رغم مرور عشر سنوات على تصويت المغاربة على دستور فاتح يوليوز لسنة 2011، الذي نصّ في فصله الخامس على كون الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، مازال قطار إنصاف الأمازيغية وإدماجها فعليا في الحياة العامة يسير سير السلحفاة بالنسبة للمتفائلين، وفي تراجع إلى الخلف بالنسبة للمتشائمين من النشطاء الأمازيغ وكل الديمقراطيين التواقين لإنصاف عادل للأمازيغية بكل أبعادها.
إن الوثيقة الدستورية والقانون التنظيمي بشأن مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية رغم أهميتهما الإستراتيجية على كل الأصعدة بالنسبة لبلادنا، مازالا في حاجة إلى بيئة سياسية حاضنة وإلى شجاعة في القرار ومسؤولية في الفعل وإلى ربط النوايا بالأفعال. فتعاطي الكثير من السياسيين مع الموضوع مازال أسير الحذر والمناورات وحرب المواقع، وكذلك الشأن مع أطياف من المجتمع المدني.
لقد انتظر المغاربة بعد المصادقة سنة 2019 على القانون التنظيمي رقم 16/26، المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، تحولا إيجابيا في تعاطي الحكومة مع الشأن الأمازيغي، غير أنهم ووجهوا بضرورة الإنتظار حتى يخرج القانون التنظيمي رقم 04/16، المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إلى حيز الوجود ليحرر الإرادات والعزائم.
بعد أن تحقق ذلك وبعد المصادقة على المرسوم رقم 2.60.600، بشأن تحديد تأليف اللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات سيرها، ظلت الأمور على ماكانت عليه ولم تتململ إلا قليلا، وبقي الملف حبيس مخططات وزارية تفتقد إلى التواصل بشأنها حتى يتملكها المواطنون والمواطنات ويتتبعوا تقدمها من عدمه.
إن أزمة التواصل بشأن مجريات التدبير الحكومي للملف جعل من اللجنة التقنية المكلفة بتتبع وتقييم ومراقبة عمل الحكومة في إدراج الأمازيغية، مجرد آلية تنظيمية مجهولة الهوية تنتفي فيها أبسط شروط الحكامة الجيدة من شفافية وإشراك للفاعلين المدنيين وربط للمسؤولية بالمحاسبة، الشيء الذي أفرغ كل ما يصدر عنها من حين لآخر من كل مضمون يستحق الاهتمام.
لقد ساهم هذا الوضع، المأسوف عليه، في تعطيل مسلسل إنصاف الأمازيغية، بل هناك تراجع في الكثير من المجالات ذات الصلة، لعل أهمها ملف تدريس اللغة الأمازيغية، الذي ما زال يواجه كل أشكال مقاومة التغيير والتدبير المزاجي للملف من طرف بعض المسؤولين في الوزارة الوصية على القطاع سواء تعلق الأمر بالإدارة المركزية أو الأكاديميات الجهوية أو النيابات أو المؤسسات التعليمية.
يظهر جليا إذن أن ملف ترسيم الأمازيغية ومأسستها يحتاج إلى تحرير بعض السياسيين من أساطير أسست لإلغاء وإقصاء الأمازيغية من المشهد بحجج، الظاهر منها هو الخوف من أن تكون ضرة للغة العربية، والمضمر منها يرتبط بمشاريع سياسية عابرة للحدود لا تؤمن بالإختلاف والديموقراطية إلا تقية. كما يحتاج هذا الملف إلى فاعلين مدنيين وسياسيين يؤمنون بأهمية الأمازيغية في مصالحة الوطن مع ذاته وتقوية العيش المشترك والبناء الديمقراطي وعاملا مهما في تحقيق التنمية والنماء.
إننا اليوم وبمناسبة الإستحقاقات الإنتخابية القادمة مطالبون بالوقوف وقفة تقييم وتقويم للحصيلة التي راكمتها الأمازيغية بسلبياتها وإيجابياتها من أجل السعي مستقبلا لتدبير هذا الملف ومأسسة الأمازيغية، وقفة تأمل كذلك نروم منها استشراف المستقبل، فقد يكون الغد أفضل بعزم المتنورين السياسيين وبدحض مؤامرات المنتحلين لصفة المواطنين وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا جيوب مقاومة مهمتهم هي مقاومة كل ما من شأنه تنوير ودمقرطة المجتمع.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⴷⴰⵢ ⵜⵖⴰⴱ ⵓⵎⵓⵛ ⵍⵍⴰ ⵜⵜⴳⴳⵏ ⵉⵖⵔⴷⴰⵢⵏ ⴰⵢⵏⵏⴰ ⵔⴰⵏ
Day tghab umuc lla ttggn ighrdayn aynna ran
حينما يغيب القط تفعل الفئران ما تريد
صرخة العدد 246-247 يوليوز-غشت 2021/2971 – جريدة العالم الأمازيغي