌) الهجرة القروية، الفقر والبطالة

بعد تدمير جزء كبير من الاقتصاد المحلي، اضطر العديد من سكان جماعة إميضر إلى مغادرة المنطقة في اتجاه المدن، وتؤكّد نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنتي 1994 و2004 على هجرة حوالي 106 أسرة (ما يناهز ألف نسمة) نحو المدن.

وتفشت البطالة بعدما تحول الفلاحون من مزارعين يعملون في ممتلكاتهم الخاصة إلى عمال مياومين على حساب شركات البناء في المدن البعيدة، خاصة وأنه تم إقصاء اليد العاملة المحلية من فرص الشغل المتوفرة في منجم الفضة، بعد ان استقدمت الشركة أغلبية مستخدميها من مناطق أخرى، وسنّت اتفاقا مع نقابة العمال التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل سنة 1992 يقضي بتوريث مناصب الشغل لأبناء العمال، وبالتالي إقصاء السكان المحليين مدى الحياة من حقهم في الشغل بالمنجم، وخرق مبدأ تكافؤ الفرص الذي يقره الدستور المغربي، حتى تتمكن الشركة من تفادي الضغوطات النقابية على مستوى سياستها البيئية المدمرة للمحيط.

رغم كون منجم إميضر أكبر منتج للفضة في أفريقيا، إلا أن حوالي 50 في المئة من ساكنة جماعة إميضر يعانون من الفقر (التفقير) ويعيشون على أقل من 28 دولارا في الشهر، في الوقت الذي تراكم فيه الشركة المعدنية أرباحا طائلة، عرفت ارتفاعا مستمرا خصوصا في سنة 2009 بقيمة 148 مليون درهما و509 مليون درهم سنة 2013 .

ت‌) النظم الاجتماعية السياسية المحلية:

باستنزافها للمياه الجوفية، فشركة معادن إميضر لم تتسبب فقط في تراجع صبيب الخطارات ومستوى مياه الآبار وتضرر الفلاحة، بل أكثر من ذلك، فهي تهدّد موروثنا الثّقافي ومعارفنا المحلّية الضّاربة في التاريخ، فنظام الرّي التقليدي عبر القنوات الباطنية إرث ثمين، وسيؤدي نضوب مياهها وهجرها إلى تدميرها واختفائها بالكامل، وبالتالي اختفاء النظم الاجتماعية والأعراف المرتبطة بها، من قبيل نظام التناوب في تدبير الاستفادة من الثروة المائية أوفي اصلاح قنوات الخطارات من طرف أفراد القبيلة، التي يشرف عليها “أمغار ن تركا” أو شيخ الخطارة والمشرف على تنظيم سيرها، أضف إلى ذلك القيم والأعراف الأخرى المرتبطة بالأنشطة الزراعية التي تغطيها مياه الخطارات. إن طريقة وهندسة بناء الخطارات تشير وبقوة إلى أهمية المعارف المحلية القديمة في الحفاظ على البيئة، فقد أدرجتها منظمة اليونيسكو العالمية مؤخرا ضمن الموروث اللامادي العالمي وأوصت بضرورة الحفاظ عليه.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *