إن العداء الفرنسي للدولة المغربية وللمصالح المغربية بل وللمغاربة عامة ليس وليد اليوم، إنما هو عداء مبني ومؤسس على وقائع تاريخية متوغلة في القدم، أي نعم، إنه عداء قديم قدم القارة العجوز أوروبا التي تقع فرنسا بين أحضانها، عداء تاريخي قديم لا يمكن أن نتوغل في جزئياته في هذا المقام والمقال لطول أزمنته وتشابك أسبابه، سنكتفي بسرد تاريخ ما عاشه أباؤنا وأجدادنا، أي تاريخ المرحلة المعاصرة أو ما يسمى بالمصطلح التاريخي لتلك المرحلة بالتاريخ الكولونيالي أي حقبة الاستعمار، ويتحدد زمانه في فترة ما قبل الحماية الفرنسية، تلك الحماية التي للأسف طلبها حكام المغرب آنذاك من فرنسا ضد القبائل الأمازيغية التي انتفضت ضد هؤلاء الحكام الذين عاثوا في الأرض فسادا وظلما، فجاءت فرنسا التي يفترض فيها حمايتهم فطوعتهم لصالحها فاستعمرت الأرض وبطشت بالبشر.
نعم يا سادة إن استصغار فرنسا للمغرب وابتزازها له لم يتوقف، وتحرشها بمصالحه الجيوسياسية وبوحدته الترابية لم تكن وليدة اليوم، بل هي سياسة استعمارية مستمرة في التاريخ والممارسة، وهذا ما كشفته الأزمة الصامتة بينها المغرب، فتقليص منح تأشيرات دخول التراب الفرنسي للمغاربة، وإدخال شحنة من المقررات الدراسية تتضمن خريطة المغرب مفصولة عن صحرائه موجهة للمعاهد والبعثات الفرنسية بالمغرب، واستقبال برلماني فرنسي لمجموعة من الانفصالين في مقر البرلمان الفرنسي، وعدد من المواقف العدائية التي أظهرتها فرنسا الاستعمارية في السنتين الأخيرتين، وبالضبط منذ عودة العلاقات المغربية/الإسرائيلية عقب الإعلان المشترك عن توقيع الإتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإصدار الرئيس الأمريكي السابق مرسوما يعترف بموجبه بمغربية الصحراء مرورا بعودة العلاقات المغربية الألمانية والمغربية الإسبانية وما تلاه من مواقف صريحة من الدولتين الأوروبيتين في دعم السيادة المغربية على أقاليمنا الجنوبية، كل هذا جعل فرنسا تفقد وعيها، وتضرب يمنة ويسرة كالثور الاسباني.
أقول دائما إن الحركة الأمازيغية هي استمرار لحركة المقاومة وجيش التحرير، هذه الأخيرة التي انتمى إليها أباؤنا وأجدادنا، ومن خلالها قاوموا ضد فرنسا فتكبدت فرنسا على يد الأمازيغ خسائر فادحة في العتاد والأرواح وانهزمت شر الهزائم في جل معاركها ضد القبائل الأمازيغية، نذكر منها معاركة «بوكافر» «لهري» «أيت عبللا» وغيرها من المعارك التي لقن فيها «الأبطال بلا مجد» دروسا تاريخية قاسية لفرنسا الاستعمارية، قلت إن الحركة الأمازيغية هي استمرار لحركة المقاومة للاستعمار والفرق بين الحركتين أن الأولى حررت الأرض والحركة الثانية هدفها هو تحرير الفكر من الاستيلاب الفرنسي ومن الاستيلاب العروبي الذي فرض على المغاربة بمباركة من فرنسا.
إن التاريخ يشهد على أن فرنسا هي من سنت قوانين بموجبها انتزعت الأراضي من أهاليها الأصليين وبموجب نفس القوانين أبكمت صوت الإنسان الحر «الأمازيغي» بإطلاق سياسة التعريب الشامل على الأرض والإنسان بغرض تجريد المغرب من هويته، لغته، تاريخه، قيمه وثقافته، وللأسف نجحت في سياستها تلك بمباركة ممن سموا أنفسهم بالحركة الوطنية والذين صار أبناؤهم وحفدتهم داعمي ومدافعي الفرنكوفونية بالمغرب، هؤلاء الذين لا يترددون في نعتنا، نحن من يحمل مشعل معارضة مشاريع فرنسا التخريبية، بـ«حفدة اليوطي» أو «أبناء الاستعمار» إلا أن الواقع والحقائق التاريخية تثبت العكس، إذ مواقف فرنسا الاستعمارية من القضية الأمازيغية لا تتوقف عند حد الاستيلاب الفكري والهوياتي..، إنما تعدته إلى دعم ومساندة الأنظمة والحكومات العروبية والبعثية في مختلف بلدان شمال إفريقيا لتعريب المواطنين وإلباسهم جلباب «حزب البعث» وتهميش المناطق الأمازيغوفونية، وإقصائها بشكل كامل من أي مظهر من مظاهر التنمية بشكل متعمد، ناهيك عن دعم الحكومات الاستئصالية على الإبادة المطلقة للهوية والثقافة الأمازيغيتين وتفريغ المجتمعات الأمازيغية من القيم الإنسانية التي تربوا عليها ولقنوها في حضارتهم وتاريخهم، وآخر المواقف العدائية اتجاه الأمازيغ في شمال إفريقيا، هي التدخل العسكري وإجهاض دولة الأمازيغ الطوارق في بلاد «أزواد».
مواقف فرنسا الاستعمارية من القضية الأمازيغية هي نفس مواقفها من قضيتنا الوطنية ومن مصالح وطننا، وقد أظهرت ذلك خلال السنتين الأخيرتين بشكل أوضح للمغاربة، وبدأت تخرج رويدا من المنطقة الرمادية وتكشف عن وجهها الاستعماري الحقيقي للمغاربة، ورغم ذلك، ومع كل الأسف، لا يزال في المغرب من يفتخر ويتباهى باستعمال لغتها «الفرنسية» وفي المقابل يمتعض ويستعار من اللغتين الرسميتين لبلده المغرب، الأمازيغية والعربية.
آن الأوان للتصدي لكل مظاهر الاستلاب الثقافي والهوياتي والتبعية لفرنسا وسياستها الفاشية والفاشلة، والافتخار بالذات الأمازيغية/المغربية، فها هو الملك محمد السادس في خطابه ليوم 20 غشت الماضي، بمناسبة تخليد الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، يدعو الدول «من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل» ومن بين هذه الدول المعنية أولا وأخيرا بهذا الخطاب، هي فرنسا التي تمسك العصى من الوسط وتلعب على الحبلين بخصوص مغربية الصحراء بدل الوضوح والثبات على موقف واحد والاصطفاف إلى جانب الدول الكبرى التي عبرت صراحة عن دعم وحدتنا الترابية كأمريكا، إسرائيل، إسبانيا، ألمانيا وعدد من دول كثيرة أخرى.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵓⴽⴽⵓⵙ ⴷ ⵓⴽⴽⵓⵙ, ⵜⴰⵡⵡⵓⵔⵉ ⵓⴼⵓⵙ ⴷ ⵓⵙⵔⵓⵙ
Ukkus d ukkus, tawwuri ufus d usrus
بما معناه:
الإرث زائل والعمل دائم.
صرخة العدد 260 شتنبر 2022/2972 – جريدة العالم الأمازيغي