نظمت الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، السبت المنصرم 21 ابريل2018، ندوة علمية تحت عنوان “العنف في المدينة”، في إطار اليوم الوطني الرابع للفكر السوسيولوجي بمدينة بالرباط.
جاء عنوان الندوة الوطنية، نتيجة لارتباط العنف بكل تعبيراته ومختلف أشكاله بالمجال الحضري، أي أن “التمدنية” القائمة على مبادئ التعايش والتساكن والتجاور، لم تعد اليوم قادرة على مواجهة المد الفرداني بكل حمولاته السوسيولوجية والسيكولوجية والأنتربولوجية كذلك. وعنه استفحلت مظاهر الاعتداء والاغتصاب والتحرش الجنسي والسرقة في المجالات العمومية بالمدن. وهنا يكمن دور المقاربة السوسيو-أنتروبولوجية لظاهرة العنف بالمجال الحضري.
هل العنف خاصية مدينية؟
قال رئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع “محمد المرجان” ، أن للعنف ارتباط بطبيعة المجال، حيث أن المدينة تعبر المجال الخصب لكل أنواع العنف، فطبيعة السكن بالمجالات الحضرية (العمارات، والسكن الذي لايستجيب لاعتبارات الدنيا للسكن…)، إلى جانب المستوى الاقتصادي لساكنة هذه المجالات؛ وهنا أخص بالذكر الفئات الفقيرة. كل هذه العوامل وغيرها تساهم في بروز العنف والعدوانية بالمدينة، وقد أوضح رئيس الجمعية هذا البروز بالأمثلة التالية: العمارات التي تكون أكثر من سبع طوابق، والمدن التي يقطنها أكثر من 200 ألف شخص،يكون سكانها عرضة الاعتداء أو لمواجهة مع شخص آخر، أكثر من 15 بالمئة.
وقف محمد المرجان عند تقارير السلطات المغربية، والتي صنفت ثلاث مدن مغربية هي الأكثر عنفا وأخطرها فيلا البلاد، وفي مقدمتها مدينة فاس، تليها طنجة ثم الدار البيضاء.
وأكد الرئيس على ضرورة كبح العنف لتحقيق التنمية، وهذا الكبح يرتبط بالأساس يتعزيز المؤسسات الشرعية والحكامة الجيدة، بكونها هي الكفيلة بتوفير الأمن والعدالة إلى جانب توفير فرض الشغل للمواطنين والثقة والرضا الشعبي بالمؤسات.
العنف المدرسي بناء إجتماعي
وفي سياق آخر للعنف قال أستاذ التعليم العالي بكلية “علوم التربية” بالرباط “محمد الشهب”، أن العنف المدرسي ليس بالفطري بل هو مكتسب، وعبارة عن بناء إجتماعي يتحد بالقيم السائدة في المجتمع، لذا توجب تحديد سياقته.
والعنف المدرسي في سلوك الأفراد يرتبط بالعوامل المهيمنة، بما فيها العوامل الخارجية (الأسرة، السن، المستوى الاقتصادي…) والداخلية المتعلقة بالمدرسة (مدى انتشار العنف بين التلاميذ، علاقة التلميذ مع المدرس،وعدم وضوح القيم والأدوار وغياب أساليب الضبط…)
بموجب ما ذكر أعلاه من محددات خارجية وداخلية يكون العنف قد وصل إلى أزمة حادة، بمروره بالمراحل الثلاث؛ مرحلة العوامل، مرحلة ما قبل الفعل ثم مرحلة الفعل.
المرأة مجال للعنف والتملك
وربط كاتب الجمعية المغربية لعلم الاجتماع “عمر بعياش”، تعريف المجال ” كل ماهو مرئي”، بجسد المرأة، باعتبارها مجالا للتملك بالفضاء العام والخاص، من طرف الزوج، الأب والأخ والجار والرفيق…
وهذا العنف ضد جسد المرأة لايقتصر على المجال العام ومكان العمل والمنزل، بل يتجاوزه إلى المجالات الرمزية بما فيها الفتاوى الدينية، والنكت، الأمثال الشعبية والفضاء الافتراضي الذي يساهم بدوره في تكريس هذه السلطوية والتملك لجسد المرأة.
وتساءل الباحث السوسيولوجي “عمر بنعياش” إثر رصده للأرقام الصارخة التي كشفت عنها المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية حول العنف الممارس ضد النساء، عن أين يمكن للمرأة أن تجد مجالا للحرية؟ وكيف يمكن تفسير انخفاض نسبة العنف بعض المدن المغربية كالحسيمة والراشدية… بنسبة 70 في المئة، وارتفاعها بمدن أخرى؟
العنف في الجماعة والجماعة أصل الغرابة
جاءت مداخلة المفكر المغربي محمد الدكالي، مستأصلة جذوز العنف كما فصل فيها الفلاسفة المعاصرين، ونقب بدوره عن العنف: ” أصل العنف في الجماعة، وأصل الجماعة الغرابة، وأصل الغرابة الجماعة ذاتها”، وأكد كذلك على ضرورة اهتمام العلوم الاجتماعية بالشروط الاجتماعية التي تحيط بها الغرابة.
وفيما يخص باقي تدخلات الأساتذة الباحثين في العلوم الاجتماعية، منها من تطرق إلى علاقة طبيعة المجال بطبيعة الاحتجاجات ( التمرد والحركات الاجتماعية) “عبد الرحمان رشيق”. وأخرى ركزت على علاقة وسائل الاتصال التقليدية والحديثة بالعنف “خديجة براضي”. أما الباحثة “نادية المهيدي” سافرت بالحضور عبر الزمن، إلى الكاهنة، مرورا النفزاوية والسيدة الحرة، وخربوشة كمحاولة لمقارنة حضور المرأة بالمجال العام بين الماضي والحاضر. وتناول الباحث “الهادي الهروي” الاشكال الكلاسيكي بطريقة مجددة للعنف بين الفطري والمكتسب، ومستدا بفلاسفة العقد الاجتماعي وفرانكفورت وبالمنهج الهيجلي.
أمضال أمازيغ: كريمة وعلي