نعيش هذه الأيام حدثين هامين، الأول يتعلق بتقديم مشروع رقم 04 / 20، يخص بطاقة التعريف الوطنية، والذي بدأ التداول في بنوده ومضامينه في البرلمان، فانطلق النقاش فيه داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب تحديدا. هذا المشروع اقترح العديد من المقتضيات بشأن تغيير البطاقة الوطنية للمغاربة، لكن الثقب أو الخلل القاتل يكمن في كون المشروع أقصى اللغة الامازيغية وحروفها الأصلية «تيفيناغ» من الكتابة بها على البطاقة الوطنية.
وحتى نكون منسجمين مع قناعاتنا المبدئية، ومع الدستور المغربي الذي نص على رسمية الأمازيغية منذ سنة 2011، فقد طالبنا بمعية رفقائنا في النضال عبر رسائل وبيانات وعرائض توجهنا بها إلى نواب الأمة الممثلين والفرق البرلمانية، وإلى اللجنة المكلفة بمناقشة المشروع، قدمنا من خلال هذه الرسائل والعرائض مقترحاتنا لإدراج اللغة الامازيغية بحروفها تيفيناغ في بطاقة هوية المغاربة، لتكون بالفعل بطاقة تمثل كل المواطنات والمواطنين، وتكون أيضا بطاقة هوية حقيقية، يجد فيها المغاربة ذواتهم، وتعكس فعلا الشخصية المغربية بتنوعها الثقافي واللغوي الذي ميزها منذ الأزل.
الحدث الثاني، مرتبط بوزيري حزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد وزميله في الحزب وفي الحكومة محمد أمكراز، الذين أقاما الدنيا ولم يقعداها، وأصبحا حديثا الجميع، لما لهما من ارتباط وثيق بمنصبين وزاريين من جهة، ومن جهة أخرى لارتباطهما بحياة المواطنين المدنية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والمهنية.
إنهما الوزيران، الذين اكتشف الرأي العام الوطني تهربهما من التصريح بمشغليهما لدى مصالح الضمان الاجتماعي. طبعا الفعل ليس بحدث عادي كما يروج لذلك بعض عديمي المسؤولية الأخلاقية والسياسية، لأن مصطفى الرميد لم يصرح بكاتبته في سجل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي اشتغلت معه لأكثر من عقدين من الزمن بحجة أنها ترفض التصريح بنفسها، بصفته كمحامي بل بصفته وزير دولة مكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان، بل الأكثر من ذالك ولتغطية الخطأ الذي اقترفه، زاد الطين بلة، عندما أمر والد المرحومة بالتصديق على ورقة يعترف من خلالها الأب المكلوم على أن مصدر المشكل ليس معالي الوزير بل ابنته. إن الوزير عبر ذات الورقة يكون قد ارتكب جرمين، الأول يدخل في إطار قانون الشغل وهي الاعتراف بعدم تسجيل مشغلته لدى المصالح الاجتماعية،
والجرم الثاني أخلاقي لأنه سمح لنفسه من جهة بتشويه سمعة مشغلته وهي في الحياة الأ خرى ليس لها امكانية الدفاع عن نفسها ومن جهة أخرى بإذلال أب حزين على ابنته لا حول له ولا قوة. الجريمتان في حقيقة الأمر تستوجبان ترتيب الجزاء، لأنهما صادرتان عمن يفترض فيه أنه يسهر على تطبيق القانون، صادرتان عن وزير ومحامي وسياسي يتخذ الدين وشرع الله غطاءا لممارساته السياسوية وهو الحارس الأمين على حقوق الانسان، بالنظر إلى منصبه.
محمد أمكراز، وزير التشغيل والادماج المهني، هو الوزير الثاني، الذي ارتكب بدوره جرم عدم التصريح بموظفيه أو مشغليه، وهو الحارس الامين «يا حسرا» على حقوق العمال والموظفين، أكثر من هذا وذاك، إنه رئيس المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. إنه خرق القانون في المستوى الأول بعدم التصريح بمشغليه إلا في يوم 19 يونيو الجاري، بعد افتضاح زميله الرميد. وخرق القانون على مستوى آخر، لأن القانون المنظم لصندوق الضمان الاجتماعي، خاصة مادته السابعة، تنص على انه يمنع على أي شخص العضوية في المجلس الإداري، وبالأحرى رئاسته، إذا كان في وضعية غير قانونية مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أما وأنه وزير على القطاع، فإنها أم المهازل، وتستوجب العقاب مع ظروف التشديد.
سيقول قائل، ماهي العلاقة التي تجمع بين الحدثين؟.
الجواب بسيط جدا وعميق في آن واحد، ذلك أننا في وطننا هذا، يبقى الجدل قائما والسؤال مطروحا حول الثقة في المؤسسات وفي المسؤولين. والنتيجة التي يمكن الخروج بها هي أنه لا شرعية أخلاقية لمثل هؤلاء، خاصة إن كنا نراهن فعلا على مغرب متقدم حاضن لكل أبنائه وبناته.
ومادامت هذه النماذج هي التي تشكل الاغلبية في الحكومة وفي البرلمان، فإننا كمواطنين سنبرح مكاننا على جميع المستويات، لأن مثل هؤلاء يتخذون الدين مطية وسلما للصعود على سواعد المغاربة دون أي اعتبار لمشاعرهم ولا أي احترام لحقوقهم الإنسانية ولا حقوقهم المهنية ولا حقوقهم الثقافية والهوياتية والاجتماعية. إن الامر يستدعي الوقوف مئات المرات، والتفكير ألف مرة وطرح سؤال من يمثلنا؟ فإن كان رئيس الحكومة الامازيغي اللسان والهوية والتاريخ ينكر على نفسه حقه في الاعتراف بأمازيغية المغرب، وهو الذي تعهد أمامي وأمام زملاء لي، أثناء دعوته لنا إلى بيته لمناقشة قضية الامازيغية، مباشرة بعد تعيينه رئيسا للحكومة، ووعد بالاهتمام بالقضية الامازيغية بكل أبعادها، وإلى حدود الآن لم نر من وعوده شيئا وهو المؤمن بالمرجعية الدينية التي تقول «المؤمن إذا عاهد وفى».
خلاصة الكلام، أن من تولوا أمورنا، ليسوا للأسف لا في مستوى المبادئ والاحكام الشرعية التي انزلها الله في قرانه الحكيم والتي يستغلونها صباح مساء، وليسوا في مستوى القوانين والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب درءا لانتقادات المنتظم الدولي، بل يشوهون سمعة المغرب ومؤسساته، وليسوا في مستوى القوانين الوضعية الوطنية التي من المفروض فيها أن تحمي المواطنين عبر المؤسسات التي يستغلونها للأسف لأنفسهم وفقط حتى فقد المواطن ثقته فيهم ومنها.
في هذا الصدد قال الحكم الامازيغي:
ⵎⵇⵇⴰⵔ ⵉⴽⵯⵍⴰ ⵓⵍⴳⵎⴰⴹ ⵎⴰⵛ ⵉⴽⴽⵙⵜ ⵉⵎⵉ ⵏⵏⵙ
Mqqar ikla ulgmaD ikkst imi nns
الألوان الزاهية لا تجعل الافعى محبوبة
صرخة العدد 233 يونيو 2020/2970 – جريدة العالم الأمازيغي