يعد الكاتب محمد أكوناض أحد أبرز الأسماء في الأدب المغربي الأمازيغي المعاصر، وهو شخصية متعددة المواهب جمعت بين الكتابة الروائية، الشعرية، والترجمة، بدأ مسيرته الأدبية في أوائل الثمانينات، حيث سعى إلى إدخال الأدب الأمازيغي في أفق العالمية من خلال ترجمته لأعمال أدبية عالمية بارزة، مثل “الحمار الذهبي” لأبوليوس وغيره. الكاتب الكبير محمد أكوناض لم يكن مجرد كاتب يعبر عن قضايا لغته وثقافته، بل كان جسرًا بين الثقافات، يخلق مساحة للحوار بين المحلية والعالمية.
من بين أبرز أعماله الروائية “تواركيت د ئيميك” (2004)، “إيجيكن ن تيدي” (2006)، و”تامورت ن ئلفاون” (2012)، حيث تميزت كتاباته بالتعبير عن التغيرات الاجتماعية، السياسية، والوجودية في سياق الحياة الأمازيغية. كما أن دوره كمترجم أثرى الأدب الأمازيغي، وجعل منه فضاءً للتواصل مع الأدب العالمي.
في عام 2019، قرر محمد أكوناض توجيه اهتمامه نحو الشعر، حيث أصدر ديوانه “تامغرا ن ؤوكَاني ⵜⴰⵎⵖⵔⴰ ⵏ ⵓⴳⴰⵏⵉ” (عرس الانتظار)، في تحول فني ونوعي لافت، حيث يمثل تجربة شعرية وفنية تفاعلت فيها الأبعاد النصية والبصرية لتقديم رؤية شاملة تدمج بين اللغة والفن البصري. العنوان والغلاف يحملان أبعادًا سيميائية ثرية تجعل منهما نصين منفصلين ومتكاملين في الوقت ذاته، حيث يقدمان مفاتيح تأويلية لفهم النصوص الشعرية والدخول إلى عوالمها الرمزية.
سيميائية العنوان: قراءة الدلالات الرمزية
يحمل عنوان “عرس الانتظار ” مستويات متعددة من الدلالة تتراوح بين الظاهر والباطن، وتستند إلى ثنائية التناقض بين “تامغرا” (العرس) و”أكَاني” (الانتظار).
“العرس ⵜⴰⵎⵖⵔⴰ” كرمز للفرح الجماعي:
في الثقافة الأمازيغية، العرس ليس مجرد احتفال، بل هو لحظة ذروة اجتماعية وثقافية تعبر عن الوحدة، الفرح، والاكتمال، لكن في سياق الديوان، هذا الفرح لا يتحقق، بل يتحول إلى حالة مؤجلة، المصطلح هنا يصبح رمزًا للحلم والأمل المتعذر تحقيقه.
“الانتظار ⴰⴳⴰⵏⵉ ” كتمثيل للزمن المعلق:
الانتظار في هذا السياق ليس مجرد حالة زمنية عابرة، بل هو تجربة وجودية تمثل التوتر بين الماضي والمستقبل، بين الرغبة والواقع، كلمة “الانتظار ” تأخذ بعدًا فلسفيًا يعكس حالة من الحيرة والصراع الداخلي، حيث يصبح الانتظار مسرحًا لألم الإنسان وأمله.
الثنائية المتناقضة بين الكلمتين:
الجمع بين “العرس” و “الانتظار” يخلق توترًا سيميائيًا،العرس عادةً يعني البداية والفرح، بينما الانتظار يحمل دلالات الإحباط والتأجيل، هذا التناقض يمثل جدلية الحياة: بين الحلم المؤجل والحقيقة الصعبة، بين الحركة والجمود.
سيميائية الغلاف: قراءة بصرية تأويلية
الغلاف، من تصميم الفنان محمد اهضان، يشكل نصًا بصريًا قائمًا بذاته، حيث يستخدم الألوان والتصميم الهندسي للتعبير عن الحالات النفسية والوجودية المرتبطة بالديوان.
اللون الأسود: رمز العمق والغموض
اللون الأسود المهيمن على الغلاف يعكس حالة الترقب والانتظار التي تغلف النصوص الشعرية. الأسود هنا ليس لونًا عاديًا، بل مساحة مفتوحة على التأويل، تعبر عن الغموض، القلق، والثقل النفسي الذي يعيشه الإنسان في لحظات الانتظار.
الألوان والرموز كرموز للأمل المضطرب.
يتداخل الأسود مع ألوان أخرى مشرقة، فالرموز التي تتوزع على الغلاف، بما في ذلك “تازرزيت” ⵜⴰⵥⵕⵥⵉⵜ الذي يرمز للزينة والاحتفال في الثقافة الأمازيغية، تُضاف لتقديم بعد ثقافي مرتبط بالهوية الأمازيغية التي تتداخل مع الأمل المشترك، وتظل تشير إلى أن الفرح المنتظر هو حلم بعيد، مؤجل بحكم الواقع. كما تتداخل الحروف الأمازيغية بشكل مدروس ضمن هذه التشكيلة، مما يضيف عمقًا فكريًا وروحيًا للعمل، ويُبرز هوية الثقافة الأمازيغية بشكل بديع. الحروف لا تشكل مجرد جزء من النصوص الشعرية، بل تصبح جزءًا من المشهد الفني الذي يتحدث عن الذات والوجود.
هذا التداخل يشير إلى صراع داخلي بين اليأس والأمل، حيث تعكس الألوان المشرقة تطلعات الإنسان للخروج من دائرة الألم، لكنها تبقى محاصرة بسطوة الأسود.
التصميم السريالي: تشظي الرؤية الوجودية.
الغلاف يتسم بتصميم سريالي بأشكال هندسية متداخلة وخطوط حادة، تعبر عن التشظي النفسي والاضطراب الذي يعيشه الإنسان في رحلته مع الزمن، هذه الأشكال تعمل كرموز تعكس تعدد الرؤى والمشاعر التي يتناولها الديوان، حيث يتحول الغلاف إلى تمثيل بصري للصراع بين الكمال المتخيل والحقيقة المبعثرة.
التفاعل بين العنوان والغلاف: وحدة دلالية متكاملة
العنوان والغلاف في ديوان “عرس الانتظار ⵜⴰⵎⵖⵔⴰ ⵏ ⵓⴳⴰⵏⵉ” يشكلان وحدة سيميائية تفاعلية تدعو القارئ إلى قراءة النصوص الشعرية من منظورين متكاملين:
- البعد اللغوي الذي يستند إلى جدلية الأمل واليأس.
- البعد البصري الذي يعكس الحالة الشعورية والمعاناة الداخلية المرتبطة بالانتظار.
هذا التفاعل يخلق تجربة متعددة الطبقات، حيث يتحول العنوان إلى مفتاح تأويلي لفهم النصوص، بينما يقدم الغلاف فضاءً بصريًا يُثري القراءة بتأويلات جديدة.
رؤية وجودية عميقة.
العنوان والغلاف يعكسان رؤية وجودية تعبر عن صراع الإنسان مع الزمن، حيث يصبح الانتظار حالة رمزية للوجود الإنساني في مواجهة الأحلام المؤجلة والواقع المليء بالعراقيل والحواجز المادية أحيانا أو الوهمية والنفسية في الكثير من الاحيان، الأسود والألوان المتداخلة على الغلاف، إلى جانب ثنائية العنوان، يدعوان القارئ إلى التفكير في معاني الزمن، الألم، والرغبة في تحقيق الذات.
بهذا، يصبح ديوان “عرس الانتظار ⵜⴰⵎⵖⵔⴰ ⵏ ⵓⴳⴰⵏⵉ” ليس فقط نصًا شعريا، بل تجربة تأملية وفلسفية تُعيد صياغة العلاقة بين الكلمة والصورة، بين النص والبصر، بين الحلم والواقع.
مليكة بوطالب