أمينة، حنان، فاطمة الزهراء…، اختلفت الأسماء لكن الثابت بينهن هو واقعة الاغتصاب التي كانت كل واحدة منهن ضحية لها، قصصهن تدمي القلب، تساءل الضمير وتطرح إشكاليات أخلاقية مجتمعية وقانونية.
كتب لبعضهن من اللواتي ذكرنا أسماءهن البوح بالمحظور، وكان ذلك يوم الاحتفال بالعيد الأممي للمرأة حين نظم اتحاد العمل النسائي محاكمة رمزية لظاهرة الاغتصاب، محاكمة كان كل شئ فيها رمزي من القضاء الواقف إلى القضاء الجالس بما في ذلك الدفاع، إلا أن الواقع المر في تلك المحكمة جسدته ئلك الفتيات اللواتي قدمن شهادات صادمة، تلك الشهادات التي تختلف فيها حكاية كل واحدة منهن بإختلاف ظروفهن، غير أن القاسم المشترك بينهن جميعا يتمثل في كونهن فتيات قاصرات، فتيات ينحدرن من أسر فقيرة غادرنا أقسام الدراسة في سن مبكرة، ليتحولن إلى ضحايا مرة ثم مرات.
فتيات قادهن سوء حظهن إلى جانب ظروف معيشية ومجتمعية لا مسؤولية لهن فيها للتعرض للإنتهاك الجسدي، ثم الانتهاك القانوني بعد أن حرمهن مسؤولين أمنيين وقضائيين مرتشين من العدالة.
فتيات قاسمهن المشترك مرة أخرى أنهن إلى حدود الآن لم ينصفن بسبب العقلية الذكورية الغالبة في المحاكم وإدارات الأمن والدرك…، لم ينصفن بسبب القوانين التي يستغلها الجناة والثغرات التي تترك المجال للرشوة والمحسوبية والترهيب والترغيب…، لم ينصفن لأنهن نساء مغربيات حسبن في أنفسهن أن بلدهن قطع مع الظلم والتمييز ضد المرأة بقوة الدستور الجديد الذي جاء حاملا مشعل المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة.
هن نساء آمن بالقوانين المكافحة للعنف ضد المرأة، وكان من المفروض أن يحميهن القانون الجنائي، هن ببساطة نساء آمن بعهد جديد وصدمن فيه.
حكايات مؤلمة كثيرة تأتي على ذكرها ألسن النساء حيثما توفرت لهن الفرصة بعيدا عن منطق «عيب وحشومة»، وفي الفضاءات التي لا يكون فيها للمجتمع الذي يدين المرأة أي سلطة، ولكن ثمة ما هو أبشع من حكايات النساء اللواتي قادتهن الأقدار إلى السقوط في براثن الاغتصاب وإجرام الذكور، ألا وهو تلك الإحصائيات التي تنشرها المنظمات والجمعيات المهتمة بقضايا المرأة، وهي إحصائيات تنبث أننا في مجتمع بعيد كل البعد ليس فقط عن استيعاب قضية المساواة بين الرجل والمرأة، بل عن «المسؤولية »، مجتمع غير سوي ولا مسؤول بتاتا، يحتفل في كل سنة بأرقام مهولة من النساء كضحايا لإجرام الرجال، بين أمهات عازبات أو مغتصبات أو فاقدات لما لا يزال يعتبر في عرف المجتمع رمزا «للشرف».
هذا ناهيكم عن الأرقام المخيفة للأطفال المتخلى عنهم الذين ينجمون عن اللامسؤولية التي يعاني منها مجتمعنا، فالأرقام مهولة إذ أن حوالي 500 ألف طفل مغربي ولدوا خارج مؤسسة الزواج بين سنتي 2003 و 2009 بالمغرب حسب إحصائيات الجمعيات التي تشتغل في مجال الأمهات العازبات، وهي الجمعيات التي تفيد إحصائياتها كذلك بأن الأطفال المتخلى عنهم يوميا في المغرب يبلغ 100 رضيع كل يوم !!!
أرقام صادمة لأطفال تخلى أباؤهم الرجال عنهم وعن أمهاتهم، ولو أضفنا إلى تلك الأرقام عدد النساء ضحايا الاغتصاب ومن ثمة عدد النساء اللواتي يتعرضن لانتهاكات من أنواع أخرى فسوف لن نبالغ إن قلنا أننا في دولة ومجتمع مرعب للمرأة، مجتمع غير مسؤول ويعاني من شتى الأمراض والظواهر المخجلة.
بعيدا عن الأضواء، وبعيدا عن سطح المجتمع، وخلف المظاهر، ثمة إجرام بحق النساء يستمر في الحدوث، نساء لا يجدن من ينصفهن لينزوين في زوايا مظلمة، محكوم عليهن بعيش مرارة الضياع أو المعاناة، من أجل تحمل مسؤولية طفل، أو هربا من بيت عائلة لا تتفهم…، في دولة لا زالت قوانينها بعيدة كل البعد عن ردع الجناة، ومعالجة أسباب الظواهر الإجتماعية، لتتفاقم مع مرور كل يوم معاناة النساء ومعها تتفاقم تلك الظواهر الإجتماعية.
التي تهدد مستقبل الشعب، شعب سيعد قريبا ضحاياه من النساء والأطفال المتخلى عنهم بالملايين.
ويقول الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵇⵙ ⵉⵖⵉⵔⴹⵎ, ⵉⵛ ⵉⴳⵍⴳⵉⵣ ⵜⴰⴽⵓⵔⴰⵢⵜ
iqs ighirdm, ich iglgiz takurayt
صرخة العدد 194 / مارس – جريدة العالم الأمازيغي