في زمننا هذا وللأسف، زمن التشويش والتشويه، أصبح المغاربة يعيشون على وقع صدمات، تضرب في عمق وجدانهم وتستفز مشاعرهم الوطنية، إذ لم يعد التضامن بريئا، ولا الشعارات عفوية، ولا الوقفات الاحتجاجية مجرد تعبير عن الرأي. لقد أصبحنا نعيش على وقع هجومات رمزية تستهدف أعمدة الدولة المغربية، تحت يافطات مستوردة، ظاهرها التعاطف وباطنها الطعن في السيادة. آخرها ما جرى في فرنسا من إساءة مشينة لصورة جلالة الملك محمد السادس، في وقفة يفترض أنها داعمة للقضية الفلسطينية، لكنها تحوّلت إلى ساحة لتفريغ الأحقاد وإهانة رموز الأمة المغربية.
إنها ليست مجرد إساءة، إنها عدوان رمزي على المؤسسة الملكية، وعلى وحدة الوطن، وعلى كرامة كل مغربي غيور. وهي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاستهداف المنظم للمغرب، تُنفّذ أحيانًا بأيادٍ أجنبية، وتُسهّل مرورها أحيانًا أيادٍ مغربية، غُرر بها أو فقدت بوصلتها الوطنية.
وما يبعث على الأسى هو الصمت الفلسطيني الرسمي، وكأن الإساءة للمغرب ليست ذات شأن، رغم أن المغرب لم يتردد يوما في دعم القضية الفلسطينية، سياسيا، ميدانيا، وإنسانيا، من خلال لجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك شخصيا. أي خيانة للعرفان هذه؟ وأي تنكر للأصالة هذا؟
لكن الأسئلة التي يجب ان نطرحها على أنفسنا وبإلحاح هي: كيف وصل بعض أبناء هذا الوطن إلى هذه القابلية للاستلاب؟ كيف يفرطون في كرامة دولتهم تحت وهم النضال والاحتجاج ضد قضايا مستوردة في مواجهة مصلحة بل مصالح الوطن؟ الجواب وبكل تأكيد، يكمن في مدى انفصالهم العميق عن هوية هذا الوطن، ومدى سعة هوة الابتعاد والاقتلاع من جذور هذه الارض، والتنكر والتعالي عن لغة الشعب، اللغة الأمازيغية، التي هي ليست فقط لغة تواصل، بل لغة الأرض، ولغة التاريخ، ولغة الإنسان الحر، لغة تمثل العمود الفقري للهوية المغربية، فهي ليست فقط مكونا ثقافيا، بل حاملة لروح الوطن، وللقيم التي صنعت هذا البلد، من قبيل التضامن، المساواة، الحرية، احترام الآخر، حب الأرض، وحماية السيادة..
وحين نتحدث عن الأمازيغية، فلا بد أن نحيي وننوه بنجاح مسيرة تافسوت ن ءيمازيغن بمراكش، وفي نفس الآن فإننا ندين منع مسيرة الرباط ونستغرب لهذا التناقض الفج في تعامل الدولة مع تعبيرات الشارع. فلا نفهم لماذا تُمنع وتُعرقل مسيرات ووقفات الحركة الأمازيغية التي لا تعبر إلا عن غيرتها الحقيقية على هذا الوطن، في وقتٍ يُفتح فيه المجال لحركات إسلاموية ويسارية، تحت غطاء النضال، للاحتجاج ضد خيارات الدولة السيادية، وضد مصالحها الاستراتيجية، بما فيها حتى الاقتصادية.
ما هذه المفارقة؟ كيف يُضيق الخناق على أصوات تطالب بهوية الأرض، وتترك الحرية لأصوات تستقوي بالخارج وتشكك في ثوابت الدولة والامة؟
إن معركة تجويد تعليم الأمازيغية وإدماجها الشامل في المؤسسات ليست ترفا سياسيا ولا مطلبا ثقافيا ثانويا، بل هي ورش ملكي ومشروع وطني مصيري. لأنها وحدها الكفيلة بإعادة ربط المغاربة بجذورهم، وتحقيق المصالحة مع ذواتهم، وترسيخ الانتماء العميق، وصيانة الوطن من الاختراقات الرمزية والفكرية.
من أراد التضامن الحقيقي، فليبدأ من بيته، مع لغته، مع تاريخه ومع كرامته.
ومن أراد أن يكون حرا، فليتشبث بهوية الأرض التي أنجبته، لا بأوهام الشرق ولا بسراب الغرب.
الوطن لا يدافع عنه بالشعارات الصاخبة، بل بالوفاء للوطن ولهوية الأرض، بحماية رموزه، وبالتمسك بهويته والاعتزاز بتاريخه وبتنوع ثقافته وتعدد لغاته ومنها اللغة الأمازيغية، روح المغرب الخالدة.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵉⵙⵙⵓⴼⵙⵏ ⵙ ⵉⴳⵏⵏⴰ, ⵟⵟⴰⵕⵏ ⴰⵙ ⵉⵙⵓⴼⵙⴰⵏ ⵅⴼ +ⵓⴷⵎ ⵏⵏⵙ
Wanna issufsn s ignna, ṭṭaṛn as isufsan xf udm nns
بمعنى: من يبصق وجهة السماء يتلق بصاقه على وجهه.
صرخة العدد 291 أبريل 2025/2975– جريدة العالم الأمازيغي