صرخة العدد 184/أبريل 2016/2966

أول ما سيلاحظه أي زائر للمواقع الاجتماعية هو حجم التذمر الهائل لدى المغاربة من الحكرة التي تطالهم في كل مكان وحين لسبب أو من غير سبب، ولعل أصعب حكرة يمكن أن يعيشها الإنسان هي تلك التي تصدر عن أبناء جلدته وعن وطنه.

إن كلامي هذا نابع مما عشته من حكرة في صغري من طرف من كان مفروضا عليه حمايتي والأخذ بيدي، ألا وهي معلمتي في الصف الأول من التعليم الابتدائي حين ولجت المدرسة دون معرفتي وتمكني من اللغة العربية، ولا حتى الدارجة، فكنت بالطبع محط استهزاء معلمتي وتلميذات القسم اللواتي لم أكن أسلم من سخريتهن في ساحة المدرسة أو أمام بابها، إلا أنه بالنسبة لي تلك الحكرة والاستهزاء والسخرية…، كلها أكسبتني مناعة قوية ضد كل مستبد حقود قهار، بل، أكثر من ذلك فقد أكسبتني قوة الملاحظة والثقة بالنفس والشجاعة في التصدي للظلم والحكرة.

والحكرة يمكن أن يعيشها أي مواطن سواء في العمل أو في الشارع العام أو في الإدارة أو غيرها من الأمكنة التي تختلف باختلاف المناسبات، ولكن لا يجب على الذين يتخذون الحكرة كسياسة كما هو الشأن بالنسبة لدولتنا أن ينسوا أن قانون نيوتن الثالث يخبرنا أن «لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه»، ولعل ذلك بالتحديد ما حدث معي وكذلك مع آخرين.

وعلى سبيل المثال فالحكرة التي كان ضحيتها الشهيد البوعزيزي هي التي فجرت الثورة في تونس وباقي دول الجوار، وكما كانت لتلك الحكرة نتيجتها التي لم تتوقعها تلك الشرطية التي اعتدت على البوعزيزي، فنفس الأمر سيقع عاجلا أو آجلا كنتيجة للحكرة التي شربت منها مي فتيحة وقبلها سعيد ومحمد وعبدالله…، وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والأساتذة المتدربين والأمازيغ المحتجين وضحايا نزع الأراضي وأهالي إميضر المعتصمين واللائحة طويلة، وحتما ستطول أكثر ما لم يعاقب كل من تجاوز صلاحياته وتعداها إلى إهانة المواطنين وتعنيفهم سواء بالعنف المادي/الجسدي أو المعنوي، وفي مقدمة كل الحكارة تأتي الدولة التي بدل أن تكون قدوة يحتذي بها المواطنين في احترام آدمية الناس وحقوقهم وكرامتهم طوعا أو بقوة القانون، نجدها تمارس أبشع أنواع الحكرة بخرقها لذلك القانون الذي من المفروض أن تسهر على حمايته وتقويته بدل العمل على إضعافه.

ولعل ذلك هو ما حدث طوال الخمس سنوات الماضية التي بدل أن نشهد فيها تطورا منطقيا ايجابيا حقوقيا وسياسيا واقتصاديا وغيره نتيجة للتعديلات الدستورية الجديدة، حدث تراجع مهول حتى بالمقارنة مع ما قبل ذلك، فالدولة لم تتردد في توظيف القمع والعنف بشكل مفرط ضد كل احتجاجات المغاربة، كما استمرت في نزع أراضي القبائل الأمازيغية رغم جور القوانين التي تقوم بموجبها بذلك، ولم تحترم مضامين الدستور في عدد من القضايا وفي مقدمتها الأمازيغية التي بدل أن تعمل على تفعيل ترسيمها، أقدمت على العكس من ذلك على التراجع عن كل ما سبق التنصيص الدستوري عليها كلغة رسمية في التعليم والإعلام ومختلف المجالات، كما استمر منع الأسماء الأمازيغية بل حتى أعطيت تعليمات شفوية لمنع إظهار العلم الأمازيغي في القنوات الرسمية…

والأدهى والأمر أننا وفي عهد الدستور الجديد قامت سلطات الرباط للمرة الثالثة برفض تسلم ملف تأسيس التجمع العالمي الأمازيغي المغرب، ورفضت منحه الوصل القانوني، وهو ما يجعلنا نتساءل عن جدوى قانون الجمعيات وكل القوانين المكتوبة ما دامت السلطات لا تحترمها وتطبق بدلا منها قانونا لا يعلمه غير العاملين في دواليبها.

للأسف إن بلدنا لازال لم يستطع القطع مع ممارسات وتجاوزات كثيرا ما يكون مردها هو مزاجية المسؤولين خاصة الأمنيين، هؤلاء الذين يضنون أنهم محميون بسلطة الدولة من العقاب، وهو ما يحول تلك السلوكات المزاجية إلى قاعدة، وهذا أمر يكتسي خطورة بالغة ويجب أن تنتبه إليه الدولة لتجد حلا ومخرجا، قد يكون قانونيا بالدرجة الأولى ولكنه كذلك أخلاقي قبل كل شيء.

وحتى مع كل التغيرات والتحولات التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة بما فيها التعديلات الدستورية الجديدة، لا زالت صورة البلاد في الخارج لا تسر ناظرا، ولعل معالجة ما أوردناه أعلاه هو المدخل لكي تحسن دولتنا صورتها أمام مواطنيها أولا وأمام شعوب العالم ثانيا، وهي الصورة التي تخدش وتمرغ في تراب التقارير الحقوقية في كل مرة بسبب عدد من مريضي النفوس وبسبب سياسة باطنة تنهجها الدولة نفسها، وتتعلق أساسا كما سبق وأسلفنا بعدم احترام القوانين المكتوبة والعمل وفق قاعدة التعليمات الفوقية التي لا تستند إلى أي أساس ما عدا مزاجية الدولة أو مسؤوليها الذين يجتهد بعضهم في خرق القوانين بشكل يفوق بكثير التعليمات التي تعطى له.

ومع ذلك فإن وصلت دولتنا متأخرة سيكون خيرا لها ولنا من أن لا تصل أبدا، ونرى أن أمام المسؤولين قليل من الوقت لكي يسارعوا إلى وضع حد للحكرة بمختلف أشكالها، وتكريس احترام القانون وجعل هذا الأخير منسجما مع ما ورد في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولعل البداية تكون بالعمل على إدراج مواد حقوق الإنسان والتربية على احترام القانون المكتوب في أدبيات ومراجع مدارس تكوين الأمنيين والإداريين حتى يعوا مدى أهمية ذلك في ترسيخ السلم الاجتماعي وتعزيز الاستقرار والحفاظ على الأمن.

وبالإضافة إلى ذلك على الدولة أن تعيد صياغة قوانينها وفق تأويل ديمقراطي للدستور الجديد، هذا الأخير الذي نص على قيم التعددية واحترام حق الاختلاف والإنصاف والمناصفة والمساواة والحداثة والديمقراطية…، ودروس الديمقراطية كما تجسيدها على أرض الواقع يجب أن يبدأ من الدولة والمسؤولين أنفسهم، هؤلاء الدين وجب عليهم استيعاب فكرة كون الشعوب لا يمكن أن تتطور وتتقدم ما لم تتغير سلوكات القائمين على أمورها في شتى الإدارات والمؤسسات اتجاه المواطنين واتجاه بعضهم البعض.

إن غرضنا من كل ما سبق ليس تعزيز الحقد ضد كل أولئك الذين تجاوزوا حدودهم من مسؤولين أمنيين وإدرايين وسياسيين ومربين بين قوسين، بل الغرض منه هو التحسيس بأهمية احترام مضامين الدستور على نواقصها، وتكريس حقوق الإنسان طبقا للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والتزم بمضامينها في الدستور الحالي وعيا بضرورة ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لدى المسؤولين قبل المواطنين وبلورتها في مضامين القوانين.

كل ذلك لرد الاعتبار للإنسية المغربية والمواطنة الحقة ووضع حد للإقصاء والحكرة، إلى جانب العمل على سيادة روح الانفتاح وقيم التسامح والتعايش بين المواطنين بكل فئاتهم ومع الدولة، بهدف إشراك المواطن في كل القضايا المرتبطة بوطنه لا تجييشه عند الحاجة وتهميشه عند غياب حاجة الدولة إليه وقمعه حين تكون لديه حاجة إلى الدولة.

وقديما قال الحكيم الامازيغي:

ⴰⴳⴳⵯⵔⵏ ⵏⵏⴽ ⵓⵔⵜ ⴰⵏⵏⴰⵢⵖ
ⴰⴳⴳⵓ ⵏⵏⴽ ⵉⵙⴷⵔⵖⵍⵉⵢ

صرخة العدد 184 / أبريل – جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *