على مدى أسبوع ظلت المواقع الإلكترونية والاجتماعية تحفل بأخبار تخليد رأس السنة الأمازيغية الجديدة والاحتفالات التي نظمت ترحيبا بها على طول المغرب وعرضه بالمدن والقرى، وهي الاحتفالات التي نظمتها بعض الأحزاب بالإضافة إلى العشرات من الجمعيات وشارك فيها آلاف النشطاء إلى جانب المواطنين، ولعل الملاحظة البارزة ارتباطا بذلك هي تزايد الوعي عند المغاربة عامة خصوصا وعيهم بهويتهم الذي يتجسد من خلال حجم وعدد الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية عبر كل ربوع الوطن.
وإن كنا نستبشر خيرا بهذا المد الواسع للوعي الأمازيغي إلا أننا وبالمقابل نرى أن هذا ،”إييض ن يناير” المرتبط بالوعي البارز من خلال الاحتفال لا يقابله الوعي بالدفاع عن الهوية الأمازيغية والترافع عليها، وأجرأة دسترتها من طرف هؤلاء المواطنين أنفسهم المحتفلون بالسنة الأمازيغية، وذلك ما يدفعنا للتساؤل إن كنا لا نقتصر بإفراط على استحضار الأمازيغية إلا في مناسبة السنة الأمازيغية أو ذكرى خطاب أجدير أو ذكرى ترسيم الأمازيغية في دستور فاتح يوليوز 2011، وذلك يتم من طرف الأمازيغ أنفسهم، ولعل ما ينطبق على السنة الأمازيغية يقع كذلك مع الأمازيغية في الانتخابات، فهل هويتنا وتاريخنا ولغتنا لا تستحق منا الاحتفال بها ومن خلالها على نحو يومي باقتراح مبادرات ميدانية، و بتوعية عموم المواطنين بها في الشوارع العامة…، وكذلك تفعيلها وأجرأة ترسيمها في الإدارات العمومية؟؟؟ لقد مرت الآن خمس سنوات منذ دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد وطوال تلك الأعوام ظللنا نجوب البلاد، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، للحيلولة دون الالتفاف الحاصل حاليا حول إقرار حقيقي لحقوق الأمازيغ، ونتيه حين محاولة عد عدد المبادرات التي قمنا بها في سبيل ذلك، ولا يحز في أنفسنا في غمرة تلك الانشغالات النضالية المتواصلة إلا الغياب التام والملاحظ من قبلنا للمقتصرين على ربط الأمازيغية بالإحتفال عن العمل الجماعي الميداني للنهوض بثقافتنا ولغتنا على مدى الإثنا عشر شهرا من كل سنة، قبل أن يظهروا لينظموا احتفالات يكون نصيب الأمازيغية من بعضها هو تكريس النظرة الدونية لها باعتبارها مجرد فلكلور يستمتع به في الحفلات والمناسبات الموسمية وفقط.
الاحتفال مطلوب ومرغوب وضروري ولكن يجب كذلك أن يوازيه العمل من أجل رفع التمييز الذي ما زال مستمرا ضد الأمازيغية في كل المجالات، بعد سنوات على الترسيم الذي لا زال تفعيله رهينا بمصادقة البرلمان على القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل الخامس من الدستور، وهنا تحضر الحاجة للكم الهائل من الجمعيات والنشطاء الذين ينظمون مشكورين تلك الاحتفالات والمهرجانات السالفة الذكر، لأنه حتى مع كون الأمازيغية رسمية فدور الدولة في النهوض بلغة وثقافة ملايين الأمازيغ ظل غائبا كما هو الحال قبل التعديلات الدستورية الجديدة، ما يجعل دور المجتمع المدني يكتسي حاجة ماسة خاصة مع تقاعس الأحزاب السياسية عن القيام بالواجبات المنوطة بها وفق المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الفصل الخامس والفصل 86 من الدستور.
الأحزاب السياسية السالفة الذكر، رغم أن خلد بعضها السنة الأمازيغية كل بطريقته إلى جانب تواجد أمازيغ على رأس الأمانة العامة لأهمها، التزمت الصمت والتواطئ كموقف سياسي ضد الأمازيغية، فطوال السنوات الماضية وبدل أن تقدم على مبادرات وتتخذ قرارات من موقع المسؤولية التي تتحملها في الحكومة أو البرلمان، ظلت تتصرف كجمعيات صغيرة خارج مؤسسات الدولة لا حول لها ولا قوة، في حين أنها مسؤولة تماما عن التمييز الذي استمر لسنوات أخرى وتعمدت التقاعس ولا زالت.
إن الأمازيغية تبقى محتاجة وبشدة أكثر من ذي قبل لأن تنكب الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني على توعية وتأطير المواطنين كل في مجال اشتغاله، ولا يجب أن نبخس العمل الجمعوي أو ننسى ما له من فضل كبير في كل المكاسب التي تحققت للأمازيغية رغم النواقص الحاصلة، فمن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام وانتهاء بترسيم الأمازيغية في الدستور…، كل ذلك بفضل عمل نشطاء المجتمع المدني الأمازيغي والجمعيات الأمازيغية الفاعلة، ولعل ما يقوي الفعل الأمازيغي المدني هو ذلك الأمل الذي لا ينقطع في الشعب الأمازيغي والذي تثبته الأبحاث العلمية، فحتى في بلدان تقل فيها جدا نسبة الناطقين بالأمازيغية كتونس ومصر أثبتت عدة أبحاث أن شعب البلدين أمازيغي كما هو شأن الخريطة البشرية والتحاليل العلمية التي نشرها موقع “ناشيونال جيو غرافيك”، والتي أكدت أن أغلب التونسيين والمصريين ليسوا عرباً، إذ لم يشكل العرب في تونس سوى % 4 فقط من السكان، بينما الغالبية الساحقة أي % 88 أمازيغ، في حين أشارت تحليلات ال”دي إن إيه” إلى أن % 68 من المصريين من أصول أمازيغية وشمال افريقية، وأن % 17 منهم فقط من أصول عربية. هذا بشان تونس ومصر أما بخصوص المغرب فكون الشعب أمازيغي حقيقة واقعية بحكم أن غالبيته لا زال يتحدث الأمازيغية رغم تعريب جزء كبير منه.
بهذا المعنى وإذا كان الجميع أمازيغيا، فالسر بلا شك وراء كل هذا التمييز والتهميش الذي تلقاه الأمازيغية وأصل الداء يكمن في السياسات والأيديولوجيات المستورد من الشرق والتي ظلت سائدة لعقود في المغرب بإمكانيات الدولة كما غلفت بالكثير من الخوف والإستكان للإقصاء، وكره وجلد الذات من طرف الأمازيغ أنفسهم، ما جعل الكثيرين منهم في نهاية الأمر يلعبون دور المتسلط والناصر للغير على حساب ثقافته وذويه ولعل ذلك ما يفسر تقاعس أولئك السياسيين الأمازيغ عن نصرة أمازيغيتهم لنصبح عليهم يلعبون دور المرتزقة سياسيا لحساب غيرهم.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵜⵏⵏⴰ ⵜⵢⴰⵣⵉⵜ ⵉ ⵜⴰⵔⵡⴰ ⵏⵏⵙ ⵙⴼⵔⵙⴰⵜ ⴰⵖⵏⴱⵓ
ⵀⴰⵏ ⵎⴰⵜⵓⵏ ⵓⵔ ⴷⴰⵔⵙ ⵉⵍⵍⵉ ⴱⵓⴱⵓ
TNNA TYAZIT I TARWA NNS SFRSAT AGHNBU
HAN MATUN UR DARS ILLI BUBU
صرخة العدد 192 / يناير – جريدة العالم الأمازيغي