سواقي: معاناة المرأة الناطقة بالأمازيغية مضاعفة وغياب إرادة سياسية يُعيق تعميم تدريس الأمازيغية

نشأت الفنانة التشكيلية والأستاذة مينة سواقي داخل أسرة أمازيغية بجبال الأطلس، وفي المرحلة الجامعية التحقت بصفوف الحركة الثقافية الأمازيغية وتأثرت بالخطاب الأمازيغي، فقررت اختيار ألوان الطبيعة الأطلسية والحلي وألوان الزربية الأمازيغية وتشكيلاتها المتناغمة، بالإضافة للحرف الأمازيغي تيفيناغ في أعمالها الفنية.

في لقاء مع “العالم الأمازيغي” تحدثت سواقي عن مسارها الفني والإكراهات التي واجهتها، وأبرزت أن “إنتاجات الفنانين لا يمكن فصلها عن طبيعة عيشهم والمكان الذي ينتمون إليه ولا عزلها عن القضايا التي تشغلهم فكلها مؤثرات تشكل دوافعهم وتحدد حالاتهم الوجدانية والعاطفية”.

وبخصوص واقع المرأة، تقول المتحدثة ” لا يجب على المرأة أن تسمح لنفسها أن توضع في خانة الاستثناء باعتبارها الضحية، وهذا ما يكرسه الاحتفال باليوم العالمي للمرأة غالبا”، واعتبرت “معاناة المرأة الناطقة بالأمازيغية في الوسط القروي مضاعفة مع قسوة الطبيعة وإقصائها من البرامج التنموية التي تضعها الدولة أو عدم استيعابها لهذه البرامج في أغلب الأحيان”. كما تطرقت الأستاذة إلى واقع تدريس الأمازيغية في المدرسة العمومية وقالت في هذا الصدد:” ليس هناك استراتيجية أو رؤية واضحة لحد الآن لتعميم تدريس الأمازيغية”، وأن “الإرادة السياسية الحقيقية هي ما ينقص ملف تعميم الأمازيغية أفقيا وعموديا”.

أجرى الحوار / منتصر إثري

ـ نبدأ بالسؤال الكلاسيكي كيف تُقربين القراء من مينة سواقي؟

مينة سواقي مزدادة في الثاني من مارس 1995 بجماعة سيدي احسين نواحي مدينة خنيفرة، درست مرحلتي الإبتدائية في مدرسة ايت عزوز بنفس الجماعة وبعدها المرحلة الإعدادية والثانوية في ثانوية محمد السادس بخنيفرة حيث حصلت على شهادة الباكالوريا في علوم الحياة والأرض.

تابعت دراستي الجامعية بجامعة السلطان مولاي سليمان حيث حصلت على شهادة الإجازة في الكيمياء التطبيقية من كلية العلوم والتقنيات ببني ملال، والتحقت بمركز مهن التربية والتكوين كأستاذة متدربة تخصص أمازيغية هذه السنة وأتابع التكوين بنفس المدينة.

حدثينا عن مسارك الفني؟ وكيف تم اكتشاف موهبتك في مجال الفن التشكيلي؟

بداية اكتشاف موهبتي في الرسم بدأت بالضبط سنة 2017، بعد انتهائي من امتحانات الجزء الأول من الدورة الثانية شعرت ببعض الملل، وحملت قلمي داخل الحي الجامعي ورسمت إحدى صوري، ثم قمت بنشرها على موقع التواصل الاجتماعي، حينها تلقيت تشجيعا من أصدقائي، ورغم ذلك كانت علاقتي بالصباغة متقطعة وغير مستمرة لظروف الحياة، وتوقفت لمدة سنتين إثر “أزمة كوفيد”، ومعظم أعمالي لم تكن مكتملة وأحيانا أهجر بعضها عندما لا ترضيني.

في بداية هذه السنة عندما التحقت بالمركز الجهوي للتربية والتكوين، ومع أنني احتفظت ببعض من أعمالي، جاءتني فكرة عرضها، من هنا كانت أول بصمة لي في مجال الفن التشكيلي عندما فتح لي المركب الثقافي الأشجار العالية بمدينة بني ملال ابوابه وكان بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

ماذا عن الصعوبات والتحديات التي واجهتك في مسارك؟ وكيف تمكنت من تجاوزها؟

البدايات دائما ما تكون صعبة في كل شيء، ولابد أن نتمسك بالأشياء التي نحب القيام بها، الصعوبات في المجال الفني تجلت أولا كوني لم أتلق تكوينا أكاديميا متخصصا أو بمعنى لم تكن لي طريق واضحة أسلكها. كان التحدي هو إيجاد واكتشاف التقنيات والأساليب التي سأشتغل عليها ثم البحث عن أسلوب فني خاص بعيدا عن التقليد وهذه الرحلة للبحث عن الذات تحتاج الانفراد والتفرغ. هذا ما يُمكن الفنان من الغوص في روحه لإبراز مهاراته و التعبير عن نفسه، وهذا شكل بالنسبة لي تحديا حقيقيا في ظل مجموعة من العراقيل الاجتماعية التي واجهتها في مرحلة من المراحل، ولا شك أن الفنان هو حالة نفسية وعاطفية خاصة ويملك إحساس أقوى من الآخرين، وهو نتاج لتجارب وتكوين سابق في الحياة، بناءً على هذا كانت لغتي في تجاوز التحديات السابقة هي إتباع دوافعي الداخلية ومشاعري وترجمتها في لوحاتي دون أن أفكر في مقارنتها بأعمال أخرى أو تقييدها بمعايير أو قواعد محددة او الاستماع لأراء الأخرين فأعمالي الأخيرة تميزت بأسلوب خاص يعبر عن شخصيتي بدون شوائب.

ما هي أبرز السمات التي تشتغلين عليها في أعمالك الفنية؟

في اعتقادي، إنتاجات الفنانين لا يمكن فصلها عن طبيعة عيشهم والمكان الذي ينتمون إليه ولا عزلها عن القضايا التي تشغلهمفكلها مؤثرات تشكل دوافعهم وتحدد حالاتهم الوجدانية والعاطفية.

نشأت في جبال الأطلس داخل أسرة امازيغية وفي المرحلة الجامعية التحقت بصفوف الحركة الثقافية الأمازيغية وتأثرت بالخطاب الأمازيغي وهذا ما يفسر اختياري لألوان الطبيعة الاطلسية الخضراء الخلابة والحلي وألوان الزربية الأمازيغية وتشكيلاتها المتناغمة، وأهم السمات كذلك شكلها الحرف الأمازيغي “تيفيناغ “الحاضر بقوة في أغلب منجزاتي.

كيف يمكن للرسام بصفة عامة أن يستغل أعماله لخدمة هويته وثقافته؟

لا بد أن لكل فنان قضية تشغله والعمل الفني نتاج لمخزون عاطفي وفكري للفنان لهذا، ولخدمة قضية الهوية والثقافة يشترط أن يكون الفنان أولا مؤمن وشغوفا بهذه القضية. ويمكن للفنان العمل على التراث والتنقيب حول مظاهره ورموزه وتوظيفها في أعماله والاشتغال على أشكال التعبير الثقافي ونظم العيش داخل هذه الثقافة والتركيز على التفرد والخصوصية، هكذا يمكن للفنان أن يلعب دوره في خدمة قضية الهوية والثقافة.

يقال إن الفن التشكيلي يمتاز بعدد من الخصائص والسمات ولعلى أبرزها ما يأتي من الخيال ما تعليقك؟ وهل يمكن اعتبار الرسم مواجهة مع الذات؟

الفنان شخص يملك خيالا واسعا يمكن أن يسافر به الى عوالم أخرى ويحاكي أو يصور أشياء غير موجودة أمامه أو موجودة ويشكلها في قوالب فنية بسمات جديدة. في الشق الثاني من السؤال ذكرت مواجهة الذات، في مواضع الجمال لا يمكن ان نفصل الموضوع الفني وذات الفنان باعتبار الموضوع ليس صورة شخصية أو نموذج مصور فالفن أراه انعكاسا وتعبيرا عن الذات في شتى تمظهراتها وميولاتها ويحمل روح صاحبه ومكنونه الداخلي.

أنت أيضا أستاذة اللغة الأمازيغية كيف تنظرين إلى واقع تدريس الامازيغية؟ وماهي الحلول والسبل الممكنة لتعميمها أفقيا وعموديا في المدرسة العمومية؟

رغم المكتسبات السابقة المحققة في قضية الأمازيغية إلا أن تدريسها ما زال يواجه صعوبات حقيقية، باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد، فمازال مادة اللغة الأمازيغية تعتبر نشاط ترفيهيا أو مادة ثانوية مقارنة بالعربية والفرنسية في المؤسسات التعليمية.

بحكم تجربتي في التداريب الميدانية وتواصلي الدائم مع أصدقائي في مجال تدريس الأمازيغية، فأطر هذه المادة يعانون من مشاكل عدة من بينها اجتهادات مدراء المؤسسات التعليمية في تصريف الحصص المخصصة لهذه المادة في تضارب مع ما جاءت به المناهج والمذكرات الوزارية، إلى جانب الصراعات مع أساتذة المواد الأخرى بسبب غياب القاعات المخصصة للأمازيغية، وتحديات أخرى تخص العدد المحدود لأطر التدريس وتكليفهم بتدريس مواد أخرى الى غيرها من المشاكل.

أما بالنسبة لتعميم تدريس الأمازيغية فليس هناك استراتيجية أو رؤية واضحة لحد الآن. وأعتقد أن الإرادة السياسية الحقيقية هي ما ينقص ملف تعميم الأمازيغية أفقيا وعموديا.

 ماذا يعني لك 08 مارس؟ 

8 مارس هو حدث مهم يحتفل به الكثير من الناس حول العالم لتعزيز دور المرأة في المجتمع والتنويه بإنجازاتها في شتى مجالات الحياة والدعوة الى التفكر فيما وصلت إليه وهذا جيد، لكن لا يجب على المرأة أن تسمح لنفسها أن توضع في خانة الاستثناء باعتبارها الضحية وهذا ما يكرسه الاحتفال باليوم العالمي للمرأة غالبا. المرأة تنتمي لنفسها كونها امرأة فقط بكل ما يميزها، باستقلال عن الرجل ولا يجب ان تقبل المقارنة به أو بشيء آخر هكذا ستكون أكثر شجاعة.

وكيف تنظرين إلى واقع المرأة المغربية بصفة عامة؟ والأمازيغية على وجه الخصوص؟

رغم بعض التطور الذي شهده وضع المرأة في السنين الأخيرة ودورها الفعال في عدة مجالات، فلا يمكن القول ان وضع المرأة قد تحسن، فهي لازالت تعاني من سطوة الثقافة الذكورية في ظاهرة العنف بشتى أنواعه على اختلاف الأوساط الاجتماعية التي تنتمي إليها رغم نقص حدتها في الأوساط المثقفة والمرفهة إضافة الفقر وضعف الخدمات… الخ.

أما المرأة الناطقة بالأمازيغية في الوسط القروي فمعانتها مضاعفة مع قسوة الطبيعة وإقصائها من البرامج التنموية التي تضعها الدولة أو عدم استيعابها لهذه البرامج في أغلب الأحيان. فوضع المرأة رهين بثقافتها وتجاوز النظرة الإحتقارية لها داخل الأوساط الذكورية وهذا لا يمكن ان يتأتى إلا بتظافر الجهود بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في مجال حقوق المرأة في التعليم في الصحة في العدالة الاجتماعية.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

تعليق واحد

  1. ⵜⴰⵏⵎⵎⵢⵔⵜ ⵏⴰⵎ ⵜⴰⵎⵖⵏⴰⵙⵜ ⵎⵢⵏⴰ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *