يبدو أن ترسيم الأمازيغية بالمغرب لم يكن كافيا لوضع حد للعنصرية والتمييز ضد الأمازيغية والأمازيغ، فبعد أن استبشرنا خيرا بذلك القرار التاريخي للدولة المغربية بعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال، فوجئنا في إطار سلسلة القرارات السخيفة والتمييزية التي لا زالت مستمرة في عهد الدستور الجديد بما ورد في الاستمارة الخاصة بالإحصاء العام للسكان والسكنى، إذ بذل التشاور مع الحركة الأمازيغية بالمغرب والمؤسسة العلمية الوحيدة المختصة في هذا الشأن أي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، اختارت المندوبية السامية للتخطيط بعيدا عن الجميع، إدراج أسئلة غريبة حول الأمازيغية في استمارة الإحصاء بشكل يقتصر عليها دون غيرها، من قبيل معرفة القراءة والكتابة بالأمازيغية وبحرف تيفيناغ.
إنه ليظهر لنا إما أن المندوبية السامية للتخطيط تعمل بعيدا عن الصيرورة السياسية والواقع المؤسساتي المغربي أو تتعمد لغرض لا نعلمه صياغة استمارة إحصاء لا جدوى بالنسبة للأمازيغة من ورائها، فما دمنا إذا استحضرنا كون إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية لم يتم إلا منذ سنة 2003 فقط، ومع العلم أن مختلف الوزراء الذين تعاقبوا من حينها على وزارة التعليم لم يبذلوا جهدا حتى لاحترام الاتفاقيات المبرمة بخصوص تعليم الأمازيغية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار كذلك كون تدريس الأمازيغية بالمغرب مجمد بسبب كل العراقيل التي واكبته، فحينها سنعلم أن الذين سيعرفون الكتابة بتفيناغ والقراءة بها فئة قليلة جدا من التلاميذ الذين تمكنوا من تعلم الأمازيغية في المدرسة العمومية.
هكذا نجد سؤال “هل تعرف الكتابة والقراءة بالأمازيغية وبحرف تيفيناغ” الذي طرحته المندوبية السامية للتخطيط في استمارة الإحصاء سؤالا سخيفا ومعروف النتيجة مسبقا، وليس مكانه استمارة الإحصاء، بل يصلح لنوع آخر من الاستمارات، تتعلق بمعرفة العراقيل التي تعترض تعليم الأمازيغية والجهات التي تقف خلفها، سعيا لإفشال إدماج الأمازيغية في المدرسة العمومية، لكي تتخذ الدولة بناء على خلاصات ذلك الإجراءات الكفيلة بالخروج بالأمازيغية من مأزق إفشال تدريسها مع تحديد المسؤولين ومحاسبتهم.
وإذا كان غرض الدولة هو معرفة عدد التلاميذ الذين يتقنون الكتابة والقراءة باللغة الأمازيغية، فما عليها إلا أن تجند جيوش المفتشين ليقوموا بعملهم داخل المدارس المغربية، فيما يتعلق بمراقبة مدى احترام تعليم اللغة الأمازيغية، والقوانين والاتفاقيات المتعلقة بذلك، ولأننا نعرف جميعا أن تعليم الأمازيغية لا يتم كما يفترض، وأن الاتفاقيات والقرارات المتعلقة بذلك تبقى حبرا على ورق، فيجب بعد ذلك إلزام الأكاديميات ومختلف المؤسسات التربوية بالقيام بواجبها ومحاسبة كل من يتهاون في النهوض بهذا الورش الذي مازال مفتوحا، وذلك باقرار قوانين زجرية تعاقب المسؤولين في الأكاديميات التي لازالت تصم آذانها ولا تواكب مسلسل إنصاف الأمازيغية بالمغرب، مادام المس بالأمازيغية الآن بمثابة خرق لأسمى قانون في البلاد الذي هو الدستور، هذا دون أن ننسى دور الأحزاب السياسية التي تتوالى على حقيبة وزاره التربية الوطنية ووزارة التعليم، والتي لم نراها لحد الآن تتعامل مع هذه القضية بمنطق الوطنية أو على الأقل وفق منطوق القانون والدستور.
للأسف لا تقتصر معاناة الأمازيغية على قطاع التعليم الذي يجعل استمارة الإحصاء غير ذات جدوى ومعروفة النتيجة سلفا بسبب تراجع الدولة عن تعهداتها، بل كذلك الحال بالنسبة للإعلام السمعي البصري مثلا، الذي مازال يضرب عرض الحائط، بكل ما تنص عليه دفاتر التحملات بالنسبة للحصص الخاصة بالأمازيغيه في القناة الأولى والثانية وباقي القنوات والإذاعات المغربية.
هكذا ومادامت المداخل الوحيدة التي من خلالها يمكن أن تعمم الأمازيغية، تواجه فيها عراقيل ومحاولات للإفشال وتجاهل ومقاومة عنصرية، فسيبدو إذا سؤال استمارة الإحصاء حول الأمازيغية أمرا يدعوا للريبة، خاصة وأنه طرح كما لو أن الأمازيغية تدرس فعليا في البلاد منذ عقود، ولم تعاني من العنصرية والتهميش لأكثر من نصف قرن، ولم يبدأ مسلسل إنصافها إلا في بداية القرن الحالي، لكن ولأنه لا يمكن أن يوجد دخان بدون نار فلا شك أن خلفيات هذا السؤال قد تكون مرتبطة بالمستقبل، وما أثير حول التراجع عن كتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، ولو كان هذا هو الهدف فستكون مقامرة ومغامرة بمستقبل البلد برمته، وسوف لن يندم إلا أولئك الذين لا تزال الإيديولوجيات العنصرية البالية التي راح ضحيتها الشعب المغربي الأمازيغي لأزيد من نصف قرن تعشعش في رؤوسهم، لأنهم يتبثون كل مرة أنهم يجيدون تضييع الفرص للرقي بهذا البلد إلى مصاف الدول الديمقراطية التي يحترمها مواطنيها.
إن توجيه سؤال “هل تقرأ الأمازيغية وتكتب بها بحرفها تيفيناغ” إلى عامه الناس ما هو إلا ضحك على الذقون وخلط للأوراق ما دامت النتيجة معروفة سلفا، وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵀⵀⵉ ⵙⴽⵔⵖ ⵜ ⴳⵉⴽ
ⵉⵀⵀⵉ ⵙⵙⵏⵖ ⵜ ⵙⵔⴽ
صرخة العدد 165 / يوليوز – جريدة العالم الأمازيغي