عند قراءة التاريخ والغوص فيه، خصوصا تاريخ الشعب الأمازيغي في شمال إفريقيا، نجد أن المرأة في الثقافة الأمازيغية تسمى «تمغارت» أي «القائدة أو الحاكمة» لأنها هكذا كانت بالفعل، في ثقافتنا الأمازيغية الضاربة في عمق التاريخ الذي تزخر صفحاته بكنوز من أحداث ومواقف عن نساء جلسن على عروش الممالك الأمازيغية وحكمن عبر الأزمنة والعصور وبصمن على التاريخ ببصمات من ذهب.
لكن من المفارقات العجيبة والغريبة أنه حين نقارن في القرن الواحد والعشرين عصر التكنولوجيا والحداثة والعولمة… بين وضعية المرأة قبل أربعة عشر قرنا مع وضعها الحالي نجد تراجعا كبيرا، تميز في مجمله بالميز العنصري في جميع المجالات، بما في ذلك التعبير عن ذاتها ومعاناتها بلغتها الأم، مما يدعو فعلا للاستغراب والدهشة.
بالرغم من الإصلاحات المهمة التي بدأها المغرب، لا سيما تلك الواردة في دستور يوليوز لسنة 2011. من خلال على سبيل المثال، ما ورد في ديباجته بشأن المساواة بين المواطنين دون أي اعتبار لجنسهم، بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 19 من نفس الدستور التي تنص على أن «الرجل والمرأة يتمتعان بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية» الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب. وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها وتسعى الدولة الى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
فإذا كان دافع المشرع المغربي من وراء هذه التعديلات الدستورية هو القطع مع الماضي الذي لا يشرف «تامغارت» وإعطائها مكانة متميزة، فإن المرأة المغربية بصفة عامة والناطقة بالأمازيغية بصفة خاصة، للأسف، لا تزال تعاني من كل أشكال التمييز التي عاشتها قبل الدستور إن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني…
فعلى سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة إلى انتشار العنف الجسدي والمعنوي المرتبط بالاعتداء الجنسي والجسدي في المغرب، تتعرض النساء الناطقات بالأمازيغية لعنف مضاعف، أي ذلك العنف المرتبط بحرمانها من لغتها الأم، فهي مازالت تعاني في المحاكم والإدارات والمؤسسات، بسبب التماطل واللامبالاة والتهميش الذي تعيشه الأمازيغية جراء الهدر الزمني والسياسي الذي يؤخر تفعيل ترسيم الأمازيغية بالرغم من صدور القوانين التي كانت تعتبر شماعة يعلق عليها التأخير في تفعيل ترسيم لغتها الأم.
فالتعليم المغربي يقتصر في أغلب المدارس ومراكز محو الأمية على اللغة العربية ومناهج تربوية ووظيفية بعيدة عن العقلانية و(المعقول)،
وقد أكدت المنظمات النسوية المغربية استمرار هذا النوع من العنف في وسائل الإعلام والكتب المدرسية، بالإضافة إلى قنوات التربية الاجتماعية التي تكرس الصورة النمطية للمرأة والتي تعيد إنتاج الثقافة المعادية للمرأة وتوزيع أدوار تحط من قدرها وكرامتها.
إلا أن هذا الواقع لا يمكن فصله عن المحيط العام الذي تكرسه السياسات الحكومية على مدى عقود من الزمن تلك السياسات التي طبّعت مع الجهل والتخلف فإلى اليوم لم تتمتع بعد المرأة المغربية بحقوقها كاملة. إنها موضوع جميع أشكال التمييز والحرمان فهي محرومة من مساواتها بالرجل في كل شيء، في العمل والأجر والتقاعد والميراث وحق الزواج وحق الطلاق، ناهيك عما تتعرض له من زواج بالغصب كزواج القاصرات وزواج المغتصبين…
إن أفضل تعبير عن وضع وواقع المرأة في المغرب، تجسده بعض الأحزاب السياسية التي تتحمل مسؤولية كبيرة على مستوى تشريع القوانين داخل الحكومة كأغلبية وداخل البرلمان بغرفتيه باقتراح قوانين والتصويت عليها كأغلبية ومعارضة، إنها أحزاب للأسف تحصر دور المرأة في السياسة فقط، في عملية التصويت ودعم المرشحين الذكور، وبالتالي تبقى بعيدة عن تحقيق المساواة في تولي المسؤوليات الحزبية واقتصار دور المرأة في تأثيث وتأنيث المشهد السياسي وحصر اهتماماتها في منظمات وجمعيات نسوية وأدوار اجتماعية دون الرقي بالنساء إلى مواقع المسؤولية ومراكز اتخاذ القرار.
وهذا ما يدحض كل الشعارات السياسوية التي ترفعها بعض من هذه الأحزاب السياسية عند كل اقتراب موعد الإنتخابات، ونعتقد أننا وصلنا اليوم إلى نقطة اللاعودة، وموضوع المساواة والمناصفة بين الجنسين يجب أن يحسم إلى غير رجعة.
وقديما قالت الحكيمة الأمازيغية:
ⵜⵏⵏⴰ ⵜⵢⴰⵥⵉⵟ ⵉ ⵡⴰⵔⵔⴰⵡ ⵏⵏⵙ : ⵙⵙⴼⵔⵙⴰⵜ ⴰⵖⵏⴱⵓ ⵀⴰⵏ ⵎⴰⵜⵓⵏ ⵓⵔ ⵜⵟⵟⵉⴼ ⴱⵓⴱⴱⵓ
Tnna tyazzit i warraw nns: ssfrsat aghnbu han matun ur ttif bubbu
قالت الدجاجة لفراخها: اشحدوا مناقركم، ليس لأمكم ثدي
صرخة العدد 242 مارس 2021/2971 – جريدة العالم الأمازيغي