تتميز الحركة الأمازيغية باختلاف الرؤى والتصورات والأفكار وتعدد الإطارات، وهو الأمر الذي قد يظهر لبعض المهتمين المتواجدين خارجها بأن كل إطار من تنظيماتها يشتغل وفق تصوره الخاص ويختلف عن غيره ربما إلى درجة التناقض أحيانا، ولكن توالي الأحداث ومرور السنوات يؤشر دوما إلى حقيقة ثابتة مفادها أن إطارات الحركة الأمازيغية مهما وصلت إلى درجات الاختلاف إلا أنها تتقاسم وحدة الهدف وتشتغل وفق نفس التصور الذي يضع كغاية أساسية له خدمة القضية الأمازيغية.
وما نتوخى تناوله هنا هو سبل الوصول إلى فعل أمازيغي مشترك على المستوى الميداني، وتنسيق الجهود بين مكونات الحركة الأمازيغية مع احترام ذلك الاختلاف في الرؤى والتصورات والأفكار الذي يجب النظر إليه كعنصر غنى، ولعل تناولنا لهذا الموضوع يأتي في إطار التفاعل مع المناضلين الأمازيغ الذين ما انفكوا ينظمون سلسلة من الأنشطة واللقاءات تروم البحث في الخلل والأسباب الكامنة وراء غياب التأثير الأمازيغي المتوخى من قبل هؤلاء المناضلين في الشارع السياسي، وذلك على الرغم من كل المساعي النضالية الأمازيغية الجبارة والمستمرة على مدى عقود.
إن الخلل الكامن في العمل الأمازيغي يجعل القرارات السياسية المتخذة من قبل الأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان وباقي مؤسسات الدولة، دون مستوى التطلعات ومن أجل وضع إستراتيجية للتحرر نهائيا من التهميش والإقصاء، والعقلية المحافظة العروبية، التي لا تمت بصلة للعقلية الأمازيغية الحداثية، فإننا لابد أن نؤكد على أن تطوير الحركة الأمازيغية لأدواتها التنظيمية وتجديد آليات اشتغالها أمر ملح وضروري، وفي هذا الباب نرى أن الخطاب الأمازيغي يجب أن يتوخى الوصول إلى درجة الخطاب القومي المترفع عن الضغائن والصغائر والاختلافات المصطنعة والحدود الاستعمارية، وأما في الجانب التنظيمي فالانتقال من التنظيمات الجمعوية المدنية إلى تنظيمات سياسية هو قضية طالما عبرنا عن مساندتنا لها بغض النظر عن انخراطنا فيها من عدمه.
وإذا كانت كل الخطوات الأمازيغية في اتجاه تطوير العمل الأمازيغي وتوسيعه ليشمل العمل السياسي محمودة، إلا أن لدينا وجهات نظر في هذا الباب، إذ لا يمكن لأي عمل أمازيغي أن يكتب له النجاح ما لم يراعي مرجعية الحركة الأمازيغية المتمثلة في المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان والشعوب، ويراعي الاعتبارات الثقافية واللغوية، ويحترم القيم الأمازيغية ومبادئ الديمقراطية، ويراعي التشاركية وتوزيع الأدوار ويتوخى اختصار الطريق وتوفير الجهد والوقت.
وارتباطا بما سبق فمن الجدير أن نذكر ميثاق تامزغا، الذي طرحه التجمع العالمي الأمازيغي كمشروع جامع ومتكامل، من أجل كونفدرالية ديمقراطية واجتماعية عابرة للحدود، مبنية على الحق في الحكم الذاتي للجهات، وهو المشروع الذي اعتمد من طرف “التجمع العالمي الأمازيغي” المجتمع في الملتقى العام ببروكسيل في شهر دجنبر من سنة 2011، والذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر السابع لأمازيغ العالم بتيزنيت في دجنبر 2013، كما أعيد التصويت عليه في مؤتمر إفران أواخر نونبر 2015.
إن أي مؤمن بالحركة الأمازيغية كفاعل وليس كمفعول به، وكل من يعتبرها بمثابة امتداد واستمرارية للمقاومة وجيش التحرير، لابد أن يعتبر أن السبيل الأمثل لبلورة المشروع الأمازيغي، يمر بالضرورة عبر الانخراط وفق إستراتيجية أمازيغية في مؤسسات الدولة وتبني التغيير التدريجي، مع ربط تقييم أي عمل أمازيغي بالنتائج التي يحققها، فأي آلية تنظيمية تمكن الأمازيغ من الوصول إلى مربع السلطة لإحداث التغيير المنشود هي آلية مطلوبة، والوصول إلى الحكم يجب أن يوضع ضمن أهداف العمل النضالي الأمازيغي، ويمكن السعي إلى ذلك مرحليا إما عبر الانخراط في التنظيمات السياسية القائمة، أو تأسيس تنظيمات جديدة كما فعل مؤسسوا “تامونت”، أو العمل على اندماج عدة أحزاب مع التيار الأمازيغي المؤمن بالإنخراط في العمل السياسي وهي تجربة سبق وأن ساهم التجمع العالمي الأمازيغي سنة 2011 في انطلاقها، ولولا العراقيل التي وضعت في طريقها حينها لكان للأمازيغ اليوم موقعهم في الساحة السياسية.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
Tanna d yiwi baba inigh-as lalla !
ⵜⴰⵏⵏⴰ ⴷ ⵢⵉⵡⵉ ⴱⴰⴱⴰ ⵉⵏⵉⵖ-ⴰⵙ ⵍⴰⵍⵍⴰ !
صرخة العدد 185 / ماي – جريدة العالم الأمازيغي