عجيب وغريب أمر رئيس الحكومة المغربية الذي يتصرف كما لو أنه مجرد رئيس جمعية صغيرة للأعمال الاجتماعية، إذ ينأى بنفسه عن كل القضايا والملفات الكبرى في مختلف المجالات، ويلقي بالمسؤولية بلا تردد على من يسميها تارة وبشكل غير مباشر بالجهات العليا، وتارة أخرى بشكل مباشر المؤسسة الملكية، وأحيانا على قوى التحكم…
رئيس الحكومة يركز جهوده على أمور بسيطة في المجال الاجتماعي من قبيل دعم الأرامل، ويبتعد عن القضايا الكبرى سواء في المجال ذاته أو بقية القطاعات، وليس ذلك غريبا على مسؤول ينتمي لحزب إسلامي بنى كتلته الانتخابية وقواعده التنظيمية بالاعتماد على شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية أو التنموية، ولأن الفقر كان هو الورقة الرابحة في يد الإسلاميين لم يحاول رئيس الحكومة البحث بشكل جدي معالجة جذرية لمشاكل الفقر والبطالة أي المشاكل الاجتماعية الحقيقية، بل على العكس من ذلك لا يتردد في تجميد الأموال الموجهة للاستثمار وتجميد الأجور وتقليص مناصب الشغل، ولا يقدم دواء للمشاكل الإجتماعية الكبرى للشعب بل يستعمل مسكنات رخيصة يسهل عليه الحصول عليها، من دون الدخول في صراع مع محتكري ثروات الشعب وخيراته، لهذا مثلا ظل ينفخ في إنجازات محدودة جدا وإن لا زالت على الورق كدعم الأرامل، محولا هذا الأمر البسيط إلى إنجاز ضخم وهائل وعظيم، بل جعله قضية سياسة واستغله في حملته الانتخابية حين زعم أن ثمة من طلب منه عدم الحديث عن ذلك الإنجاز العظيم لكي لا يكسب الأصوات، ومن يدري فربما يخوض بنكيران حملة حزبه للإنتخابات البرلمانية المقبلة بتوظيف تحت شعار دعم الأرامل قضية وطنية أولى، فهو كإسلامي يعلم جيدا كيف يمكن لكيس من الدقيق أو قنينة زيت أو خروف العيد أن يكسبه الأصوات فما بالك بدعم الأرامل ببضعة دريهمات لا ترد بردا ولا تقي حرا ولا تشبع بطنا.
إن السيد بنكيران الذي ظل طويلا يهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور من يسميهم بالمفسدين والتماسيح والعفاريت، لم يترك أي فرصة تمر دون أن يطبع معهم، وبينما كان يلوح بيسراه مهددا إياهم في العلن، يمد يمناه سرا للمصالحة معهم، ليترك الأمور تستمر على ما كانت عليه مسبقا، في سبيل حلاوة سلطة لا تدوم خوفا من عواقب المغامرة عليه وعلى حزبه عند محاولته القيام بتغيير حقيقي.
الورقة الوحيدة الرابحة في يد السيد بنكيران كانت هي تفعيل التعديلات الدستورية الجديدة، لكنه تركها مرمية لسنوات وعمل على تمرير القوانين التنظيمية التي لن تزعج أحدا، وبقي بعيدا عن المشاريع الإستراتيجية الكبرى للدولة، وترك للمجهول أهم القوانين التنظيمية إلى نهاية الولاية الحكومية، رغم أنها تكتسي طابع الأهمية القصوى ورغم أولويتها على بقية القوانين، كالقانون التنظيمي للأمازيغية الذي عمل بنكيران على تجاهل مجرد الحديث عنه، وحين اضطر للكلام رمى بالمسؤولية على من سماها بالجهات العليا، ولذلك كان طبيعيا بعد أربع سنوات من ترسيم الأمازيغية ومن ولاية حكومة بنكيران، أن تخرج لجنة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لدى الأمم المتحدة بتوصيات تحمل الكثير من الإدانة للدولة المغربية، وتعري أمام العالم واقع ترسيم خادع للأمازيغية، وتبقي المغرب ضمن خانات البلدان التي تنهج سياسة التمييز وتنتهك الحقوق اللغوية والثقافية لمواطنيها.
نرجو أن يكون الخطاب الملكي الأخير في البرلمان المغربي قد أعاد لرئيس الحكومة بعض الوعي بموقعه وبمسؤولياته، ما دام الملك خاطب البرلمان مباشرة وللمرة الثانية، مطالبا ومؤكدا على ضرورة الإسراع في صياغة القوانين التنظيمية للأمازيغية، فإذا كان الملك هو أعلى جهة ورئيس أعلى مؤسسة في الدولة، وبما أن بنكيران كان يتهرب دائما و يلقي المسؤولية على المجهول، فالخطاب الملكي قد كشف له ولغيره عن الجهة المسؤولة عن صياغة القوانين التنظيمية للأمازيغية، كما أنه حدد له المهلة الزمنية للقيام بذلك، وهي سنة واحدة لا غير.
ولأننا نتمنى أن لا يتبع بنكيران شبيهه في معاداة الأمازيغية أحمد الحليمي، وينظر للقانون التنظيمي للأمازيغية كشر لابد منه، ويلجأ لإحصائيات الحليمي ليدفع بصياغة قانون لا يرقى إلى مستوى التطلعات، ولأن الأمازيغ ليسوا سبعة وعشرين بالمائة كما ذهب إلى ذلك الحليمي، ونظرا لكون الأربع السنوات الماضية قد أظهرت أن الحكومة والبرلمان لا نية ولا تصور ولا إرادة لديهما لصياغة وإخراج القانون التنظيمي للأمازيغية، فإننا لابد أن نعيد التأكيد على وجوب إنشاء لجنة ملكية توكل إليها مهمة صياغة القانون التنظيمي للأمازيغية والقانون التنظيمي لمجلس اللغات والثقافة المغربية، بما ينسجم مع تطلعات الأمازيغ ويحقق المساواة بين اللغتين الأمازيغية والعربية في جميع المؤسسات، ويضمن بالتالي حلا عادلا ومنصفا ونهائيا لقضية الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية الذي ظل يراوح مكانه منذ أزيد من نصف قرن، أما إن تركت الأمور للسيد بنكيران كما الأربع سنوات الماضية فنخشى أن تضيع سنة أخرى ونصبح على إخلال تام بالالتزامات التي قطعتها الدولة على نفسها، أو على وفاء مغشوش وشكلي يبقي الأمازيغية على السوء الذي كانت ولا زالت عليه..
و إلى ذلك الحين أقول ما قاله الحكيم الأمازيغي:
ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵙⵔⴽ ⵉⵙⵙⵉⵡⵍⵏ ⵙ ⵡⴰⵡⴰⵍ ⵏ ⵉⵣⵎ
ⴰⴷ ⵓⵔ ⴰⵙ ⵜⵔⴰⵔⵓⵜ ⵙ ⵡⴰⵡⴰⵍ ⵓⴳⵔⵓ
Wanna srk issiwln s wawal n izm
Ad ur as trarut s wawal n ugru
صرخة العدد 178 / أكتوبر– جريدة العالم الأمازيغي