لم يكن نجاح الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي مجرد حدث تكريمي عابر، بل كان خطوة أساسية نحو تصحيح خلل تاريخي يتمثل في التهميش الذي طال العديد من رموز المقاومة الوطنية، الذين لم يجدوا مكانهم في كتب التاريخ الرسمي، رغم تضحياتهم الجسيمة. إن هؤلاء الأبطال، الذين واجهوا المستعمر بالسلاح والدعم المادي، سواء في مسقط رأسهم بالأطلس الصغير الغربي أو في المدن الكبرى، يستحقون أن يُنصفوا، لا فقط عبر الاحتفاء الرمزي بهم، بل باتخاذ إجراءات ملموسة تعيد الاعتبار لأسمائهم ونضالاتهم، وتجعلهم جزءًا من الذاكرة الوطنية الحية.
لقد كان الملتقى الأول لذاكرة المقاومة، الذي نظمته عدد من الفعاليات الجمعوية التي تنتمي الى المنطقة، وأشرفت عليه المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، فرصة لكشف هذا التغييب غير المبرر، ولتسليط الضوء على شخصيات قدمت الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن، ومع ذلك لم تحظَ بما تستحقه من اعتراف رسمي. وهذا يضعنا جميعًا، كمجتمع ومؤسسات، أمام مسؤولية تاريخية تتمثل في تصحيح هذا الإقصاء عبر إدراج هذه الأسماء في المناهج الدراسية، والاهتمام الجاد بالبحث الأكاديمي حول سيرهم، وتخليد ذكراهم بإطلاق أسمائهم على الشوارع الكبرى في مختلف المدن المغربية.
إن الحديث عن الذاكرة الوطنية لا يجب أن يظل حبيس المناسبات والفعاليات، بل ينبغي أن يتحول إلى مشروع مجتمعي متكامل، يهدف إلى إعادة الاعتبار لكل من ساهم في صناعة تاريخ هذا الوطن، بعيدًا عن الانتقائية أو الاختزال. فالمقاومة لم تكن فعلًا فرديًا أو مقتصرًا على شخصيات بعينها، بل كانت نضالًا جماعيًا شارك فيه رجال ونساء من مختلف المناطق والطبقات، كلٌّ بأسلوبه وإمكاناته. ولذلك، فإن تجاهل أسماء بعينها، رغم أدوارها المشهودة، هو إجحاف في حق التاريخ ذاته، قبل أن يكون ظلمًا بحق هؤلاء الأبطال، لقد أثبت الملتقى الأول لذاكرة المقاومة أن الذاكرة الوطنية ليست ملكًا لأحد، ولا ينبغي أن تكون مجالًا للمزايدة، بل هي مسؤولية جماعية يجب أن يتكاثف الجميع من أجل صونها وتوثيقها ونقلها للأجيال القادمة بكل أمانة وصدق. فحماية هذا الإرث لا تقتصر على رواية الأحداث، بل تستلزم إجراءات عملية تحميه من النسيان أو التهميش، بدءًا من التوثيق الأكاديمي، مرورًا بالتكريم الرسمي، وصولًا إلى ترسيخ أسماء هؤلاء الأبطال في الوجدان الوطني من خلال الفضاءات العامة والمقررات الدراسية، لإن التاريخ ليس مجرد حكايات تُروى، بل هو دروس تُستلهم منها العبر، ومصدر فخر يجب أن يتجسد في حياتنا اليومية. فهؤلاء الذين ضحوا من أجل أن ننعم نحن اليوم بالحرية، لم يكونوا يبحثون عن المجد الشخصي، بل كانوا يحملون همًّا وطنيًا حقيقيًا. واليوم، أصبح لزامًا علينا أن نكمل مسيرتهم، لا فقط عبر ترديد أسمائهم، بل بجعلهم حاضرِين في وعينا الجمعي، وفي ذاكرة الأجيال القادمة، حتى لا يكون النسيان هو المصير الذي ينتظر من بذلوا أرواحهم من أجل هذا الوطن.
إن إعادة الاعتبار لأبطال المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، وكل المنسيين من تاريخنا الوطني، ليست مجرد مطلب ثقافي أو تاريخي، بل هي مسؤولية أخلاقية ووطنية يجب أن يتحملها الجميع، دولةً ومجتمعًا. فلا يكفي أن نُحيي ذكراهم في ملتقى أو مناسبة، بل يجب أن نعمل على ترسيخ وجودهم في الفضاء العام، في شوارعنا، في مدارسنا، وفي وعينا الجماعي، لأن الوطن الذي لا يعترف بأبطاله، يخسر جزءًا من هويته وروحه.
وقديما قال الحكيم الامازيغي:
ⵉⵙⵙⴰⵏ ⵎⴰⵏ ⴰⵣⵎⵣ ⴰⵔⴰⴷ ⵜⵛⴰⵟⵔⵜ ⵉ ⵜⴰⵢⵢⴰⴹ
Issan man azmz arad tcaṭrt i tayyaḍ
بمعنى تعلم متى تستفيد من تجاربك
صرخة العدد 290 مارس 2025/2975– جريدة العالم الأمازيغي