مع بداية العام الأمازيغي الجديد 2975، يعيش المغرب ودول تامزغا لحظة غير مسبوقة من الاعتزاز بالهوية الأمازيغية، لحظة تعكس حجم التقدير الشعبي المتزايد لهذه الثقافة العريقة. إلا أن هذه اللحظة الاحتفالية تعيدنا إلى طرح أسئلة جوهرية حول واقع الأمازيغية في ظل أرقام الإحصاء الرسمي التي لطالما قللت من حجمها وتأثيرها، في تناقض صارخ مع ما نراه ونعيشه على أرض الواقع.
لقد كشفت الثورة الاحتفالية بالهوية الأمازيغية عن حقيقة لا يمكن إنكارها، فالأمازيغية ليست مجرد لغة أو ثقافة مهمشة كما تحاول بعض الأرقام الإحصائية تصويرها، بل هي جوهر ينبض بالحياة في كل زاوية من هذا الوطن.
مشاهد الاحتفالات التي امتدت من القرى إلى المدن، ومن المغرب إلى العالم، وكأنها جاءت كحركة جماعية واعية تسعى إلى تصحيح هذه الأرقام غير المنصفة، التي تشوبها علامات استفهام كثيرة حول مدى دقتها ومصداقيتها.
ما نعيشه اليوم هو في جوهره “ثورة ثقافية” ضد التزييف الذي طال أرقام الإحصاء، وكأن المغاربة، أينما كانوا، أرادوا أن يقولوا بصوت واحد: نحن أمازيغ، أوفياء لجذورنا وهويتنا العريقة.
كيف يمكن تفسير هذا الحراك الاحتفالي الواسع، الذي تجاوز حدود الجغرافيا، إن لم يكن انعكاسًا لحقيقة شعبية مغايرة لتلك الأرقام التي تسعى إلى تقزيم حضور الأمازيغية؟
ولعل إعلان سفارة إسبانيا في المغرب عن تخصيص سنة 2025 “سنة أمازيغية” يضيف بُعدا دوليا لهذه الدينامية المتصاعدة، ويبرز حجم الاعتراف المتزايد بالأمازيغية كإرث حضاري عريق. هذا القرار، الذي يحمل رمزية قوية، يُعيد التأكيد على الدور التاريخي للأمازيغ في بناء حضارة الأندلس، وعلى الروابط الثقافية المتينة بين المغرب وإسبانيا. كما يعكس التقدير الدولي المتزايد للثقافة الأمازيغية، التي أضحت رمزا لقيم التعايش والانفتاح والتعددية.
إن محاولة تقليل حجم الأمازيغية في المغرب عبر أرقام الإحصاء هي، في جوهرها، امتداد لما تحاول المندوبية السامية للتخطيط والإحصاء ممارسته في كل مناسبة لعملية الاحصاء، من تهميش وإقصاء للسان الأمازيغي.
لكن الاحتفالات الحاشدة التي شهدتها المدن والقرى، من تخوم الريف إلى أعالي الأطلس، وصولًا إلى المدن الكبرى، تكشف عن حجم الزخم الشعبي والرمزية العميقة التي تمثلها الأمازيغية في قلوب المغاربة.
لقد تحولت السنة الأمازيغية “ءيض يناير “إلى مناسبة وطنية عالمية، تعكس قوة ارتباط الأجيال الجديدة بالهوية، وتبرز الإرث الحضاري للأمازيغية الذي تجاوز كل محاولات الطمس.
إن ثورة الاحتفالات التي نشهدها اليوم هي، في الحقيقة، أكبر استفتاء شعبي على مكانة الأمازيغية، وأبلغ رد على الأرقام الإحصائية التي فشلت في عكس الواقع. ومع انضمام صوت المجتمع الدولي، كما تجسّد في إعلان “السنة الأمازيغية” في إسبانيا، تصبح الرسالة أوضح وتقول بأن الأمازيغية ليست مجرد لغةً من الماضي، بل هي هوية حية ومستقبل واعد، يجمع المغاربة تحت راية التنوع والاعتزاز بالجذور.
قديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵓⵔⴷⴰ ⵢⵜⵡⴰⵔⴳⴰ ⵓⵛⵛⵏ ⵖⴰⵙ ⵙ ⵡⵢⵏⵏⴰ ⵢⵥⵕⴰ
Urda ytwarga uccn ghas s wanna yZRa
ما معناه: كل إناء بما فيه يرشح
صرخة العدد 288 يناير 2025/2975– جريدة العالم الأمازيغي