إن عودة المغرب إلى تعزيز حضوره وسط دول القارة الإفريقية لا تستقيم دون استحضار فشل ارتباطه وتبعيته قبل ذلك للمشرق العربي وإيديولوجياته ودوله…، وهو ما انعكس سلبا على موقعه في القارة السمراء التي ظل بعيدا عن الاستثمار فيها بما يعود بالنفع عليه شعبا ودولة تاركا المجال لدول أخرى لتستفيد من ثروات القارة وتعزز حضورها الاقتصادي والثقافي والسياسي فيها، ولم يقتصر هذا الغياب عن إفريقيا على السياسة الخارجية للدولة بل تعداه إلى سياستها الداخلية التي ظلت محكومة بإيديولوجية مشرقية تحتقر وتنتقص من قيمة كل ما هو أمازيغي وطني إفريقي وترفع من مكانة كل ما هو عربي مشرقي أسيوي وافد، بغض النظر عن ما إن كان يصب في مصلحة البلاد أم لا.
وهكذا ظل المغرب وقود حرب من جهة وضحية لطموحات أتباع الفكر المشرقي البعثي والإسلامي السياسي من جهة اخرى، كما لم يسلم نظامه بل حتى شعبه من شرور ذلك الفكر المتطرف والإقصائي، وأثر في سياساته الداخلية وتوجهاته الخارجية، فتعريب التعليم مثلا أدى إلى إنتاج أجيال من المواطنين الفاشلين دراسيا الذين يحصلون على شواهد دون أن يتمكنوا من استيعاب المعارف والعلوم المرتبطة بها، وتم تجاهل كل توصيات المؤسسات الدولية فيما يرتبط باللغة الأم « الإفريقية الأمازيغية» ، للمغاربة لأسباب إيديولوجية غير مرتبطة بالعلم والمصلحة الوطنية.
والتعليم قدمناه كنموذج فقط أما لو مررنا إلى الإعلام فحدث و لا حرج، إذ سنجد أنه ليس أحسن حالا فمشاكل الشرق الأوسط والقضايا العربية التي ظل إعلامنا ينفخ فيها لم تؤدي بالمغاربة إلا إلى الإستيلاب والانخراط في مشاكل لا علاقة لهم بها بل وصلت ببعضهم إلى درجة الانغماس الكلي في الإرهاب العالمي واستراتيجية الثورة الإشتراكية العربية البعثية التي أدت إلى هندسة الإنقلابات على نظام الحكم سابقا،.
وإن كانت الدولة تنبهت مؤخرا إلى أهمية تغيير مناهج التربية الدينية فإنها لا زالت بعيدة كل البعد عن تغيير مناهج التاريخ واللغة العربية وغيرها مع تعزيز حضور الأمازيغية في التعليم والإعلام ليس كلغة فقط وإنما كثقافة وتاريخ وحضارة، هذا إلى جانب الانفتاح على ما تزخر به القارة الإفريقية من حضارات وحتى تجارب يمكن الاستفادة منها في معالجة وتدبير الكثير من القضايا.
وفي هذا الإطار، بالذات، أي الاستفادة من إفريقيا، على المغرب أن يبني سياساته التعليمية والإعلامية ويكون أطر الدولة وفق التوجه الجديد لها، وبما ينسجم مع الموقع المستجد للأمازيغية في الدستور، نظرا لكون العقلية التمييزية، التي تحتقر ذوي البشرة السوداء والانتماء الإفريقي الذي يأتي بالنسبة لها في مرتبة دونية بعد الانتماء العربي أو حتى الأوروبي، لا زالت تعشعش في أذهان بعض فئات المواطنين والكثير من المسؤولين وأكبر دليل على ذلك هو التصريح الأخير للسيد عبد الإله بنكيران حول الزيارة الملكية لبلدان القارة، وهذا أمر طبيعي نظرا لكون عقلية احتقار الإفريقي ترسخت في الأذهان عبر سياسات تعليمية وإعلامية نفذت بوسائل وإمكانيات كبيرة للدولة لسنين عديدة، مما يقتضي سياسات مغايرة كليا وبنفس الوسائل والإمكانيات للتخلص منها.
المغرب بلد إفريقي، وكان دائما كذلك وسيبقى، ونتمنى أن لا تختزل الدولة التوجه نحو إفريقيا فقط في عودتها إلى الانخراط مجددا بمنظمة الدول الإفريقية، بل يجب أن تستوعب مختلف مؤسساتها الخطاب الملكي، وتربط ذلك الانخراط بتغيير شامل في التوجهات والسياسات الداخلية والخارجية لإبراز الانتماء الحقيقي للبلاد. ونحن إذ نتفاءل بكون المغرب لم يعد رهينة لإتحاد مغاربي فاشل مبني على أسس قومية عروبية تمييزية، فإننا نتطلع إلى إفريقيا جامعة لكل مواطنيها في احترام تام لتعدديتها اللغوية والثقافية وبنية مجتمعاتها القبلية والجهوية، في أفق تبني واستيعاب مشروع الدولة الديمقراطية الفيدرالية في كل دول المنطقة ولما لا القارة كما عبرنا عنه في «ميثاق تمازغا من أجل كونفدرالية ديمقراطية واجتماعية عابرة للحدود»، الذي لا يتنافى في جوهره وفلسفته مع الخطاب التاريخي لجلالة الملك الذي ألقاه بمناسبة زيارته لمنظمة الاتحاد الإفريقي، إذ حان الوقت لقطع الأسيجة وفتح الحدود بين بلدان وشعوب القارة الإفريقية.
وقبل هذا وذاك فالمغرب مطالب بأن يعي أنه ليس دولة عربية تتواجد بآسيا وترتبط بإفريقيا جغرافيا فقط، بل إنه دولة إفريقية قلبا وقالبا.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵍⵉ ⴳ ⵓⴽⴰⴱⴰⵔ, ⵜⴰⵊⵊⵜ ⵜⵉⵟ ⵏⵏⴽ ⵅⴼ ⵓⵍⵖⵎ
Ili g ukabar, tajjt tiTt nnk xf ulghm
صرخة العدد 193 / فبراير – جريدة العالم الأمازيغي