لماذا يصر سْعَيِد قيس، الإجهاز على التراكم التاريخي المغربي التونسي؟
قبل ان نجيب على هذا السؤال، يجب ان نقر ان ثقل الحوار التاريخي بين الجزائر والمغرب، كثيرا ما يحجب عنا قوة الحضور التاريخي، الثقافي، والسياسي التونسي في المشهد المغربي، كما ان لهذا الثقل دور كبير في بروز الكثير من الخلافات التي تصاحبها وتغديها الخلافات بين المغرب والجزائر.
بالعودة الى التاريخ ومحاورته، يخبرنا ان التقليل من حجم الحضور التونسي في المشهد المغربي، يعتبر مسألة مجانبة للصواب وللحقيقة التاريخية الثابتة والملموسة. حقيقة تخبرنا بدور تونسي حقيقي في المغرب، حضور ساهم في حصول تراكم تاريخي في العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين.
فما الذي كان وكيف حصل؟
اولا قبل فترة الحماية الفرنسية على المغرب، نعثر على العديد من المؤشرات التي تحدثت عنها المصادر والمراجع المغربية ونخص بالذكر هنا الناصري، المشرفي، ابن زيدان والمنوني، ابن عزوز، ابن سودة، بوشعراء، الخديمي، والعروي، التي ارخت للحضور التونسي في المغرب ومساهمته في ميلاد التقارب المغربي التونسي وحصول المجاورة بين الشعبين الشقيقين، وبداية التراكم بينهم.
فالجهاز الاداري المغربي عرف حضورا تونسيا قد يقال عنه انه باهت في بعض الأحيان ، ولكنه غير ذلك اذا اخدنا حساسية الفترة التي حصل فيها ونخص بالذكر الفترة التي تلت هزيمتي ايسلي وتطوان.
يعثر الباحثون في تاريخ العلاقات بين المغرب وتونس على العديد من الشخصيات التونسية التي حطت الرحال بالمغرب، وفي فترات زمنية متباينة، وفي ضروف تاريخية مختلفة، شخصيات سجلت حضورا تونسيا إيجابيا في المغرب، ومن بين هذه الشخصيات، سفراء، ومهاجرين، فقهاء وعلماء، عمال، وغيرهم ممن خلوا بين ظهرانيا نحن المغاربة. وقد كان لجامع الزيتونة حضورا في العلاقات بين البلدين، فخريجي الجامع التونسي الكبير كان لهم حضور في المغرب وبين علمائه، وهو الامر الذي يصدق على العالم والفقيه المالكي التونسي محمد بن سليمان المناعي المتوفي سنة 1830، هذا الفقيه حل بمدينة فاس واخد على علمائها وخاصة الفقيه المعروف الشيخ التاودي بن سودة، وكانت للعالم التونسي الكتير من المجادلات والحوارات مع علماء المغرب، في قضايا الشريعة والعصر، ومن بينها مسألة الكرنتينة( نستحضر هذا المصطلح الثقيل، ونحن في زمن الوباء، وباء كوفيد التاسع عشر). وهب نا التاريخ كذلك ان الرئيس التونسي حمودة باشا، قام ببعث سفارة الى المغرب على عهد المولى سليمان، ويتعلق الامر بسفارة الرياحي، الثي اوردها المنوني، وتحدث عنها الناصري احمد بن خالد، فالرياحي حل بمدينة فاس في زمن كانت تونس محاصرة بازمة غدائية هوجاء، ازمة أطلق عليها المؤرخين اسم المسغبة وهي كلمة تعني في اللغة العربية الجوع الشديد، والذي ينتج عن غلاء وندرة الأقوات، مسغبة قاتلة، وقد حل السفير التونسي الرياحي المعروف بمدينة فاس في ضيافة سلطان المغرب…. باسم جموع تونس طالبا باسمهم جميعا امدادات مغربية لاطعام الالاف الجياع وملئ بطونهم الفارغة، وبناء اجسامهم الوهنة من فرط الجوع والقحط، طلب لقي موافقة السلطان المغربي، مما افاض قريحة الرياحي الشعرية وفجر عيونها والف في ذلك قصيدة جميلة اعجب بها السلطان المغربي ايما اعجاب، اعجاب رد عليه السلطان بحفل بهيج على شرف الضيف التونسي، حفل اهتزت له كل اركان مدينة فاس وما جاورها، وحينها قام الرياحي بإهداء السلطان هدية ثمينة لم تتحدث المصادر عن طبيعتها….
ومن الشخصيات التونسية التي حجت الى المغرب نجد محمد خير الدين، نجل المصلح التونسي المعروف خير الدين باشا التونسي، والذي حل بالمغرب في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي، هذا المصلح كانت له علاقات وطيدة مع شخصية مغربية وهو محمد بن عبد الكريم الكتاني، وقد حل خير الدين بالمغرب مرسلا من طرف جمعية الإتحاد والترقي التركية واقام بمدينة مراكش، اقامة سببت الكثير من المتاعب السياسية والدبلوماسية للمغرب ومارست عليه الدول الأوروبية الكثير من الضغوطات المختلفة لانهائها، وتحمل المغرب نتائجها الثقيلة، وفي عهد المولى عبد العزيز قام محمد النوري بالاقامة في المغرب وعمل على الإتصال بالسلطان المغربي اتصال حدث كما هو معروف سنة 1904، وظل النوري مقيما في المغرب الى ان وافته المنية. كما حبت بالمغرب شخصيات تونسية شهيرة اخرى ومنها الشيخ المسعودي الذي توفي بمدينة مكناس، كما وفدت على المغرب شخصيات آخرى بفعل تيسر النقل بين البلدين، حضور كان الغرض منه المشاركة في بعض المؤتمرات ومنها جمعية الحرمين الشريفين ، ومن اشهر تلك الشخصيات نجد العالم محمد الجودي 1943، وكان يشغل مفتي مدينة القيروان، كما استقر عمر بن حمدان التونسي المحروسي بمدينة فاس التي خلىبها سنة 1922. بعد احتلال تونس من طرف فرنسا، لجأ الكثير من التونسين الى المغرب، في إطار هجرة الى مدن المغرب ونخص بالذكر هنا مدينة تطوان وشفشاون، وكان ذلك سنة 1888، وفي هذا الاطار استقرت اسر تونسية في المغرب، وكان افرادها يمارسون حرفا يدوية ومنها البناء الذي برع فية التوانسة. يهبرنا التاريخ كذلك كما سبقت الإشارة اليه سابقا بنجاح العديد من التوانسة في تسلق الهرم الاداري المغربي، ونالوا مناصب سامية وفي هذا الصدد نجد كل من محمد ابن احمد خوجة، وعبد الكريم المزوغي المستشار، فخوجة تقلد منصب تدريب الجيش النظامي المخزني عقب هزيمتي اسلي وتطوان، وسبق له ان اشتغل مع السلطان محمد بن عبد الرحمان عندما كان خليفة لوالده، كما شغل المزوغي منصب مستشار في البلاط المخزني.
اما في فترة الحماية الفرنسية على المغرب، فقد شغل التوانسة العديد من المناصب السامية وتقلدوا العديد من المناصب والمهام منها ما هو اداري ومنها ماهو تقافي صرف، ووصلوا الى كل المجالات بما فيها الصحافة والاعلام
(يتبع)
الحسين بوالزيت
صحفي وباحث في التاريخ
سلا في 27 غشت 2022
اقرأ أيضا
الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية
أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …