من الصعب أن يعود التائه إلى الطريق إن فقد “البوصلة”، وهذا هو حال الكثير ممن رضع الأمازيغية من ثدي أمه، ومناسبة قولي هذا، أنه من عادتي التي لن أبدل عنها تبديلا أني أتكلم بأمازيغيتي وبلغتي الأم، كلما ولجت محلا تجاريا كبيرا أو صغيرا. إلا أن ما حدث هذه المرة، هو عندما دخلت أحد المحلات التجارية غير بعيد عن مقر سكناي، وتواصلت بالأمازيغية (تعبير تاشلحيت) مع أحد العاملين بالمتجر، أجابني بالدارجة، وكررت السؤال، ورد مرة أخرى بالدارجة، فثار فضولي وسألته، إن كان يتقن الأمازيغية أم لا، فأجاب بالإيجاب، وتساءلت عن سبب عدم تواصله معي بها، فكان تبريره أن الشابة التي تشتغل معه في المحل لا تفهم الأمازيغية، وبالتالي فعليه أن يتكلم باللغة التي تفهمها هي، استغربت كثيرا لهذا الرد، واستفسرت إن كانت هي صاحبة المحل، فأجاب بالنفي، وزاد بأنها عاملة مثله.
نفس الموقف لاحظته من خلال فيديو، توصلت به عبر “الواتساب”، لشاب يسأل آخرا، وطال الحوار بين الإثنين، ما دفع أصدقاء أحدهم بأن ينادونه، ويلحون عليه بأن يسرع للالتحاق بهم، فأجابهم بالأمازيغية، ظنا منه أن محاوره لا يعرف ما يقول، يطلب منهم «أن ينتظروا حتى يعرف غرض هذا الشاب، ومن تلك الأسئلة الكثيرة التي وجهها إليه، وكأنه يريد أن يتزوج به»، وكانت المفاجأة هي أنه رد عليه محاوره بأمازيغية سليمة قبل أن ينهي كلامه على أنه أمازيغي هو أيضا، واستوعب جيدا كل ما دار بينه وبين أصدقاءه.
هي نماذج وأخرى كثيرة تحيلنا على طرح مجموعة من الأسئلة. أولها لماذا لا يمارس المغربي والمغربية حقهم الطبيعي في التحدث باللغة الأمازيغية، علما أنها حاليا رسمية بقوة الدستور؟.
يصعب التكهن بجواب قطعي واحد منفصل عما هو تاريخي وسياسي ونفسي، ومقالنا هذا لن يسع للتفصيل والتحليل في هذه الأسباب، وسنقتصر في القول على أن في ذهنية كل أمازيغي، ولأسباب متشابكة فيها، ما هو سياسي وثقافي ونفسي، وكأن لغته الأم لا تتجاوز المنزل أو بالأحرى بلدته (تامازيرت)، وبالتالي يترسخ في ذهنه أنها ليست لا لغة المدينة، ولا لغة الشارع، فبالأحرى لغة الإدارة ولغة الإعلام..، وأن لغة الشارع والمؤسسات و”الميكروفونات” هي الدارجة في المقام الأول، تليها الفرنسية، التي ليس لها أي وضع قانوني ولا دستوري.
ففي الوقت الذي تعمل فيه الدولة وتسخر كل مجهوداتها من أجل إدراج الأمازيغية في المؤسسات الإدارية والتعليمية والحياة العامة، أصبحنا وللأسف نلاحظ أن مواطنين ومواطنات يرفضون التحدث بها معتبرينها دون مستقبل، ويخرجونها بالتالي من منازلهم ومن محلاتهم التجارية ومن حياتهم الخاصة.
هكذا أصبحت الأمهات، رغم عدم إتقانهن للدارجة يفضلن التحدث بها مع أبنائهن، بل نجد مناضلين ومناضلات في المجال الثقافي الأمازيغي أنفسهم يفضلون التحدث بالدارجة والفرنسية مع أبنائهم دون الأمازيغية، أكثر من هذا وذلك، هناك مغاربة لا يجدون أدنى حرج في التصريح بكونهم لا يعرفون الأمازيغية، وبالمقابل يستحيون من الجهر بعدم معرفتهم اللغة الفرنسية، وغيرها من اللغات الأجنبية، وتجد هؤلاء في الضفة الأخرى يوجهون سهام النقد للدولة المغربية في عدم تفعيلها للطابع الرسمي للأمازيغية، وهكذا استقل المناضلون والمناضلات من كل أشكال الدفاع عن الأمازيغية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء الاشتغال في الجمعيات والتنظيمات من خلال تنظيم لقاءات وندوات فكرية وأنشطة للأطفال، وخير دليل على ذلك غياب الجمعيات، التي تهتم بالشأن الثقافي الأمازيغي في مواكبة أحداث الزلزال، الذي ضرب الأطلسين، الصغير والكبير، كما أنه يلاحظ غياب على مستوى تأطير الساكنة المتضررة، وغياب على مستوى تأطير وتنشيط ورشات للأطفال داخل مراكز الإيواء التي أقيمت إلى جانب الدور والمنازل التي أتى عليها الزلزال.
نعم إن الزلزال أظهر فشل المناضلين الأمازيغ، فلم يستطيعوا أن يواكبوا أوضاع المنكوبين بلغاتهم الأم، ورأينا كيف تركوا أماكنهم شاغرة، لما يسمونهم بالمؤثرين، وسنحوا الفرصة لكل من هب ودب ومن كل بقاع العالم ليحاور المتضررين بكل الألسن ولاحظنا كيف تم استغلال معاناة المغاربة وتمت المتاجرة بالقيم الأمازيغية وتحول وضع الأمازيغي بالمناطق المنكوبة إلى مادة دسمة لجلب “اللايكات” و”البرطاجات”. وحتى أولئك الأمازيغ الذين صعدوا الجبال ليبحثوا عن الخبر و”البوز”، تواصلوا مع إخوتهم من الأمازيغ بلغات ليست لغتهم. للأسف…
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⴰⵣⵉⵡⴰⵍ ⵏ ⴳⵔ ⵉⴱⵓⴽⴰⴹⵏ ⴰⴳⵍⵍⵉⴷ ⴰⴷ ⵉⴳⴰ
Aziwal n gr ibukaḍn agllid ad iga
يقال في من يستمد قيمته من ضعف الآخرين
صرخة العدد 273 أكتوبر 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي