تناول رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء وبنات منطقة تافروات، شريطا مصورا يوثق للزيارة التاريخية التي حظيت بها تافراوت من طرف السلطان محمد الخامس سنة 1959، تقديرا وعرفانا بأدوار المقاومة وجيش التحرير الذي قاده القائد الحاج أحمد ابن الشيخ “أوكدورت” بشجاعة والتصدي ببسالة للمستعمر وتكبيده خسائر في الأرواح والعتاد، ولم يتراجع عن قناعته النضالية والممانعة المناهضة للاستعمار رغم كل ما تعرض له من الاعتقالات والمطاردات حتى نال المغرب استقلاله وتم تعيينه قائدا على تافراوت ونواحيها منذ الاستقلال سنة 1956 الى سنة 1963.
واستقبل المغفور له السلطان محمد الخامس خلال زيارته التاريخية، والتي كانت مناسبة دشن من خلالها “فندق اللوز” من طرف المقاوم والقائد الحاج حماد ابن الشيخ “أكدورت” بمعية شخصيات سياسية واقتصادية وثقافية ورجال المقاومة وجيش التحرير، استقبال منقطع النظير. وأثنى جلالته حينها الثناء الكثير على الحاج “حماد” بسبب التضحيات الجسام التي بذلها ونضاله وكفاحه المستميت من أجل الحرية والاستقلال والتخلص من المستعمر.
ونقل عن الراحل أمغار الحاج عبد الله بن صالح قوله “إن الحاج حماد أكدورت عبقري من العباقرة الذين اختاروا القيادة لغاية الإصلاح وخدمة المجتمع، وكان له الاختيار بين وظيفة أعلى مرتبة وبين القيادة، فاختار هذه الأخيرة وبتعيين من صاحب الجلالة محمد الخامس، أولا لكونه ينتمي لقبيلة جزولة، وثانيا ليفي بقسمه، إذ أقسم للحاكم العسكري “دوشارج” وهو سجين عنده بمركز تافراوت وقال: “ليكن في علمك أنه سيأتي يوم وسأجلس فيه على هذا الكرسي الذي أنت جالس عليه”. وهذا ما حدث بالفعل.
وذكرت مجموعة من المصادر بأن أول مسدس انطلقت منه المقاومة المغربية تم شراؤه من مال الحاج أحمد أوگدورت بمدينة الرباط، ولكونه من تجار الرباط المشهورين فإليه يعود الفضل في شراء وإحضار الأسلحة.
وكتب عبد الرحمان عبد الله الصنهاجي في مذكراته “تاريخ المقاومة وجيش التحرير المغربي” (ص122) “ ألقى القبض على أفراد جماعة أخرى تابعة لمجموعة وادي أيكم. ومن بينهم آيت القول الحاج الحسين، والحاج أحمد أوكدورت، ومحمد الخنبوبي وكلهم من إقليم أكادير”.
وحول اختيار الحاج أحمد أوگدورت القيادة وبتعيين من جلالة الملك محمد الخامس قال الأستاذ محمد الوديع الأسفي في كتابه “منطقة أيت باعمران” (ص94): “فقد استطاع مسؤولو المقاومة وجيش التحرير آنذاك أن يحصلوا على موافقة المسؤولين من أجل توظيف الكثير ممن تقدموا بترشيحاتهم للأهداف المذكورة، وبالفعل لم يمض إلا أيام قلائل حتى يعين الأفراد المشار إليهم قوادا على القبائل المحيطة بالمنطقة المناضلة ويديرونها بإخلاص وتفان، ويسهرون على مصالحها بصدق وإخلاص وتضحية.
و “في الفترة الانتقالية وصل الحاج أحمد أوگدورت إلى تافراوت في حفل بهيج، واستقبال منقطع النظير، وأول برنامج أعلنه في مكتبه، هو إجبارية التعليم، فأصلح المدرسة الإسلامية بتافراوت، وأمدها بالمعلمين الأكفاء، ووقف على التعليم بها، كما وقف بنفسه على التمدرس، والمراقبة الدائمة في كل ما يتعلق بشؤون التلميذ من أدوات إلى المطعم المدرسي، وجعل الخيرية مأوى للقاطنين بعيدا عن تافراوت، وأنشأ أقسام أخرى كفروع في العديد من القرى في الدائرة، وفرض التعليم على الفتاة التي كانت محرومة من المدرسة قبل الاستقلال، ونظم حملات توعية في إطار إجبار الجميع للانخراط في دروس محاربة الأمية، ومازلت أتذكر أن “م.ح” ذهب إليه إلى المركز لسحب كناش الحالة المدنية، وعند التسليم أمره بالتوقيع فاعتذر كونه لا يتقن كتابة اسمه، فكان جواب الحاج أحمد أوگدورت رحمه الله: لن أسلمك كناش الحالة المدنية حتى تتعلم كتابة اسمك، وسلم له محفظة بها تلاوة وكتب وأقلام، فانصرف ذلك الشيخ إلى أن تعلم وحفظ الحروف الأبجدية وداوم القراءة والكتابة لمدة شهر، فلما تمكن من التغلب على أميته، امتحنه قبل أن يسلم له كناش الحالة المدنية”. حسب ما كتبه الأستاذ حمزة عبد الله قاسم رحمه الله منشور بجريدة رسالة الأمة عدد 7068 بتاريخ 13 أكتوبر 2005.
ومن جانب آخر، يورد ذات المصدر “كان يوجه النساء نحو التعلم في إطار الصناعة التقليدية من صنع الزرابي إلى الحلي والزخرفة واستطاع خلق مؤسسات اجتماعية تربوية رغم النقائص المتفشية بتافراوت خصوصا في مجال المرأة، وامتدت ثورته على الأوضاع إلى إعلان كل أسبوع بواسطة “البراح” ضرورة إرسال أبنائهم إلى المدرسة، واستجاب الكثير منهم لدعوته، وتوافد على مدرسة تافراوت العديد من الراغبين في التمدرس سواء من أملن، وأمانوز، وتسريرت، وأيت ؤسيم، وتاهالا، وبلغت هذه الحملة أقصى القبائل مثل ئداوسملال وأنزي، وإمجاض ونواحي تزنيت.”
ولم “يقتصر الحاج أحمد أوگدورت على التعليم وحده، بل اسس بجوار “لمدرست العتيقة بتافراوت” خزانة عمومية للكتب تعتبر مفخرة جبال جزولة من حيث ما تتوفر عليها من كتب ومراجع مهمة، وسبق ان اطلعت في هذه الخزانة على أصناف من المخطوطات الأمازيغية المكتوبة بخط الأستاذ سيدي علي من دوار “أمسنات” ومختلف الوثائق النادرة من صور وكتب المختار السوسي في أول عهدها، وكانت نشرة تصدر بتافراوت تعنى بأنشطة المجلس القروي، ومن هذه المكتبة سجلت تعزية المغفور له محمد الخامس بعد وفاته سنة 1961.”
وأضاف المرحوم حمزة عبد الله قاسم “كان الحاج الحاج أحمد الكدورتي لا يصادف طفلا في طريقه إلى المدرسة إلا ونقله على سيارته “الجيب” السوداء إلى مدرسته أو الى قريته، وفي كتاب “منجزات علماء سوس في عهد محمد الخامس” (ص40): أن الحاج أحمد أكدورت تبرع بخزانته من الكتب كاملة للمعهد الإسلامي بتارودانت وأتذكر أنه كان يقدم كتاب سوس العالمة كهدية للمتفوقين من التلاميذ، وطلبة “لمدرست العتيقة”.
وقد زاره أحد التجار يوما في مكتبه، قصد التعرف عليه، وبعد الحديث الطويل، أراد الزائر الكريم الانصراف، وأحضر من سيارته أجود مفاخر الشاي كهدية للقائد، فسأله الحاج أحمد أوگدورت، لمن هذا الشاي الرفيع؟ أجابه التاجر أنها هدية جاء بها إليه، فاستغرب للأمر وقال له: مرة أخرى إذا أردت أن تقدم لي هدية، فبدون استشارتي اقصد بها إدارة الخيرية، وسأكون سعيدا، وإن بلغني أن فلان وقف في باب الخيرية وأنزل من صندوق سيارته هدية للأيتام والمحرومين، وأخبره أن أجرته التي يتقاضاها من الدولة تكفيه بالإضافة إلى موارد أخرى من مصدر تجارته.
وقد جرى له نفس الشيء مع تاجر آخر استدعاه لمأدبة طعام الغذاء مع أعوانه من الموظفين والكتاب، ولما حان منتصف النهار، أمر سائقه بإحضار شاحنة وتوجها إلى ورش للأشغال، إذ وجد عمال في استراحة للغذاء فأمرهم جميعا بالصعود للشاحنة وسار بهم نحو منزل ذلك التاجر الذي أعد على شرفه ما طاب من الأطعمة فالتقاه التاجر مرحبا ومستفسرا عن الموظفين؟ أجابه الحاج أحمد أوكدورت: هؤلاء الجياع من يستحقون الطعام، وجدتهم في ورش عمومي لا يتناولون غير الخبز والشاي، أما أنا وأعوان المكتب والموظفين فغذاؤنا مهيأ في منازلنا منذ الصباح، فمن يأكله؟ يقول الأستاذ حمزة عبد الله قاسم رحمه الله.
غادر الحاج أحمد أوگدورت رحمه الله إلى دار البقاء وبقيت أعماله وقيمه ومبادئه وأفكاره النيرة وعبقريته نبراسا ينير طريق المدينة الهامشية حتى أضحت مشتلا لرجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.. في مغرب ما بعد الاستقلال.