المرأة نصف المجتمع، إن لم تكن المجتمع كله، نقول هذا الكلام ليس اعتباطا، بل استنادا إلى أسس اجتماعية وتربوية قوية.
فالمرأة هي المربية والمعلمة، والحاضنة لجميع أفراد الأسرة، أكانت أما أو أختا أو زوجة.. وهي بذلك منبع الاستقرار، لأنه لا يمكن أن يحدث استقرار اجتماعي ودفء أسري في الأسرة إلا من خلال ما تؤمنه المرأة من استقرار وطمأنينة وأمن داخل الوسط العائلي والمجتمعي عامة. ومن العناصر الأساسية للأمن النفسي لدى الانسان أكان رجلا أو امرأة، هو الثقة بالنفس وشعوره بقيمته، ثم استقلاليته في اعتماده على نفسه ماديا بالأساس. فالثقة بالنفس والاستقلال المادي هما مؤشران أساسيان لبلوغ أهداف التعليم، لذا فإن تعليم المرأة يضل السبيل الوحيد لتطور المجتمع وتقدم الدول، وهذا أمر محسوم فيه، وقد قطعنا في المغرب أشواطا مهمة في هذا الإتجاه، حيث نجد في السنوات الأخيرة أن مستوى المرأة التلميذة في التعليم تغير وتطور، وأصبحت وضعيتها متقدمة وموفقة ونلاحظ هذا في نسبة نجاح التلميذات وتميزهن في امتحانات الباكالوريا مقارنة بالتلاميذ الذكور، ففي الموسم الدراسي لسنة 2022/2023 مثلا وصلت نسبة الناجحين في امتحانات البكالوريا 245.109 ذكورا واناثا، من بينهم 142.051 من الإناث أي أكثر من النصف بكثير هن إناث.
ووفقا لإحصائيات حديثة، فإن العدد الإجمالي للمتمدرسين بلغ بحلول الموسم الدراسي 2022/2023 ما مجموعه 8 مليون و863 ألف و234 متمدرس/ة، أي بزيادة تقدر ب 1,5 في المائة، مقارنة بالموسم الدراسي 2021/2022 وتمثل الإناث فيه نسبة 48,7 في المائة، أي أننا نقترب من المساواة بين الجنسين في التعليم والتمدرس، ما أعتبره شخصيا مبعث فخر، كابنة الهامش حرمت من المدرسة في مسقط رأسي.
رغم هذا التحول يبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو، هل هذا التفوق للمرأة في التعليم يعكس واقعها في ميدان الوظيفة العمومية وفي ميدان الإقتصاد وفي ميدان العمل السياسي؟، (والعمل السياسي، لا أقصد بها الإنخراط العددي والكمي للنساء في الأحزاب السياسية).
بقراءة بسيطة للأرقام السالفة، التي تدل بشكل قطعي على أن تفوق الفتاة في الدراسة بجميع شعبها من أدب وعلوم إنسانية وسياسية واقتصادية أو علوم طبيعية، وما إلى ذلك من شعب أخرى. إلا أننا نصطدم بواقع آخر، واقع ينطق بأرقام فاضحة له، أرقام لا منطق لها، أرقام تشهد بكل موضوعية ضرب مبدأ المناصفة والمساواة، الذين نص عليهما الفصل 19 من الدستور المغربي لسنة 2011، عرض الحائط، لأنها أرقام تكذب كل الخطابات الرنانة للأحزاب السياسية كيفما كانت ايديولوجيتها، تقدمية أو محافظة، يسارية أو وسطية أو يمينية، ليبرالية أو اشتراكية، أرقام تبين بما لا يدع مجالا للشك، الهيمنة الذكورية على المؤسسات العمومية والمنتخبة للدولة.
نورد في هذا السياق أرقاما للاستئناس، تمثيلية النساء في الإدارة العمومية لم تتعد نسبة 41,22 في المائة برسم سنة 2022 ومعدل تأنيث مناصب المسؤولية لا يتعدى 28,17 في المائة، ونسبة تمثيلية المرأة في المناصب العليا برسم سنة 2023 لا تتعدى 19,86 في المائة.
أما تمثيل النساء في مجلس النواب فينحصر في 24,03 بالمائة، وفي الجماعات المحلية فلا يتعدى نسبة 26,06 في المائة.
علما أن هذه المؤسسات هي من تشرع القوانين، وتضع الاستراتيجيات والمخططات، التي تبقي المرأة خارج إطارها وخارج سياساتها، لذلك فمن الواجب الأخلاقي والوطني والانساني والحقوقي، كذلك أن يكون للمرأة موطئ قدم لها بالتساوي مع الرجل في كل المؤسسات، نعم إنها بحاجة إلى مكانة تضمن لها وجودا فعليا على جميع المستويات، حتى تأخذ مخرجات هذه المؤسسات، من قوانين وتشريعات ومخططات استراتيجية، بعين الاعتبار وضعية النساء، وهو ما من شأنه أن يأسس لمجتمع تسود فيه المساواة بين الجنسين، في الحقوق والواجبات أكانت مدنية أو سياسية واقتصادية أو لغوية/ثقافية، مجتمع تكون فيه المرأة سيدة نفسها لا أمة رئيس حزب أو منسق جهوي أو رئيس فريق أو رئيس جمعية، ذكرا عرابا لها يستغلها تارة ويبتزها أخرى، أو رئيسا في العمل يمارس عليها سلطته الذكورية لتتسول منه المراكز والمسؤوليات. إنها “تامغارت” أيها السادة.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵜⴰⴷⵉⵙⵜ ⴰⴷ ⵉⵜⵜⴰⵙⵉⵏ ⵉⴼⴰⴷⵏ ⵓⵔⴷ ⴰⴳⴰⵢⵢⵓ
tadist ad ittasin ifadn urd agayyu
صرخة العدد 278 مارس 2024/2974 – جريدة العالم الأمازيغي