شيشنق الأمازيغي والحضارة الفرعونية

منتصر إثري

قبل سنة من اليوم، أثار تشييد تمثال للملك الأمازيغي «شيشنق»، الذي تم تنصيبه في مدخل مدينة تيزي وزو، شرق الجزائر، جدلا واسعا بين الجزائريين والليبيين والمصريين، وتزامن الجدل مع إقامة احتفالات رسمية برأس السنة الأمازيغية 2971 بالجزائر.

وخلف تنصيب تمثال شيشنق في الجزائر ردود فعل في مصر، دفعت عدد من المصريين إلى إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم «شيشنق مصري»، فيما دخلت ليبيا على الخط، من خلال بيان للهيئة العامة للثقافة الليبية التابعة لحكومة الوفاق السابقة، يفيد بأن الملك شيشنق ليبي الأصل، وقالت بالحرف: «من خلال العودة لكافة المراجع، ذات الدرجة العالية من الدقة والمصداقية، تأؤكّد أن الملك شيشنق الأول (929-950 ق. م)، أصوله أمازيغية من قبيلة المشواش الليبية».

وذكر البيان أن الملك سيشنق الأول “استطاع أن يتولى حكم مصر، ويحمل لقب الفرعون، وأسس بذلك لحكم أسرته الثانية والعشرين حوالي عام 950 قبل الميلاد، والتي حكمت قرابة قرنين من الزمن.

هل شيشنق مصري؟ أم جزائري؟ أم ليبي؟

لطالما خلق أصل شيشنق الأمازيغي، جدلا واسعا بين الشعوب على مستوى بلدان شمال إفريقيا، إلا أن الجواب يعرفه الجميع، شيشنق ملك أمازيغي، ويكفي استحضار الخريطة الجغرافية التي يسكنها الأمازيغ، وهي المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي حتى واحة سيوة في مصر ومن البحر الأبيض المتوسط حتى نهر النيجر غرب إفريقيا، لكن انعدام الوعي الأمازيغي وطمس الهوية الأمازيغية المشتركة بين الشعوب المغاربية، وسياسة التعريب القسري وهيمنة الايدولوجية المشرقية التي تعرضوا لها على مدى قرون خلت، جعلت الكثيرون يعتقدون بأن الهوية والثقافة والحضارة والتاريخ والعادات والتقاليد وكل الموروث المشترك بين شعوب بلدان شمال إفريقيا، هو ملك خاص لدولة حديثة بعينها والأخرى غير معنية بها، أو «سرقة» من هاته الدولة وتلك من تاريخ الأخرى.

هذا «الاستلاب والاغتراب الهوياتي» وسياسة «التحويل الهوياتي والثقافي» للإنسان الشمال الإفريقي، أو «سياسة تحويل الجنسيات، التي تسمى بسياسة التعريب» بتعبير الأستاذ محمد بودهان، هو سبب كل ما نتابعه من صراعات ونقاشات واحتكاكات واتهامات متبادلة بين الشعوب المغاربية، وهو السبب نفسه الذي دفع عدد كبير من المغاربة إلى «اتهام» الجزائر بـ«سرقة» الكسكس المغربي، والجزائريون لـ«اتهام» المغرب بسرقة التراث الجزائري، والمصري باتهام ليبيا، والليبي بـ«اتهام» الجزائر وهكذا..

فسكان شمال إفريقيا، أمازيغ، إلا من أثبت العكس، فيهم من تعرب وفيهم من لا يزال يحافظ على لغته وثقافته وهويته، وكل الأبحاث الأنثروبولوجية والأركيولوجية التي ثم الإعلان عنها مؤخرا من اكتشاف جمجمة لأقدم إنسان عاقل، هوموسابيان، والذي عاش بالمغرب قبل 300 ألف سنة على الأقل، بأدرار إيغود إلى اكتشاف أقدم قطع حلي في العالم تعود إلى ما بين 000. 142 إلى 000. 150 سنة في مغارة بيزمون بالصويرة، كما تم في وقت سابق اكتشاف حليا مشابهة لها تماما في الجزائر وتعود إلى 35 ألف عام، وعندما نتحدث عن شمال إفريقيا، فنحن نقصد الخريطة التاريخية للأمازيغ الممتدة من واحة سيوة بمصر الحالية، حيث أسس شيشنق الأمازيغي أسرته الثانية والعشرين حوالي العام 950 قبل الميلاد التي حكمت قرابة قرنين من الزمن. وهنا نستحضر محاضرة ألقاها الخبير ووزير الآثار المصري، السابق زاهي حواس، أمام الالاف الطلبة مصحوبة بتصريحات قال من خلالها: «أغلب المصريون يتحدثون باللغة العربية، لكنهم ليسوا عربا، لا كلام ولا شبه ولا تصرفات ولا عادات ولا تقاليد، إطلاقا»، نحن «لنا شكل خاص»، نحن شعب إلى الوقت الحالي له شكل خاص وطبيعة خاصة نابعة من 5 آلاف عام».

وهنا نتفق مع الوزير المصري، أي فيما يتعلق بموضوع أن المصريين ليسوا عربا ويختلفون في العادات والتقاليد.. إلخ، شأنهم شأن باقي شعوب شمال إفريقيا، لكن الذي لم يشر له الأنثروبولوجي والوزير المصري السابق، هو أن سيوة الأمازيغية المصرية هي مركز ومنطلق الحضارة الفرعونية.

وبالإضافة إلى المظاهر العمرانية والحضارية، فكلمة «هرم» تعني «إغرم» بالأمازيغية والتي تعني البناء أو المكان…، ويعزز هذا الطرح كون الفراعنة لا ينطقون حرف الغين ويقلبونه هاء، وأقرب لغة إلى الأمازيغية كانت هي اللغة المصرية القديمة وهذا ما دفع بالكثير من العلماء إلى القول أن المصرية القديمة ما هي إلا لهجة أمازيغية انطلاقا من ملاحظتهم للتشابه بينها وبين اللهجتين الأمازيغيتين «التواركَية-الطوارقية» و«السيوية-سيوة، مصر». وهذا أورده أهريشي محمد، تحت عنوان «بحث في الأصول المشتركة للحضارة الأمازيغية والحضارة المصرية القديمة» منشور في «منتديات ستار تايمز».

حتى عدد من النصوص الفرعونية القديمة ترجمت انطلاقا من الأمازيغية السيوية»، ويذهب البعض الآخر إلى أن اسم «مصر» نفسه كلمة أمازيغية «مي-زر» وتعني ذات الأحجار، و«آمون» نفسه الذي عبده الفراعنة كان أمازيغيا، ولا يخفى على الكل أن آمون هو أقدم الآلهة المصرية وأصلها وما بقية الآلهة إلا تفرع منه «آمون-رع»…، ويوجد المعبدين الرئيسيين ل»آمون» في سيوة الأمازيغية. وفق ما ذكره أهريشي في بحثه.

الأهرامات الأمازيغية في مصر، الأهرامات الثلاثة المعروفة تم تشييدها بالأحجار الضخمة، وهو النمط الذي كان يستعمله الأمازيغ، لكن الأهرامات التي بنيت فيما بعد كانت مبنية بالطين على عكس الأولى وكأن الفراعنة نسوا كيف بنوا الأهرامات الأولى! يقول الباحث محمد أهريشي، أما لدى الأمازيغ، يضيف المتحدث، فيلاحظ أنهم طوروها مع الزمن حيث بنوا «إدبنان» وهي قبور في قلب الصحراء ترجع إلى ما قبل التاريخ وهي عبارة عن تلال من الحجارة المتراكمة يتراوح طولها بين بضعة أمتار و300 متر وتتخللها ممرات وحجرات لكن علوها لا يتجاوز بضعة أمتار… وتوجد في «تين كاويا» غرب واحة «غاط» بمنطقة «آجر» غربي «الفزان» في ليبيا… وتوجد كذلك في قرية «تيط» في «أهكار» وسط الصحراء الجزائرية وكذا في المكان المسمى «تين غرزوز» بين «أدرار» و«أهكَار».

ثم بنوا «بازينات» وهي عبارة عن قبر يعلوه هرم صغير مربع القاعدة مبني بحجارة متراصة، وتوجد بكثرة في منطقة «الفزان» بالجهة الجنوبية الغربية الليبية، وفي منطقة الشلف الأعلى بالجزائر وهي أقدم من الأهرامات المصرية، والأضرحة الكبرى ذات الشكل المخروطي، يوجد منهما اثنين سالمي البناء أولهما على بعد 100 كيلومتر عن الجزائر العاصمة، وثانيهما يسمى بالضريح النوميدي يوجد في المكان المسمى «ميدراسن» قرب جبال الأوراس بالجزائر أيضا. كما يوجد بقايا لهذه الأضرحة في المغرب داخل المثلث الذي ترسمه النقاط الثلاث: فاس، الحاجب، مكناس.

هذه البنايات الثلاثة بناها ملوك أمازيغيون، نوميديون وموريتانيون شيدوها عبر عصور تاريخية تتراوح بين القرنين الخامس والأول قبل الميلاد وتتميز بتشابهها مع الأهرامات المصرية في تخطيطاتها الأساسية العامة.

كما توجد ثلاثة أنواع أخرى لهما نفس الأهمية، واكتفى الباحث أهريشي بذكر اسميهما: الركامات المغربية الصغيرة المسماة «إيكركورن، إيشركورن، إيشرشورن… تختلف طريقة نطقها حسب المناطق). هرم بجزر الكناري الأمازيغية أقدم من الأهرامات المصرية لكنه الأقرب إليها من ناحية الشكل النهائي والتخطيطات الأساسية العامة، أما النوع السادس والأخير والذي يعتبر آخر تطورات هذا الشكل البنياني فهو غني عن التعريف الأهرامات المصرية: وتنتمي إلى نفس نمط القبور التي تنتمي إليها المعطيات الأثرية التي جرى ذكرها والمعتمدة على نظام الحوانيت والحفر في الأرض على شكل مطامير أو في الصخور والأجرف.

ونقل الباحث أهريشي ما جاء في كتاب سكان تحت الأرض للكاتب المصري محمد عزب، حيث قال في بحثه نقلا عن الكاتب المصري «ـ إن الانسان الفرعوني كان يعتمد في بنائه على الطين المحترق، فهو شيء سهل وخفيف وليس كأحجار الأهرام الرهيبة «(ص81) يعني الفراعنة لا يستخدمون الأحجار على عكس الأمازيغ القدامى الذين يستخدمون الأحجار في بناء القبور خاصة، وأدرج في بحثه ما ذكره الفراعنة أنفسهم حين اعترفوا بأن بناة الأهرام ذوو قوة فريدة، في نص البريشتا المنحوت على تمثال الإله القرد تحوتي حتب والذي نصه كالآتي: قوة ذراع الواحد من بناة الأهرام بألف رجل .

وإذ يعد الملك شيشنق أول فرعون أمازيغي وهو مؤسس الدولة الأمازيغية الفرعونية وتعتبر فترة حكمه أقوى فترة على الإطلاق حيث توسع على حساب مملكة إسرائيل ووصلت دولته حتى إسبانيا، حتى أن سيدنا سليمان ملك إسرائيل تزوج من ابنة الملك شيشنق، فإن الملك الأمازيغي يوبا الثاني هو زوج كليوباترا سيليني (ابنة كليوباترا المصرية) وابنهما هو بطليموس المشهور هو الآخر والابنة كليوباترا الموريتانية، كما أن 17 عشر ملكا أمازيغيا تعاقبوا على عرش مصر.

ومن الناحية الدينية، كان الفراعنة يعبدون بالإضافة إلى «آمون» الإله «أتون» أو إله الشمس، والأمازيغ القدامى يعبدون بدورهم إله الشمس «ياكوش» وهنا يتفق الفراعنة والأمازيغ على كون الإله الذي يرمز للشمس هو الإله المشترك بينهما.

حتى الآثار المكتشفة في المواقع الأثرية الصحراوية، تقول الباحثة الجزائرية، تاكليت مبارك سلاوتي في كتابها الأخير الموسوم بـ”الأمازيغ في مصر” تشهد على الاتصال والتأثيرات الثقافية المصرية في عالم قدماء الأمازيغ على غرار الرسوم الصخرية بالطاسيلي، والتي يمثل بعضها عربات تجرها خيول مثل تلك التي كانت تستعمل في مصر القديمة، أو أيضا رسومات تمثل جمالا وحيوانات دخلت أولا إلى مصر وانتشرت بعد ذلك في باقي الصحراء، وأشارت إلى أن القبائل الأمازيغية شكلت سلالات فرعونية كاملة حكمت مصر لقرون عديدة من بينها “شيشنق الأول واوزوركون القديم (ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد)”.

ويتضح من خلال عدد من المصادر أن الحضارة الأمازيغية هي نفسها الحضارة الفرعونية، واختم بما كتبه الكاتب الطيب آيت حمودة إن «أحداث ووقائع تاريخنا القديم تشير إلى وجود أمة أمازيغية متفردة ومتميزة، لها من الانجازات والمآثر ما يفوق الأنداد والخصوم، عيبهم أنهم لم يدونوا مآثرهم، ولم يحفظوها من آفة النسيان كما فعل غيرهم، لسذاجة أو غفلة، وفسحوا المجال واسعا للوافدين بإظهار نرجسيتهم على حسابنا، فزورا تاريخنا وأمجادنا ومآثرنا ونسبوها إليهم ظلما وزورا، وما أكثر ما قالوا ونحن سكوت، سكوت، سكوت …، وبسكوتنا تحولنا إلى أمة عسكرية مقاومة تابعة للشرق مرة، وللغرب أخرى» .

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *