يقال أن “المآسي تظهر المعدن الحقيقي للناس”، ولو قمنا بتعديل كلمة الناس لنضع بدلا منها السياسيين المغاربة وفي مقدمتهم السيد بنكيران كرئيس الحكومة المغربية، لاكتشفنا تناقضات جمة وأمور تثير العجب والغضب في أن واحد، خاصة وأن بنكيران كان من المفروض فيه دستوريا كرئيس للحكومةمسؤولا عن الشعب المغربي وفق صلاحيات محددة في الدستور، وأخلاقيا باعتباره كما يردد بلا كلل ولاملل لسنوات يقود حكومة تمثل كل المغاربة وليس طيفا منهم أو حزبا فقط، أن يكون أول من يهب للعمل على الحد من آثار الكارثة والتخفيف من معاناة مواطني سوس والجنوب الشرقي والجنوب، لكنه للأسف لم يبذل أي جهد يذكر ولو لإعلان حداد وطني أو حتى ليقدم واجب العزاء كما ينبغي لعشرات العائلات التي فقدت ذويها في كارثة الفيضانات، عكس ردة فعله و تصرفه إزاء وفاة صديقه عبد الله باها الذي تحز في أنفسنا تلك الطريقة المأساوية التي قضى بها نحبهوبهذه المناسبة نتقدم لعائلته بتعازينا الحارة، لكن تعامل رئيس الحكومة المغربية مع ذلك المصاب لا يقارن بطريقة تصرفه إزاء مأساة مشابهة أصابت العشرات من العائلات بالجنوب الشرقي وسوس والجنوب، وهي المنطقة نفسها التي ينتمي إليها السيد باها، هذه العائلات التي فقدت ذويها بل أكثر من ذلك دمرت بيوتها وتقطعت بها كل السبل، وانهارت البنيات التحتية الهشة التي كانت جسرا بينها وبين مناطق أخرى.
إن تصرف رئيس الحكومة هذا، لا يختلف عن تصرف مماثلأكد فيه بن كيران فيما قبل انحيازه لحزبه أكثر من الشعب المغربي وذلك إثر حادث وفاة أحد أعضاء المكون الطلابي التابع لحزبه بفاس عقب مواجهات مع مكون آخر، إذ لم يتردد بنكيران في إثارة ضجة إعلامية وركوب أول طائرة مع وفد رفيع من وزراء حزبه نحو مدينة الراشيدية لحضور جنازة الطالب المتوفي، ولعلها خطوة لا نؤاخذ عليها بنكيران لكن ما نسجله عليه هو أنه لا يتعامل بنفس الطريقة حين يتعلق الأمر بباقي المواطنين.
إن مأساة الجنوب الشرقي والجنوب وسوس ستبقى وصمة عار على جبين الحكومة، ذلك أن تدخلها كان متأخرا ولم يرقى إلى تطلعات مواطني هذه المناطق لمحدوديته وتمييزه لمناطق عن أخرى، تماما كالتمييز الذي يمارسه رئيس الحكومة بين المآسي والكوارث التي تصيب أعضاء من حزبه وتلك التي تلحق بباقي الشعب المغربي، إن لم يكن السيد بنكيران نفسه كارثة ضمنها، خاصة بعد مرور ثلاث سنوات عن تواجده على رأس الحكومة المغربية بدون أي إنجازات في مستوى الوعود التي قطعها وحزبه قبل ذلك، سواء فيما يتعلق بصياغة القوانين التنظيمية المكملة للدستور أو تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وتغيير نظرتهم للأحزاب والسياسيين.
وبالمناسبة نتساءل بعد ثلاث سنوات من حكم بنكيران عما أضافه لتلك المناطق السالفة الذكر، وهل ثمة تغيير في سياسة التهميش والتمييز والإقصاء التي لطالما تم نهجها ضد تلك المناطق من طرف مختلف الحكومات التي تعاقبت على حكم المغرب وضمنها حكومة بنكيران طبعا، التي واصلت نفس التهميش والتمييز ضد سوس والجنوب الشرقي، وهو تهميش لم يقتصر على ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي فحسب، بل امتد حتى للحقوق اللغوية والثقافية وهنا نستحضر حادث وصف ابن كيران لغتهم بالشنوية متهكما على الأمازيغ الذين لم ينتظروا حكومته إبان الكارثة الأخيرة بل اعتمدوا على أنفسهم كالعادة، ليقفوا وقفة الإنسان الحر في وجه هذه الكارثة التي ضربت مناطقهم، وهبوا كل من موقعه لمد يد المساعدة ماديا ومعنويا، متضامنين ماديا بمساهمات مالية ومواد غذائية وأفرشة، ومعنويا وعاطفيا، وذلك كان حال أغلب أبناء المنطقة إن لم نقل كلهم أفرادا وجماعات من داخل الوطن وخارجه.
و هناك من هم الآن بصدد التهييء لدعم أكثر تعبيرا وأقوى وقعا وذلك بتنظيم احتفالات رأس السنة الأمازيغية تضامنا مع هؤلاء، هذه السهرات التضامنية التي صادفت هذه السنة تلك المآسي الكارثية تشكل بشارة خير في مدى تجدر قيم التضامن بين الأمازيغ وليست عيبا بتاتا، لأننا نحن الأمازيغ متشبثون بثقافتنا الأمازيغية التي تمثل جزءا من الثقافة الإفريقية التي تتميز بالرقص والغناء إن في الأفراح أو الأحزان. وقديما قال الحكيم الامازيغي:
ⴰⵔⴳⴰⵣ ⵡⴰⵔ ⴰⵢⵜⵎⴰⵙ ⵣⵓⵏⴷ ⴰⴼⵓⵙ ⵡⴰⵔ ⵉⴹⵓⴹⴰⵏ
Argaz war aytmas zund afus war idudan
صرخة العدد 169 / دجنبر – جريدة العالم الأمازيغي