في إطار المصالحة مع الذات ورد الاعتبار لأمازيغية المغرب، تأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بظهير ملكي سنة 2001، وبفضل هذه المؤسسة والأطر القائمين عليها تم إدراج الأمازيغية في التعليم والإعلام، كما تم إقرار حرف تيفيناغ بشكل رسمي لكتابة الأمازيغية، ورغم عدم تحقيق كل الطموحات المأمولة بسبب انعدام ارادة سياسية قوية لمسؤولي الإدارات والوزارات الوصية على القطاعين التعليمي والإعلامي بالدرجة الأولى، أكثر من إرادة القائمين على مؤسسة المعهد أو قصور فيها. فقد تمكنت هذه الأخيرة من تحقيق إنجازات على عدة مستويات، لا يمكن أن ينكرها إلا من يفتقد للموضوعية اللازمة في تقييم عمل المعهد الملكي للثقافة الامازيغة، الذي تجاوز صداه المغرب ليصبح مرجعا للدول الأمازيغية الأخرى كالجزائر، ليبيا وتونس وكذا الباحثين من دول أخرى في العالم لم يمكن لها أن تشتغل على ورش الأمازيغية من دون الرجوع إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب. إلا أن المفاجأة هي أنه منذ سنتين أي منذ سنة 2010 تقريبا، ومجلس إدراة المعهد الملكي لم يستطع أن يقوم بمهامه بالشكل الذي اعتاده لعدم توفر النصاب القانوني، بسبب عدم تزكية أسماء تم عرضها على القصر الملكي للدخول إلى المجلس الإداري، مما أدى إلى تجميد أشغال هذا الأخير، بيد أنه حدث تطور مؤخرا يطرح الكثير من التساؤلات إذ في بداية هذه السنة تم توقيف أشغال المجلس الإداري بقرار رسمي، مما يعني رفض تزكية لائحة أعضائه الجدد مما أدى إلى شلل تام لهذا المجلس.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أكثر هو ما يتعلق بخلفيات توقيف مجلس إدراة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من طرف القصر الملكي الوصي عليه، هذا الاخير الذي نوه بالمقابل بأشغال المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وهل يعود الأمر إلى أسباب تتعلق بالدوافع السياسية لتأسيس تلك المؤسستين في فترة معينة، والتي قد تكون انتفت حاليا بالنسبة لمعهد الأمازيغ ولم تتغير بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يضم في غالبيته المحسوبين على اليسار والعروبة البعثية.
في إطار ما سبقت الإشارة إليه أعلاه، من الجدير بالذكر أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو المؤسسة الوحيدة التي لم ينص عليها دستور 2011. رغم أنها المؤسسة الوحيدة التي تعمل وتخدم الثقافة واللغة الأمازيغيتين وكذا كل ما يتعلق بإدراجهما في المؤسسات العامة و الخاصة للدولة.
في حين أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومنذ تأسيسه بصيغته الأولى أي المجلس الملكي الاستشاري لحقوق الإنسان، وهيئته الإنصاف والمصالحة والآن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بقراءة بسيطة لأعضائه ومسيريه فهم ينتمون إلى اليسار الموصوف بالراديكالي الذي تشبع بأفكار القومية العربية، المستمدة من مرجعية الأحزاب البعثية المشرقية التي تكن عداءا تاريخيا للأمازيغ والأمازيغية، على الرغم من أن أغلب هؤلاء اليساريين أمازيغي اللسان لكن مستلبي الفكر.
بالنظر لتركيبة كل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وكذا مجال اشتغال كل منهما، يبقى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كذالك ذو أهمية بالغة لأنه في جزء كبير منه مؤسسة حقوقية كذلك، فهو جاء في إطار إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وإن كان مشروعا أن تكون لدينا مخاوف معينة فإنها لن تتعلق إلا بدور جهات معينة لطالما حرمت التعامل مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لأسباب لم تمنعها من التعامل مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الجمود الحالي وضبابية مستقبل مؤسسة الأمازيغ الوحيدة، خاصة إدا علمنا أن الجهات التي نتحدث عنها لم يكن لها من هدف إلا السيطرة على تلك المؤسسة والدخول في هياكلها وإتخاذها كغنيمة تقسمها على الأتباع ممن يقدمون خدمات في مجالات أخرى.
في الأخير نتساءل عن كل تلك الجمعيات الأمازيغية التي لطالما استفادت من الدعم المادي والأكاديمي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما عن دورها في مستقبل الأيام المقبلة للحفاظ على المكاسب الهشة للأمازيغ، والسعي لتحقيق أخرى بدل التواري في الهامش والتصرف كمن لا حول ولا قوة له إلى أن يفوت الأوان، و يصير مستقبل الأمازيغية والأمازيغ مرة أخرى رهين بإرادة من لهم إرادة بخصوص كل شئ إلا ما يتعلق بالأمازيغ و الأمازيغية.
وقديما قال الحكيم الامازيغي:
wanna iran afa ik zik tasga ns
ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵉⵔⴰⵏ ⴰⴼⴰ ⵉⴽ ⵣⵉⴽ ⵜⴰⵙⴳⴰ ⵏⵙ
صرخة العدد 151 / مارس – جريدة العالم الأمازيغي