صرخة العدد 179/نونبر 2015/2965

لا مجال للجدال في كون التضامن اللامشروط مع جميع الشعوب التي تعاني من الإرهاب الفكري قبل الإرهاب المادي واجب، فالإرهاب لا موطن ولا حدود له، كما لا يستثني الأبيض من الأسود، ولا يفصل بين المرأة والرجل، وما عاشته فرنسا يذكرنا بالأحداث التي عاشها المغرب في 16 ماي 2003، وفي اعتقادي فإن اختلفت الدولة المرهبة و الجهة الإرهابية، فالأسباب تبقى واحدة، وسبق لنا أن أجملناها وقت ذاك في أزمة الهوية، وهانحن بعد إثنى عشرة سنة نعيد نفس الاستنتاج.

كثيرون قد يتساءلون عن وجه المقارنة بين هوية فرنسا وهوية المغاربة، وعناء السؤال يتبدد عند استحضار كون كل أولائك المتورطين في الأحداث الإرهابية الخطيرة بباريس، أغلبهم من اصول مغاربية، وهؤلاء الشباب من الجيل الثالث أو الرابع للمهاجرين المغاربة، وحصلوا على الجنسية الفرنسية بالولادة فوق الأرض، ولكنهم يبقون بقدر كونهم مجرمين فهم ضحايا، ضحية بلدهم الأصلي المغرب وكذلك بلدهم فرنسا.

الدولتين معا ساهمتا في تمكين هؤلاء الشباب وتيسير ارتمائهم في أحضان الإرهاب عبر المناهج الدراسية المكتوبة باللغة العربية وذات المضمون الثقافي العربي التي تلقنها لهؤلاء الشباب منذ نعومة أظافرهم، وفي هذا الإطار وقع المغرب وفرنسا أكثر من اتفاقية تهم تعليم اللغة العربية والثقافة العربية، لأبناء المهاجرين تحت مبرر الإندماج وتحسين مستوى الفهم عند التلميذ، وتجاهلت الدولتين معا كون أغلب أبناء المهاجرين في أوربا إن لم نقل كلهم من أصول أمازيغية، وبالتالي فلا علاقة لهم باللغة العربية التي لا يتقنها أصلا أهاليهم ولا يستعملونها، بل يتوارثون الحديث بالأمازيغية إلى جانب لغة البلد المضيف، ورغم ذلك فالاتفاقيات بين المغرب وفرنسا التي تقتصر على العربية دونا عن الأمازيغية تشمل كل ما يتعلق بالتعليم والثقافة، بل حتى الدين، إذ أن الدروس تلقن لأطفال الفرنسيين من أصول مغربية في المساجد بالعربية، ومن طرف معلمين يفتقدون للتكوين البيداغوجي اللازم، ولا يتقنون اللغة الفرنسية ولا اللغات الأم لهؤلاء الأطفال التي هي الأمازيغية، ومن تمة يتلقى الأطفال عربية ركيكة، وإسلام خاطىء لا يفرق بين الدين والإيديولوجيا، وينتهي بجعل أمازيغ مغاربة يعيشون في فرنسا بذهنية الشرق الأوسط، بصراعاته وإرهابه وعنفه وتخلفه، إلى درجة أن ثمة بعض المهاجرين المغاربة أكثر تشددا من المغاربة الذين يعيشون داخل وطنهم.

إنها في البداية والنهاية أزمة هوية عند عدد من المغاربة من مواطني فرنسا، وفي هذا الإطار يتبادر إلى أذهاننا تساؤل يمثل مفارقة عجيبة، حول السبب في عدم وقوع باقي المهاجرين الشباب من أصول تركية وهندية…، في براثين الإرهاب، أليس لأنهم وبكل بساطة لا يخضعون لآلة التعريب الممنهج التي تصاحبها تربية إسلامية فاشلة مستمدة من الفكر الوهابي الممول من طرف السعودية وقطر؟

إن وضع حد نهائي للإرهاب لا يمكن أن يتم بخطط أمنية فقط، لأن الموت أو الانتحار في اعتقاد هؤلاء هو الوسيلة الوحيدة للقاء الحوريات في الجنة، وبالتالي يجب أن يتم القيام بمراجعة شاملة للبرامج والإتفاقيات الثقافية بين المغرب وفرنسا وغيرها من الدول، وإلا فإن الكارثة ستتواصل والاقتصار على الحلول الأمنية يبقى مجرد دوران في حلقة مفرغة، فالمناهج الدراسية وسياسات الدولتين الفرنسية والمغربية التعليمية والإعلامية يجب أن تخضع لمراجعة شاملة تستحضر بكل ما يستدعيه الأمر من قوة، الوجه المنير للثقافة والحضارة الأمازيغيتين بشمال إفريقيا، الأمازيغية التي شكلت دوما عنوانا عريضا للتسامح والتعدد واحترام الحياة والانسان والحريات، فحتى التدين الأمازيغي لا يماثل بأي شكل من الأشكال التشدد المشرقي.

ونتأسف كثيرا لأن الساسة الفرنسيين الذين يتفاخرون بقيم ومبادئ الديمقراطية والحرية والتعدد، يدعمون ويرددون من حيث لا يدرون شعارات ومصطلحات صاغها قوميون أرثوذوكسيون عرب، من قبل «المغرب العربي» و»الوطن العربي» والإعلام العربي»، وعن وعي أو من دونه يواصلون التمكين لإيديولوجية القومية العربية الأرثوذوكسية التي تشتم «الغرب» وتدق طبول الحرب ضده بكرة وأصيلا، وللمفارقة فإننا لا نلاحظ أي فرق كبير بين خطابات كثير من القوميين العرب، وخطابات أتباع الجماعات الإرهابية، وثمة فرق بسيط فقط يتعلق بكثرة ذكر الآيات القرانية والأحاديث النبوية لدى طرف أكثر من الآخر.

إن وضع حد نهائي للإرهاب يبدأ بأن تجعل فرنسا وغيرها من الدول في صلب سياساتها الخارجية، دعم قيم الديمقراطية والحرية واحترام التعدد والاختلاف والخصوصيات الهوياتية، وتقوم بمراجعة شاملة لاتفاقياتها معه بما ينسجم مع الجذور والهوية الأمازيغية للمهاجرين، وحتى بما ينسجم حاليا مع الدستور المغربي الذي يقر منذ أربع سنوات الأمازيغية لغة رسمية للدولة وهو المستجد الذي لا زالت فرنسا متخلفة عنه.

لقد توارى إرهاب القاعدة وراء إرهاب ودموية داعش، ونقول ما قلناه، لأننا نتمنى أن لا تظهر جماعات جديدة يتوارى وراء إرهابها إجرام داعش، ليواصل العالم الدوران في حلقات مستمرة من الإرهاب تتزعمها جماعات تظهر من العدم، ما أن يقضى على إحداها بالقوة العسكرية حتى تظهر أبشع منها، لأن الأسباب بقيت دون علاج، وللأسف نرى أن الغالبية يركزون على النتائج أكثر من الأسباب.

وقديما قال الحكيم الامازيغي:

ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵓⵔ ⵉⵎⵓⵔⵔⵉⵏ
ⴰⵔ ⵉⵜⵖⴰⵍ ⵎⴰⵙⴷ ⵉⵣⴰⵖⴰⵔⵏ ⴳⴰⵏ ⵉⴷⵔⴰⵔ
Wanna ur imurrin ar itghal
masd izagharn gan idrarn

صرخة العدد 179 / نونبر – جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *