سعيد بنيس يقترح تصورا جديدا للجهوية المتقدمة في المغرب

الأستاذ سعيد بنيس

هذا التصور يربط فيه الأستاذ بنيس بين التعددية اللغوية والثقافية وبين التنمية الترابية، ويتمثل هذا التصور في الانتقال من نموذج الجهوية الإدارية الحالية إلى جهوية ثقافية ولغوية تستند إلى خصوصيات الجهات.

يرى بنيس أن كل جهة تحتضن تنويعات لغوية وثقافية مميزة تمثل هويتها الترابية وتساهم في تعزيز الانسجام الوطني.

من هذا المنطلق يشير بنيس إلى أن التعددية اللغوية والثقافية ليست عائقًا، بل يمكن أن تكون رافعة للاندماج الوطني إذا تم اعتماد مقاربة تركز على مبدأ “الترابية اللغوية”، حيث يتم الاعتراف بالتنويعات المحلية إلى جانب اللغتين الرسميتين، الأمازيغية والعربية. هذا النموذج يسعى إلى تأسيس جهات ذات شخصية لغوية وثقافية محددة، مع تعزيز دور الإعلام الجهوي واستخدام النصوص الإبداعية المحلية في التعليم.

بهذا الصدد يقترح بنيس أن يكون هذا التقسيم على الشكل التالي:

جهة تريفيت تركز على مناطق الريف المغربي التي تتميز بالجبال الوعرة والمناظر الطبيعية الفريدة، وتُهيمن فيها الأمازيغية الريفية (تاريفيت)، وهي من أبرز تنويعات اللغة الأمازيغية. تتسم بثقافة المقاومة والاستقلالية، مع تراث غني في الموسيقى الريفية التقليدية والعمارة المحلية.

أما الجهة الجبلية فتغطي مناطق جبالة في الشمال المغربي وغيرها، حيث يجتمع فيها استخدام العربية الدارجة ذات اللكنة الجبلية مع الأمازيغية، وتُعرف بتراثها الزراعي الجبلي والصناعات التقليدية مثل تطريز الأثواب، إلى جانب فن العيطة الجبلية.

تمزيغت، جهة أمازيغية، تشمل مناطق الأطلس المتوسط والكبير حيث تنتشر أمازيغية الأطلس. تعكس الجهة ثقافة السلم والضيافة، وتسهم في التراث الثقافي مثل أحيدوس والعمارة التقليدية. جهة العروبية تمثل المناطق ذات الطابع العربي الخالص، خاصة السهول الكبرى مثل الغرب والشاوية ودكالة، وتُهيمن فيها العربية الدارجة، مع تنويعات لهجية محلية. تتسم هذه الجهة بثقافة القبائل العربية التي تعتمد على الزراعة والفروسية. جهة تشلحيت تمتد في الجنوب الغربي، حيث يتحدث السكان أمازيغية تشلحيت، وتشتهر بثقافة العمل والتجارة، وفنونها مثل رقصة “أحواش”، بالإضافة إلى تراثها الغني في الطبخ والحرف اليدوية.

أما الجهة الحسانية، فهي تمتد جنوبًا حيث تسود الثقافة الحسانية الصحراوية، ولهجتها تتأثر بالأمازيغية والثقافات الإفريقية. هذه الجهة تمثل التراث الصحراوي بكل تفاصيله، مثل الفروسية، والشعر الحساني، والخيمة، وقيم الكرم والشجاعة.

يهدف هذا التقطيع حسب الأستاذ سعيد بنيس إلى تحقيق اندماج جهوي يعترف بالهوية الترابية للغة والثقافة دون عزلها، بل بإدماجها في المشروع الوطني، كما أن هذا النموذج يدعو إلى التخلي عن ثنائية “لغة راقية” و”لغة غير راقية”، واعتماد سياسة لغوية محايدة تعترف بالتعددية الثقافية واللغوية. في النهاية، يؤكد بنيس أن الجهوية المتقدمة بهذا التصور ستشكل نقلة نوعية في تدبير التنوع الهوياتي في المغرب، مستفيدًا من تجارب دول مثل إسبانيا وسويسرا وبلجيكا.

اقرأ أيضا

من الثنائية اللغوية الرسمية إلى الفوضى اللغوية الهجينة

في خضم سوق لغوية واقعية وافتراضية متعددة ومتنوعة، تبدو صيرورة التلهيج والتدريج والمعيرة عائقا أمام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *