شتان بين مواسم العودة الجماعية المناسباتية والصيفية، وفترة الهجرة الشتوية الإضطرارية من أعالي جبال الأطلس نحو الحواضر.
عالمان يفصل بينهما التمتع بالأنس الصيفي والشعور بالوحدة الشتوية، فترة تزدهر ما تبقى من النبات وأخرى تفقد فيها الطبيعة ألوانها، ولو أنه لم يعد هناك ما يخضر لكي يصفر. مرحلة تحن فيها النفوس بصلة الرحم، ومرحلة تكاد تجف فيها العلاقات، فصل تجود فيها الأيادي بالإكراميات مع الموائد بالولائم، السخاء الصيفي، وفصل تقتات الساكنة على إقتصاد النذرة. وقت مرح والأهازيج والمهرجانات والتهافت على منصات أحواش، وليالي قرح الصقيع نعيش فيها على ذكريات أطلال المواسم ونتذكر مرور عابر لنشوة.
حين تنزل الرتابة بثقلها، وتكاد تقف عقارب الساعة عن الدوران، تستأنس الساكنة بسكون الطبيعة الذي يحاكي صمت القبور، ويتحكم الفراغ القاتل في إيقاعات ونبض حركيات المكان؛ يضطر غالبية الساكنة مغادرة الأمكنة في إنتظار لطف المناخ، ومناسبة افضل للعودة وإطلالة قصيرة.
لم نعد نشهد بجبال الأطلس الصغير سوى فصلين في السنة، لا تضبطهما تغيرات المناخ فقط بين الصيف والشتاء، الحرارة والبرد، بل تقلبات التواجد البشري والهجرة الإضطرارية لشباب تمازيرت بحثا عن مستقبل أفضل
الإنسان وليد طبيعته ونتيجة تكوين محيطه. الطبيعة قاسية قساوة أحجار كرانيت تفراوت، فلا عجب إن إستمد منها بعض الساكنة قسط من قساوة الطباع. الجبال شامخة فلا عجب إن ظلت قيم المقيمين عالية. لكل الجبال قدسية وطهارة، تفرض وقار على الزوار. فلولا خلوتها لما نزل فيها الوحي، وتسلقها موسى تقربا لله، وإعتكف فيها الناسك، وجعلها البودي موقعا للتأمل، ولجأ إليها الأمازيغ الأولون دفاعا على الهوية وحفاظا على روح الإنتماء.
اليوم جبال الأطلس ملجأ من لا خيار له، من تشبت بروح الإنتماء للأرض، من قاوم الإغراءات وحافظ على ماء الوجه، من إكتسب قوة المقاومة والتحمل وحافظ على القيم الإنسانية العفوية، من هزته أزمنة وجرب غدر الزمان، ومن تمرن على العيش على النذرة. بإختصار، من عاشر أهالي الجبال، يعلم أن القرى تأوي ما تبقى فينا من إنسانيتنا، وتمتحن الساكنة قدرة المحضوضين منا على الإلتفاتة للأهل، والمسؤولين على الوفاء بالوعود الإنتخابية للتخفيف من الصعاب والتحديات، وخاصة للنساء المجتهدات وسط مناخ قاس وحقول لم تعد تنتج، ولسواعد شباب تنقصهم فرص الشغل. جفاء الشتاء تجربة سنوية لتقوية دفئ العلاقات بين الحضري والبدوي، لأن وقع حرارة العلاقات لا تقاس في الصيف الدافئ بطبعه.
تمازيرت ليست ملاهي صيفية للمتعة والفرجة، أدرار موقع جغرافي هبة إلاهية وهوية وطنية تلزمنا جميعا النظر في دعم الساكنة وتنشيط المكان بمبادرات شتوية تنموية وإلتفاتات إنسانية وزيارات تضامنية وأنشطة جمعوية ليستحق معها الزوار والعائدون الفرجة الصيفية المناسباتية.
لكل قاطني الجبال نقدم لكم تقديرنا لصبركم الجميل، وإعترافنا بعزة النفس، وقوة الشأن.
في إنتظار إلتفاتة دافئة تجمعنا.