ما هو السبب المباشر في النقاش الدائر حول دفاتر التحملات الجديدة؟
أهو بالفعل خوف (من يسمون أنفسهم بالحداثيين) من أسلمة القطب الإعلامي العمومي؟
أم هو خوف الفرانكفونيين على التنوع الثقافي واللغوي؟
أم هو الخوف على المصالح الشخصية والذاتية للقائمين على هذا الإعلام؟
جوابا على السؤال الأول فإن من يقول أن هذه الحكومة الجديدة تعمل من خلال دفاتر التحملات على أسلمة المشهد الإعلامي المغربي، فهو يجانب الصواب. ذلك أن سياسة الدولة منذ الاستقلال والحكومات المتعاقبة على الشأن المغربي من محافظين واشتراكيين وتكنوقراط كلها كانت وما زالت سياستها الإعلامية والتعليمية تصب في توظيف الإسلام سواء في وسائل الإعلام ومناهج التعليم بغية تربية المواطنين على دين واحد ولغة واحدة، حاملين شعار «المغرب لنا لا لغيرنا» ضاربين عرض الحائط حق المسيحي واليهودي وغيره من مكونات المجتمع المغربي في هذا الإعلام الذي يقتات من جيوب هؤلاء دون السؤال عما يقدمه لهم فذاك كارثة أخرى أسالت مدادا كثيرا ولا من مجيب.
خلاصة القول هي أن نقل الآذان ونقل مراسيم الصلوات والأعياد الدينية، وحتى البرامج الدينية ليست بالشئ الجديد في دفاتر التحملات الجديدة، فقط تغيرت مجاري المياه ليخرج البعض من جحورهم ليحملوا فزاعة أسلمة المشهد الإعلامي وهم بذلك لا تعدوا أن تكون إرادتهم فقط تعويم النقاش و الظهور بمظهر المعارض ولا غير ذلك.
أما الفئة الثانية أي الفرانكفونيين، فأين كانوا حين كنا نواجه بالانفصاليين و ورثة الإستعمار وحفدة ليوطي وغيرها من النعوت القدحية، حين كنا نمارس فقط حقنا في المطالبة باحترام المواثيق الدولية، وبالتالي احترام التعدد الثقافي و اللغوي في الإعلام ومن تم إدراج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في المشهد الإعلامي المغربي؟
إن من يسمون أنفسهم فرانكفونيين أو حداثيين وديمقراطيين لم تثر حفيظتهم إلا حين تم التنصيص على تلك النسبة الضئيلة للأمازيغية في المشهد الإعلامي والتي مازلنا نعتبرها نسبة محتشمة لا تشرف لا الأمازيغ ولا ترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد.
إن السياسة التعريبية ومطالبة العروبيين بالمزيد من تكريس التعريب في كل المؤسسات، لا يثيرونها ويحثون عليها إلا في الوقت الذي يرون فيه نجاح الحركة الامازيغية في انتزاع حق من حقوقها، وقت ذاك فقط ترى المعادين للأمازيغية من فقهاء و(ديمقراطيين) يضعون اليد في اليد كأنهم سيواجهون جيوش هرقل وتصبح خلافاتهم سمن على عسل ضد الأمازيغية، فتراهم يرفعون شعارات الوحدة الترابية والوحدة اللغوية والوحدة الدينية والوحدة الثقافية. إلا أنه مع دفاتر التحملات الجديدة أصبحت هذه الأفواه، التي كانت الأمازيغية بالأمس عدوها الأول، يهدد وحدتها اللغوية والثقافية وحتى الدينية أصبحت الآن في الوجهة الأخرى من النقاش فجاء دورها لترفع شعار التنوع الثقافي واللغوي لا لشئ إلا لوضع (العصا في الرويدا). لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو: أين يتجلى تهديد التنوع الثقافي لهؤلاء في دفاتر التحملات الجديدة؟
وإذا كانت دفاتر التحملات تهدد هذا التنوع الثقافي فأين هؤلاء الآن والتعليم مستمر في تعريب الإنسان والمحيط وينتج مستقبل المغرب بلغة وحيدة هي اللغة العربية وأين كانوا حين كنا نطالب ليل نهار بإعلام يعترف بثقافتنا ولغتنا الأمازيغيتين، وكان ذات الإعلام إعلام ممخزن حتى النخاع تتحكم فيه الداخلية بكل فصائلها، فكان من الصعب الفصل بين العامل في الداخلية والإعلامي في الإذاعة والتلفزيون؟
الفئة الثالثة التي انخرطت في النقاش فهي الفئة المتحكمة فعليا في الإعلام سرا وعلانية وهي لا تنطق عن الهوى بل هو الخوف على مصالحها المادية طبعا فدفاتر التحملات لا تنص فقط على نسبة اللغات التي يجب أن تستعمل في الإعلام والبرامج وجودتها، بل تلتها بنود مهمة تهدد مصالح المنتفعين من الوضعية السابقة الحالية، وهم في حقيقة الأمر لا يكترثون كثيرا لنقل الآذان والصلوات بل بالعكس هذا النقل المباشر لن يكلفهم شيئا بقدر ما سيساعدهم على ملء الشبكة البرنامجية بدون تكلفة مادية ثقيلة.
إن الذي يفزع زملائنا في الإعلام السمعي البصري هي تلك البنود التي أصبحت تنصص على عدم الجمع بين المصالح فلا يعقل أن يكون مدير الإنتاج هو مالك لشركة إنتاج في نفس الوقت تنتج لنفس القطاع الذي يشتغل فيه. ولا يمكن كذالك لشركة واحدة الاستفادة من إنتاج أكثر من برنامج كما هو الحال لشركات كثيرة لبعض المسؤولين و التي تنفرد بأكثر من برنامج بأموال باهظة وبموارد بشرية وبتقنيات ووسائل مادية وبشرية للدار كما يحبون تسميتها، كما لو أنها في ملك أبائهم حتى يسمونها دارنا.
إذن إنها حرب المصالح المادية بعيدا عن الهم الإعلامي و ذوق المشاهد واهتمام المستمع، إنه الريع الإعلامي والأخطبوط المتجدر فيه والذي لا يمكن إزاحته بسهولة فله جيوب مقاومة أقوى، ولكنها البداية فلنتفاءل للمستقبل.
والحكيم الأمازيغي قال قديما:
ⵓⵜ ⴰⵔⵓⴽⵓ, ⴰⴷ ⵢⴰⴽⵉ ⵓⵖⵢⵓⵍ
Ut aruku, ad yaki ughyul
صرخة العدد 142 / ماي – جريدة العالم الأمازيغي