صفحة من ذاكرة زواره .. السنيور لموشي والشنباشي حمد

بدأ الحاكم الايطالي بالبو حكمه في ليبيا عام 1933 بجلب عدداً كبيراً من المستوطنين من ايطاليا وتوطينهم ضمن خطة تستهدف مليون ايطالي ، وحسب المصادر التاريخية وصل عدد هؤلاء الوافدين حتى عام 1940م إلى 108,405 معمّرا ثم توزيعهم على اغلب مدن وقرى ليبيا حسب أهميتها ، وحرص على ان يكون من بين القادمين أطباء ومهندسين أكفاء ورجال دين ومزارعين وعمال وفنيين مهرة في مختلف المجالات والتخصصات ، وبقدوم هذه الأفواج شهدت العديد من المدن وخاصة مدينة طرابلس حركة بناء وتعمير مزدهرة وتطوراً كبيراً في كافة المجالات ، وتحولت في فترة وجيزة الى مدينة حديثة متكاملة لها هوية عمرانية متميزة يمتزج فيها الطراز الروماني بالمعمار المحلى ، واصبحت بفضل هذا المعمار المتميز واحدة من اجمل مدن حوض البحر الأبيض المتوسط .

ومدينة زوارة بموقعها الاستراتيجي المتميز كمدينة حدودية وتجارية كانت من ضمن المدن التي حظيت باهتمام الايطاليون بعد ان خاضوا اشرس المعارك مع سكانها قبل احتلالها ، وكغيرها من المدن استقر بها عدداً من المستوطنين الجدد الذين كان لهم دور كبير في تنميتها وتطويرها واستطاعوا خلال سنوات قليلة ان يجعلوا منها مدينة جميلة بمبانيها المتناغمة مع محيطها ، وبمرافقها الحيوية وبنيتها المتكاملة والمتطورة بمقياس ذلك الزمن .

كان من بين القادمين الأوائل السنيور ريكاردو لموشي “Rekardo Lamoshe ” أو اللموشي كما عرف بين الأهالي ، استقر السنيور لموشي في مدينة زواره واحبها كغيره من الذين استقروا فيها ، واندمج مع سكانها واصبح كواحد من أبنائها ، وجد من أهلها التقدير والاحترام المتبادل ، فعاش معهم وتكلم لغتهم وقضى بينهم اغلب سنين عمره ، منحت له الاستقرار فسخر لها خبرته وتجربته في مجال حيوي من مجالات الحياة الحديثة وساهم في تطوير حياة الناس من مرحلة الى مرحلة اخرى افضل واكثر راحة وتطوراً ، وستبقى ذاكرة المدينة محتفظة ببصمته التى تركها في يومياتها كأول من أدخل الكهرباء إلى بيوتها وانار أزقتها وشوارعها ، في وقت كانت فيه الكهرباء حديثة العهد في ليبيا وكانت أغلب المدن الليبية لازالت تعتمد الطريقة البدائية في الإضاءة .

وتشاء الأقدار ان يجتمع اللموشي وصهره برونو الايطاليان القادمان من وراء البحار ، والشنباشي حمد الفزاني القادم من عمق الصحراء مع كل من امحمد مسعود بن عريبي وعريبي الناقوس وعيسى موسى معمر ومسعود سفيان وبشير مصطفى العطوشي من أبناء المدينة ويتشكل منهم أول فريق فني في مجال الكهرباء ، واقترن هذا المجال باسمائهم حتى بعد توقف محطة اللموشي وأصبحت الكهرباء تحت اشراف وزارة الأشغال العامة في ستينيات القرن الماضي .

اللموشي كان مهندس المشروع ومالكه بمساعدة برونو ، والشنباشي حمد كان الجابي الذي يجمع رسوم الاستفادة من خدمات الكهرباء ، فكان يلف البيوت بحقيبته الجلدية ومقصه الذي لا يفارق الحقيبة ويقوم بقراءة العدد دوريا في أوقات منتظمة ثم يوزع الفواتير بعدها بفترة ، ويستعمل مقصه المرعب عند الضرورة لقص خط توزيع الكهرباء عن البيوت التي لم يسدد أصحابها الرسوم ، اما الفريق الاخر المتكون من أبناء المدينة فكان دورهم هو الصيانة ومتابعة التوصيلات وارجاع الخطوط المفصولة ، كان كل شيء يتم بدقة ونظام وسرعة قياسية رغم قلة الامكانيات وانعدامها في اكثر الاحيان .
يتبع الجزء التاني …
شعبان يونس التائب
____________
* هذه المنشورات هي صفحات من كتاب تحت الإعداد .
* الصورة المرفقه من بقايا الانارة القديمة في شارع ايند عيسى زواره .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *