لا يختلف إثنان أن دولة السُودان وحتى ماقبل إنفصال الجنوب هي دولة متنوعة ومتعددة ( إثنياً وثقافياً ودينياً ولغوياً ) ، توجد بها أغلبية مُسلمة صحيح ، ومكونات يُطلق عليها فرضاً ( مجموعات عربية) وقد تنحدر أصولها منهم ، ولكن حتى إذا سلّمنا بذلك فهي لاتعطيهم الحق بصبغ كامل الدولة وإطلاق ( دولة السُودان العربية ، أو الإسلامية ) عليها ، كما أنه و بذات القدر مع بقية المكونات الأخرى من أقصي الشرق إلى الغرب إلى الجنوب مروراً بالوسط ، لايُمكن أن يتم دمغ الدولة بكاملها بأنها نوبية أو بيجاوية أو فوراوية أو زغاوية أو أفريقانية وهكذا ، هذا شئ طبيعي غفل عنه وأخطأ الذين تسلموا زُمام امر البلاد مابعد إستقلالها من أسلافنا في التوصل له وإعلانه و بكُل بساطة ، وكان قد وفر ذلك على البلاد الكثير من الدماء و الخراب الذي حدث لها ، وزاد بسبب ذلك تراكم الغُبن والضغائن في نفوس الكثيرين جداً من الذين أحسوا وشعروا بأنهم أغراب في بلادهم ومواطنين من الدرجات الدنيا فيها ، هذا الأمر كانت ولاتزال له خطورته البالغة علي السُودان كدولة وقُطر ، وفي تقديري هذا هو السبب الرئيسي في كُل الحروب التي نتجت ولاتزال تدور ، لأنها أعطت المُبرر بأن يزهق السُوداني دم أخيه السُوداني وبكل برود بل وبتلذذ وفخر ، وهذا قمة الإنحطاط والتدني الأخلاقي والإنساني ، وكان هذا أيضاً نتيجة مُباشرة لسيادة وسيطرة خطاب الكراهية الذي تم الإشتغال عليه ولسنوات عديدة خاصة في عهد نظام الإسلاميين و “الكيزان” ، وتلك كانت الحقبة التي إنتشرت فيها الحروب على أساس الدين والعرق والهوية ، ولأنها كانت مقصودة ومُخطط له وتعتبر سياسة دولة وليست مُجرد صدفة أو حوادث فردية.
وحتى فصل الجنوب لم يكن له أن يتم إن لم يكن ذلك محاولة للإبقاء على نمط الدولة القديم ( أُحادية الهوية والثقافة ) وفرضه على بقية مكونات ذات الدولة وهم أصحاب حق أصيّل فيها بالتاريخ والجُغرافيا ، ومع قدم كُل تلك الشعوب التي عاشت فيه تاريخياً ومُضافاً إليها الهجرات التي تمت كونت هذا المزيج ومنذ عدة قرون تعاقبت عليه حتى وصلنا إلى حدود كُل السُودان الحالي التي عُرفت بإسمه وأستقلّ السُودان من الإستعمار الإنجليزي عليها.
هنالك حقائق من المهم الإعتراف بها وهي:
1-السُودان ليست دولة ذات هوية واحدة
2-السُودان بلد وقُطر مُتعدد ومتنوع دينياً وثقافياً وإثنياً ولغوياً
3-السُودان عاشت به تاريخياً شعوب أصيلة ومجموعات أخرى مُهاجرة وكونوا معاً السُودان مابعد الإستقلال
4-فشل من تولوا زُمام الأمور فيه مابعد أستقلاله في التعامل الصحيح لإدارته وفق تعدده وتنوعه هذا وهو أمر لم يكُن صعباً وقد كان ميسوراً
5-كُل الحروب التي نتجت فيه كانت نتيجة لإختلال معايير حُسن إدارة تنوعه والتي ظللنا نعاني منها حتى اللحظة ، والتي تمظهرت في الظُلم وتراكمه وتعميّق الفوارق مابين جميع مواطنيه ، لصالح مجموعات سُكانية مُحددة ومناطق هي من إستأثرت بالسُلطة والتنمية و الثروة والتعليم والصحة وكافة الخدمات
النتيجة المُباشرة لكل ماسبق وفي الطريق إلى حلول عملية وإيقاف مسيرة كُل الفشل السابق و إنهاء الحروب أو عدم إعطاء أي مُبررات تقود إليها ، يبدأ بالتصحيح الشُجاع لها من الجميع ، وخاصة من بنات وأبناء المناطق والمجموعات العرقية والسُكانية والدينية التي ظفرت بالسيطرة علي السُلطة والثروة والتنمية ، والإستيثار والتمتع بكافة الخدمات مُقارنةً بالآخرين معهم في ذات الدولة ( السُودان ) ، مع التسليم الكامل بأن تلك المجموعات ومع تعاقب الأجيال وصولاً لأجيال الثورة لم يكن لهم تاريخياً أي دور مُباشر أو ذنب في وصول البلاد لهذا المُستنقع من الصراع والحروب والتقسيّمات على أساس الدين والعرق والهوية واللغة.
أهمّ ما يُمكن أن نفعله كي نوقف مسيرة الخراب والصراع التي إستمرت بعمر السُودان الحديث على الأقل ولقرابة السبعين سنة منذ إعلان إستقلال الدولة هو مُحاصرة و وقف خطاب الكراهية الذي إن أستمرّ فلن تتوقف الحروب والصراعات والإقتتال حتى وإن تم تعديل الدستور وعلى الوجه الصحيح والأكمل وتم منح الجميع كافة حقوق المواطنة في دولتنا جميعاً ( السُودان ) ، فأكبر خطر ومُهدد حقيقي لدولتنا في تقديري وهو الذي يُضعفها وينميه ويُغذيه ويشعله أعداءها وأعداء شعوبها ومن الداخل والخارج هو سيطرة وإنتشار وتفشي الكراهية وخطابها داخل مُجتمعاتنا وبئياتنا وكافة أنحاء بلادنا ، وهو معوق حقيقي لأي بناء للثقة بين كافة مكوناتنا ، ومعوق بالتالي إلى أي حوار بيننا كسُودانيين يقود إلى تصحيح جميع الأخطاء التاريخية فيه وإلى رمي صفحات الماضي والنظر للمُستقبل.
خطاب الكراهية الآن وفي كُل العالم الحديث والمُتطور و خاصة البلدان الديمُقراطية فيه ، يُعتبر من الجرائم التي لا مُسامحة فيها وتستحق العقوبات ، ولن ينصلح حالنا إلا بتبني إتجاه لايخدم أعداءنا بنشر خطاب الكراهية وتعميّقه ، وللأسف الشديد ومع التقدم التكنولجي أصبحت هنالك من الوسائل التي تُزيد في نشره والتأسيس له ، ومنه تنطلق كُل الدعاوي العُنصرية والإنفصالية والتقسيّمية ، ويتم إستخدام مُفردات الكراهية حتى في لغة الخطاب السياسِي ، وكذلك في الخطابات العادية بيننا كسُودانيّن ، وهذا الواقع من الضروري جداً العمل الجاد على تغييره ومُجاهبته وبكُل قوة وعدم إستسهاله ، والسيطرة عليه.
وهنالك خطوات عملية في هذا الإتجاه:
1-عدم السماح بتمرير أي خطاب كراهية من أي فرد أو مكون إجتماعي أو سياسِي وإيقافه وعدم نشره
2-ضبط لغة الخطاب بين جميع السُودانيين خاصة في دوائر الوعي وحتى في وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام والقنوات الرسمية التي تزيد فيها رقعة خطاب الكراهية
3-التصدي لخطاب الكراهية من كافة القوي السياسِية والثورية والديمُقراطية ومُحاربته ، فالقيادة السليمة عليها الدور الأكبر في هذا
4-كُل الإدارات والزعامات الأهلية والقبلية يقع عليها أيضاً لعب أدوار عظيّمة لوقف كافة أشكال الخطاب العنصري وخطاب الكراهية داخل مُجتمعاتها
5-العمل المُخلص والمُستمر من كُل من يستشعر المسؤلية في بلادنا في مُحاصرة خطابات الكراهية وضرورة التوعية المُباشرة والمُستمرة بذلك
أخيراً:
فإن الإيمان بأهمية خلق واقع جديد للسُودان والسُودانيين يُساعدنا جميعاً في تصحيح كُل أخطاء الماضي يحتاج إلى إعادة بناء الثقة بيننا كسُودانيين أولاً ، وهذا يتطلب النظر للمُستقبل وعدم الإنحصار والإنكفاء والتقوقع في الماضي بكُل سؤاته وإخفاقاته ، وبتحمل المسؤلية الجماعية في التغيير نحو الأفضل لبلادنا وفي وقف وإنهاء كافة الصراعات والحروب وعدم تمكين الأجنبي من بلادنا ولا تمكين أعداء التغيير المعروفين والذين هم أكثر من ينشرون خطابات الكراهية والعُنصرية في بلادنا ، ولنتفآل جميعنا بمستقبل أفضل للسُودان يعمل له الجميع بكُل تصميّم وإرادة ومسؤلية.