خضنا في السنوات الخمس الماضية معارك كبرى وبذلنا الجهد الجهيد من أجل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وطي ملف الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بشكل منصف ونهائي، ولكن النتيجة التي نراها ماثلة أمامنا اليوم تدفعنا لطرح تساؤلات مرتبطة بالحركة الأمازيغية، خاصة ما يتعلق بمدى وحدود تأثير تلك الحركة وطبيعة عملها.
قامت الحركة الأمازيغية طيلة الخمس سنوات الماضية بالعديد من المبادرات من أجل تفعيل رسمية الأمازيغية، بدءا بالأنشطة المكثفة المنظمة من طرف إطاراتها، مرورا بمبادرة التفعيل الشعبي لرسمية الأمازيغية التي تضمنت التواصل مع مؤسسات الدولة التي جرت محاولات لدفعها من أجل الإنسجام مع مضامين الدستور المغربي فيما يخص الأمازيغية، وانتهاء بمراسلة المؤسسة الملكية من طرفنا في شهر أكتوبر من السنة الماضية في موضوع الجهة التي ستخول لها صياغة القانون التنظيمي للأمازيغية، وطلبنا بعد تماطل الحكومة على مدى أربع سنوات أن تكون لجنة ملكية درءا لأي حسابات حزبية سياسية ضيقة قد تفرغ ترسيم الأمازيغية من محتواه.
لكن مع كامل الأسف، نرى النتيجة التي وصلنا إليها بعد تلك السنوات العجاف محبطة جدا، وكأن الحركة الأمازيغية كانت تصب الماء على الرمل، فسياسيونا الذين أثاروا الزوابع في الفناجين حول مسائل أقل أهمية كالنفايات الإيطالية أو «زيرو ميكا» مؤخرا، لم يلقوا بالا للأمازيغية، فلا مؤسسات الدولة اكترثت، ولا الأحزاب اهتمت، بل أكثر من ذلك كله حدثت تراجعات حتى في مسلسل إدماج الأمازيغية الذي انطلق مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001، ومع ذلك فلا زال البعض من سياسيينا يرددون بلا خجل أو وجل كون الأمازيغية مسؤولية وطنية وقضية تهم كل المغاربة، رغم أننا في السنوات الماضية من حياة هذه الحكومة لم نعش وطنية مع نواب الأمة بأغلبيتهم ومعارضتهم أو نلمس مسؤولية في حكومتنا وتبث أن كل أقوالهم حول الأمازيغية كانت مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي لم يترجم أبدا على أرض الواقع بقرارات وخطوات سياسية حتى بعد شرعنة الدستور قانونيا للأمازيغية بترسيمها.
ولكن مع ذلك، لا يستقيم أن نتوجه فيما حدث باللوم لمؤسسات الدولة والأحزاب السياسية فقط لأن الحركة الأمازيغية بدورها تتحمل مسؤولية غير يسيرة فيما حدث، فالأمازيغ الذين يخرجون مناسباتيا في قضايا ثانوية ويثيرون ضجة إعلامية وينظمون احتجاجات حولها مثلما هو الشأن فيما يتعلق بعنصرية «أبو زيد» أو تصريحات «الفيزازي» وغيرهما، لا نراهم يهبون بنفس القوة حين يتعلق الأمر بقضاياهم الإستراتيجية بما فيها كل ما يرتبط بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وحتى لو كان الأمر هو التراجع عن تدريس الأمازيغية.
لقد تبث أن الحركة الأمازيغية تتأخر كثيرا في الانسجام مع المتغيرات واستيعاب المبادرات في سياقاتها المناسبة، وحتى لو استوعبتها فلا تتفاعل معها أبدا على النحو المطلوب، مثلما حدث مع العمل الاستباقي لمنع إجراء إحصاء رسمي خارج المعايير الأممية الذي أضر لاحقا بالأمازيغ، أو التفاعل مع مبادرة التفعيل الشعبي لرسمية الأمازيغية أو العمل من أجل إحداث لجنة ملكية توكل إليها مهمة صياغة قانون الأمازيغية حين قمنا بالدعوة إلى ذلك قبل سنة، وحتى التفاعل مع كل الاحتجاجات التي تهم أولويات العمل الأمازيغي.
ثمة خلل واضح، ولا يمكن التغاضي عن كون الخمس سنوات الماضية كشفت على نحو جلي أن الحركة الأمازيغية تتفاعل وتهب من أجل ما هو ذاتي لحظي أكثر من ما هو قومي استراتيجي، وهذا خلل كبير في الفعل الأمازيغي وجبت معالجته مستقبلا عن طريق تعزيز الحس القومي الغائب والمغيب، والموازنة بين المصلحة القومية الإستراتيجية وما هو ذاتي مقتصر على الحركة داخليا، طبعا مع الثبات الدائم على أولويات وأهداف كبرى يستمر العمل من أجلها في كل وقت وحين.
لقد وجب الانتقال إلى نضال النتائج، ولا يصح أن نستمر بالدوران في حلقة مفرغة ونبذل الجهد من دون تحقيق أي شئ، والسنوات الماضية تفرض على الحركة الأمازيغية أن تتوقف من أجل التقاط الأنفاس، وتشخيص مكامن الخلل لمعالجته، فإدراك الداء نصف الدواء.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
Nnk Ur agh ttighzangh ar imal
ⵏⵏⴽ ⵓⵔ ⴰⵖ ⵜⵜⵉⵖⵣⴰⵏⵖ ⴰⵔ ⵉⵎⴰⵍ
صرخة العدد 187 / يوليوز – جريدة العالم الأمازيغي
اتمنى ترجمة المثل الأمازيغية في آخر المقال إلى اللغة العربية