سوس يحترق…”تشات العفيت”!!

بقلم: عبد الله بوشطارت

أتصور نفسي راكبا على متن تلك الحافلة المحترقة ليلة أمس، أتصور كيف هو شعوري ولهيب النار بدأ يلتهم ثيابي وجسدي، أتصور نفسي داخل ذلك الهلع والعويل وسط النار.

أنت كذلك تصور نفسك أنك وسط تلك النيران، أو والدك أو والدتك أو أبناءك… أو صديقك..

نعم، ممكن أن تكون أنت أو أنا من الذين حرقوا في محرقة على طريق مظلمة بقرب من فوهة امسكرود، لأننا أنت وأنا وانتن وانتم كلكم من سوس ما وراء الأطلس مجبرون إلى السفر والرحيل أو ما يسمونه حاليا بالهجرة، إلى بلاد المغرب النافع الذي صنعته فرنسا ليأكل خيرات المغرب غير النافع، مغرب لا يصلح إلا لأكل ونهب ثرواته، نار حمراء هادئة تأكل سوس منذ زمن بعيد.

رحم الله الشهداء.

سوس يحترق، من أحرقه؟ من أشعل فيه النيران، سوس “تشات العفيت”، النار التي تأكل سوس وأبناء بلاد ما وراء الأطلس، هي النار التي لن تخمدها المياه ولن تطفئها الرياح…

هي نيران النهب المستمر، نهبت أراضي سوس بقوانين الاستعمار، اغتصبت الغابات والسهول….تسرق معادن سوس وسفوحه مناجم الذهب والفضة والكوبالت والنحاس….وكل ما يوجد تحت الأرض. ..مياه سوس لا يشربها أهل سوس، خضره وفواكهه تباع بعيدا ولا تعود إليه عائداتها، هناك تبقى بعيدا داخل أرصدة بنكية في البورصات العالمية…فلاحة عصرية يستغلها إقطاعيون يمتصون مياه سوس ودماءه ويخلقون جفافا وتصحرا يهدد الطبيعة والإنسان والهواء…أبناء تافراوات جوهرة الأطلس الصغير الغني بالذهب والفضة يهربون من الفقر والجوع لضمان العيش في مدن الغرب …وإذا بهم يحرقون على الطريق بسبب حادثة سير…

هذا عنوان المأساة. ..لكي يعيش ابن سوس فرض عليه أن يهاجر…أن يسافر وان يغادر مسقط رأسه. ..يهربون من الموت بسبب التهميش والتفقير …فإذا بهم يحرقون…في سوس النساء يلدن الأطفال ليهربوا ويهاجروا…ليعيلوا عائلاتهم. ..حلم الطفل السوسي هو أن يهرب من دواره إلى حيث يحصل على لقمة عيش في محلبة أو دكان بالمدن الكبرى، وحلم الطفلة هو أن تفوز بعقد قران ينتشلها من دوار في الجبل، إلى حيث لا يهرب عنها أبناءها.

أشد أنواع الموت هو أن تموت حرقا…تأكلك النار وتلتهمك أمام أعينك. ….يا لها من قساوة …فاجعة مؤلمة.

كل خيرات وثروات سوس لا تستطيع تنمية بوادي سوس وخلق مدارس ومعاهد وبنيات ومعامل وفرص ومشاريع…لسبب بسيط لإن كل ثروات وخيرات سوس يتم نهبها وسرقتها ونقلها إلى خارج سوس. …

يا لها من مفارقة…انظروا …سوس بجباله الأطلس الكبير والصغير…بسهوله سوس واشتوكن وازغار وصحراءه وواحاته…بمدنه وبواديه وقراه ومداشره التي تعد بالألف. …كل أبناء هذه المناطق الواسعة والممتدة من مراكش إلى الصحراء….عليهم الهجرة والرحيل إلى مدينة الدار البيضاء لكي يحصلوا على فرصة شغل…باش أصوروا طرف دالخبز…كم تساوي رقعة البيضاء أمام كل ما ذكرناه….لاشيء…

الفرق الوحيد هو أن فرنسا جعلت من البيضاء الميناء الكبير الذي تصدر فيه كل المواد والثروات والخيرات التي تأتي بها من المناطق البعيدة وتعلبها في مصانع ومعامل خلقت لذلك…

وبعد الاستقلال استمرت نفس السياسية بل وتقوت وترسخت، المغرب هو محور البيضاء والرباط والقنيطرة…

هنا في سوس… بغيتي تعيش شد الكار… لكن أن تعيش اليوم في سوس ولا تطرح السؤال التالي… علاش غانشد الكار؟ أتخيلك إما مجنونا أو أحمقا…… هو السؤال الذي سيؤدي بك إلى سؤال آخر… اين ثروات سوس؟ هو المنهاج الذي يجب ان تتبعه:

أولا لتعرف ثروات سوس وخيراته وإمكانياته. ..
وثانيا من يستفيد منها وكيف تخرج من سوس….
وثالثا التفكير جديا كيف الاستفادة من ترواث سوس….

سوس هو المعادن سوس هو الفلاحة، سوس هو البحر، سوس هو الغابات سوس هو الماء سوس هو أركان وعسل وزعفران وجوز و….. سوس هو الإنسان الجدي والنشيط…. هو والتاريخ والثقافة……

ولماذا قدر علينا أن نركب الحافلة …. ونحترق في الطرقات….؟؟؟؟

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *