سياسة المقاطعة والقومية الأمازيغية

رشيد الراخا*

إن فكرة المقاطعة الاقتصادية، في حد ذاتها، سلاح سلمي قوي في يد الطبقة المستضعفة لمواجهة مستغليها من ذوي السلطة والنفوذ، حيث تنبني المقاطعة على مبدأ التوقف الطوعي لشعب، أو جماعة من الناس، عن استخدام أو شراء أو التعامل مع سلعة أو خدمة لجهة ما، كشركة أو دولة تسيء أو تلحق الضرر بهم أو بغيرهم، كشكل من أشكال الاحتجاج والمعارضة.

ولطالما استعمل هذا السلاح من طرف أحزاب عروبية إسلامية ويسارية، سواء في شمال إفريقيا أو في العالم الإسلامي ككل، في مقاطعة بعض المنتوجات الإسرائيلية والأمريكية من أجل الضغط على هذه الدول وإضعاف اقتصاداتها، نصرة للقضية الفلسطينية، وفي كثير من الأحيان كانت هذه العملية ناجحة، وغالبا ما كانت تؤتي ثمارها، خاصة في البلدان التي يتشبع سكانها بالفكر القومي، فتأدي حملات المقاطعة إلى تراجع صادرات الدول المستهدفة.

وسواء كان لحملات المقاطعة هذه أثر كبير على اقتصادات البلدان و/أو الشركات المستهدفة أم لا، وذلك راجع لدرجة التشبع بالفكر القومي ومستوى التعبئة والتوعية بأهمية المقاطعة، فإنها تساهم بشكل كبير في بناء وحدة الشعب وتقوية أواصره على أساس قومي متين، بهدف حماية مصالحه والدفاع عنها.

وبالتالي فإن عملية المقاطعة تنبني على أساس مصالح الشعب أولا وأخيرا، إذ لا يمكن للمغاربة مثلا مقاطعة المنتوجات الفرنسية أو الأمريكية، بينما تقف هذه الدول إلى جانب المغرب في قضية الصحراء، كما تجمعه مصالح اقتصادية كبيرة بالاتحاد الأوروبي الذي تشكل دوله فرنسا وإسبانبا أكبر نسب الاستثمارات الخارجية بالمغرب، كما أن أزيد من خمسة ملايين مغربي يعيشون في أوروبا.

ولكن هذا لا يعني أن مقاطعة هذه الدول غير واردة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح الشعب الأمازيغي، ولا بأس بالتذكير هنا بالحملة التي أطلقناها ضد المنتجات الفرنسية سنة 2013 على إثر تدخل فرنسا العسكري في منطقة الصحراء ضدا على مصلحة شعب الطوارق الأمازيغي في تأسيس دولته المستقلة “أزواد” (شمال مالي)، وذلك تحت ذريعة مواجهة الإرهاب.

كما دعونا مؤخرا في بيان تضامني مع إخواننا الكورد، إلى مقاطعة المنتوجات التركية، وذلك نظرا للجرائم التي ترتكبها الدولة التركية بمنطقة عفرين، التي يقطنها الكورد، شمال سوريا، ومساهمتها إلى جانب قطر في دعم الإرهاب والتدخل في السياسة الداخلية للدولة الليبية، وكذا محاصرة الاقتصاد التونسي بعد انفتاحه على الشركات التركية في مرحلة ما بعد ثورة “الياسمين”.

ومصلحة الشعب الأمازيغي في مقاطعة الشركات التركية كبيرة، خاصة على مستوى المغرب الذي بات سوقه يعرف غزوا منقطع النظير للشركات التركية في مختلف المجالات، منذ صعود حزب “العدالة والتنمية” في 2011، فأصبحت اليوم معامل النسيج الوطنية مهددة بالإفلاس بعد اكتساح الملابس التركية للأسواق المغربية، وكذلك الشأن بالنسبة للبقالة الصغار في مختلف المدن المغربية، الذين ضاقوا ذرعا بأسواق “بيم” الممتازة التي عمت كل الأحياء.

ومصلحة الشعب الأمازيغي كذلك في دعم اقتصاد أبنائه من تجار وبقالة صغار إلى شركات وطنية كبرى تستثمر في مختلف المجالات، وذلك عن طريق استهلاك منتجاتها التي تتميز بجودتها وتميزها عن غيرها من المنتجات، وإعطاء الأولوية للشركات التي تدعم الأمازيغية وتكتب بها في منتوجاتها، كما تشغل الآلاف من اليد العاملة الأمازيغية.

وهنا يكمن سر نجاح رجال الأعمال والبورجوازية الأمازيغية، الذين يقومون بتشغيل عمال ينتمون إلى نفس المناطق التي يتحدرون منها، فيقومون معا (عمال ورأسماليين) ببناء شركات قوية تنبني على الثقة والمصالح المشتركة، بعيدا عن الصراعات الحزبية والنقابية، ما أدى إلى بروز هذه البورجوازية الأمازيغية، التي أصبحت في ظرف وجيز تشكل القلب النابض للاقتصاد الوطني في مختلف المجالات.

ومن بين المنتجات التي تستحق دعمنا لها، من منظور قومي أمازيغي، حليب شركة “جودة” التي تقوم بتشغيل العديد من العمال والفلاحين بمنطقة تارودانت، منتجات “كتبية”، زيت الزيتون “واد سوس”، حلويات “بيبان”، مصبرات “جولي”، مركز الطماطم “دليسيا”، وكذالك منتجات تعاونيات زيت أركان وأملو والكسكس التي تشغل العديد من النساء بسوس، إضافة إلى قهوة “أسطا”، صباغات “أطلس”، وشركة “أنجليك” لمنجات مواد البناء، وبالنسبة للمياه المعدنية نجد شركات “سيدي علي”، “أمان”، “الريف”، “الشاون”، “عين إفران”، و”عين سلطان”.

ولفهم هذه العلاقة القوية بين الاقتصاد والقومية الأمازيغية، نأخذ مثالين عن قطاعي الاتصالات والأبناك، فإذا أخذنا، من منظور المصالح المتبادلة، شركة “اتصالات المغرب” على سبيل المثال نجد أنها هي الأكثر استخداما للغة الأمازيغية في منتوجاتها، على خلاف الشركات الأخرى التي لا تعير الأمازيغية أي اهتمام، وكذلك الأمر بالنسبة للبنك المغربي للتجارة الخارجية، الذي يستعمل اللغة الأمازيغية في جميع بياناته وبلاغاته وإصداراته السنوية، ويقوم بدعم تدريسها في المدارس التابعة له “مدرسة.كم”، كما تقوم الشركتين بدعم الصحافة الأمازيغية من خلال عروض الإشهار.

إلا أن الملاحظ  على إمازيغن، باستثناء أمازيغ ليبيا، هو غياب ذلك الحس القومي الأمازيغي التضامني، القائم على نظرية ابن خلدون المتمثلة في “العصبية”، والتي ساهمت خلال القرون الوسطى في بناء إمبراطوريات استطاعت توحيد مختلف أقطار شمال إفريقيا، ومعها جزء من الجزيرة الإبيرية، ويتعلق الأمر بإمبراطوريتي المرابطين والموحدين وغيرهم.

ويتجلى غياب الحس القومي عند إمازيغن، جليا، في هذا التراجع الخطير الذي عرفته الصحافة الأمازيغية، التي فقدت منذ 2001 حوالي 18 جريدة أمازيغية. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن تتعزز هذه الصحافة الأمازيغية، ويتضاعف عدد عناوينها، نجد أنها تتعرض للتضييق الاقتصادي وحرمانها من الإشهار، حتى من طرف الشركات التي يملكها رجال أعمال أمازيغيين.

ويتجلى ذلك أيضا من خلال تراجع مجموعة من المكتسبات الأمازيغية التي تحققت على مستوى التعليم والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أمام صمت مريب لكثير ممن يدعون انتماءهم لصفوف الحركة الأمازيغية، لكنهم في حقيقة الأمر ينتمون في، السر والعلن، لأحزاب عروبية لا هم لها سوى إقبار الأمازيغية والأمازيغ.

نفس هؤلاء المناضلين الأمازيغ، تجدهم يسقطون في حرب سياسية لا ناقة لهم فيها ولاجمل، بانخراطهم في مقاطعة منتجات بعض الشركات الوطنية، التي تساهم تشغيل عدد كبير من المغاربة، حيث أن الغرض من هذه المقاطعة ليس هو غلاء الأسعار، وإلا فلماذا تم التركيز على منتجات شركات “إفريقيا” و”والماس” و”سنطرال”، دون غيرها من الشركات التي تستثمر في نفس المجال.

إن هذه المقاطعة التي تشنها كتائب حزب العدالة والتنمية وتدعمها “الأصالة والمعاصرة” هي حرب سياسية على رجال أعمال يستثمرون أموالهم داخل الوطن بدلا من تهريبها إلى الخارج، وبالتالي فمصلحتنا كشعب أمازيغي تقتضي دعم هؤلاء المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار داخل بلدهم، بدلا من شن حملات عليهم، إذ لا يمكننا كحركة أمازيغية الاستمرار في الدفاع عن قضيتنا دون مساندة البرجوازية الأمازيغية.

*رئيس التجمع العالمي الأمازيغي

وفي ما يلي رابط المحاضرة التي ألقاها الأستاذ رشيد الراخا يوم 28 أبريل 2018، مباشرة

 

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *